واللهُ مُتمُّ نورهِ
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالقوي السباعي
عندما تُصبِحُ ذكرى المولد النبويّ الشريف مناسبةً تلوكها أفواهُ السَّوقةِ بالهمزِ واللمز، أَو حادثةً عَرضيةً تتلقَّفُها الألسُنُ المسعورةُ والأقلامُ المأجورةُ بالتهكّم والاستهجان، أَو مادةً إعلاميةً تتناولها القنواتُ الجماهيرية المشبوهة بالقدح والذم والتحوير والتضليل، أَو حالةً افتراضيةً تغطّيها المواقعُ التواصلية بالسخرية والاستهزاء، حينها تأكّـد أن أولياءَ الطاغوت لا تزال سيوفُ مكرِهم وحقدِهم لم تُغمَدْ بَعدُ، ما تزال سيوفُ استهدافهم لمحمدٍ رسول الله –صلّى اللهُ عليه وعلى آله– مسلولةً متربصةً بهِ وبرسالته وذلك منذُ ولادتهِ أي قبلَ حوالي 1493 عاماً حتى اليوم، فبعدَ مولده عزم أولياءُ الطاغوت من أحبار الشمعدان ورهبان الصليب على إطفاء نور الله في مهده، فحزموا أمرَهم وحشدوا خيلَهم وَرجلَهم وفيلَهم وكادوا ومكروا فصار كيدُهم في تضليلٍ، قال تَعَالَى: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول)، وبعدَ أن ابتعثه اللهُ نبيًّا ورسولاً وحمل رسالةَ الإسلام، عزم أولياءُ الطاغوت وحزموا أمرَهم على إجهاض الدعوة وقتل حاملها وتفريق دمه بين القبائل، فمكروا وكادوا فجعل اللهُ من بين أيدهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا فأغشاهم فهم لا يُبصرون، وبعد هجرتهِ وتمرّكز دعوته في المدينة المنورة، أجمع أولياءُ الطاغوت على استئصال شأفة رسالتهِ وسحق حاضنة دعوته وعقدوا العزمَ وحزموا الأمرَ وتجمّعت الأحزابُ فكان حزمُهم وعزمُهم إلى بوار، قال تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)، وحين اختار الرفيقَ الأعلى بعدَ أن أكمل الرسالة وأدّى الأمانة، غير أنه ظلَّ حيًّا في كُـلِّ نفسٍ مؤمنةٍ عبرَ الأجيال المتعاقبة، وظلت علاقته الحميمة وارتباطه الوثيق بمعاشر اليمانيين الأنصار قائمةً ومتأصلةً في نفوسهم ومتجدّدةً في أجيالهم المتعاقبة إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها.
ففي الوقت الذي استطاع فيه أولياءُ الطاغوت من التوغّل في صفوفِ الأُمَّـة المحمديّة عبر وسائلَ مختلفة وَأساليبَ شتى وخلال حُقبٍ تاريخيةٍ متتالية، إذ قاموا باستنساخ أجيال هامشية التأثر بالرسول الأعظم، منحرفةِ الاقتداء، سلبيةِ الاهتداء، حتى باتت أجيالٌ من أُمَّـة الإسلام لا تعرف من القرآن إلّا رسمه ومن النبي إلّا اسمه، الأمرُ الذي جعل لليمنيين مواقفَ حاسمة ومغايرة جاءت انعكاساً لتلك العلاقة وذلك الارتباط بنبيهم محمد بن عبدالله بن عَبدالمطلب بن هاشم –صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلم– مستلهمين ومستحضرين بذلك روحيةَ أسلافهم الأنصار في كُـلِّ موقفٍ ومع كُـلِّ منعطفٍ.
فمثلاً حين يحتفل اليمانيّون بذكرى المولد النبويّ الشريف ليس إحيَاءً للمولد فحسب بل إحيَاء لروحية النبي الأكرم وتخليد لقُدسية الرسول الأعظم؛ تجسيداً حقيقياً لدينه وانتهاجاً لنهجه قولاً وعملاً، واقتفاءً لأثَرِه سلوكاً وممارسةً، فها هم اليوم كما كانوا بالأمس وسيظلون مجدّدين مؤكّـدين للولاء والمحبّة والنصرة لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله-، فبثباتِهم وصمودِهم وبصبرِهم وتضحياتِهم سيحقّقون النصرَ وسيخمدون هيمنةَ وغطرسةَ أولياء الطاغوت وأدواته التي ما فتئت سيوفُ مكرهم تضربُ وخناجرُ غدرهم تطعن وسياطُ ألسنتهم تلسع، قال اللهُ -سُبْحَانَــهُ وتَعَالَى-: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).