أزمة عجز الموازنة تخيِّم على الاقتصاد السعودي في عام 2020

|| صحافة ||

أعلنت السعودية عن ميزانية عام 2020 البالغة 1.02 تريليون ريال (272 مليار دولار).

العجز في ميزانية السعودية قد زاد بشکل أكثر في الميزانية الجديدة. ومن ناحية أخرى، لا تزال السعودية تسعى لتحقيق طموحات اقتصادية وعسكرية لا تتفق مع تفاصيل الميزانية الجديدة.

عجز الميزانية المتزايد في السعودية

لم تعلن الحكومة السعودية عن أسعار النفط في الميزانية الجديدة، ولكن وفقاً لتقديرات الخبراء فإن الميزانية قدَّرت سعر البرميل الواحد بـ 62 إلی 63 دولاراً وإنتاج 9.8 ملايين برميل يومياً.

من المتوقع أن تصل إيرادات السعودية بحلول عام 2020 إلى 833 مليار ريال. وسيصل عجز ميزانية عام 2020 إلى 187 مليار ريال، أي ما يعادل 6.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

لقد شهد العجز في ميزانية السعودية نمواً غير متوقع في السنوات القليلة الماضية. ومنذ عام 2011، زاد هذا العجز في ميزانية هذا البلد.

بدأ العجز في الموازنة السعودية يتصاعد منذ عام 2014. وفي عام 2015، بلغ هذا العجز 38 مليار دولار.

الدخول في حرب اليمن قد ضاعف عجز الموازنة السعودية والذي كان في حالة حرجة، وفي عام 2016 وصل العجز إلى 87 مليار دولار.

الزيادة النسبية في أسعار النفط وتزايد صادرات النفط، قد أديا إلى انخفاض عجز الموازنة هذا إلى 57 مليار دولار في عام 2017، لكنه لا يزال في حالة حرجة.

مع مجيء ترامب والموجة الجديدة من إيران فوبيا لبيع الأسلحة إلى السعودية، فجأةً بلغ عجز الموازنة السعودية 131 مليار دولار في عام 2019، في نمو غير متوقع بلغ ثلاثة أضعاف، أي ما يعادل 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

التوقعات الاقتصادية السعودية وميزانية النفط

لا يزال الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على النفط. بحيث إن حوالي 90٪ من دخل السعودية يأتي من صادرات النفط. وبعد بدء العجز السعودي منذ عام 2011، لم يتمکن الخبراء والاقتصاديون من إنقاذ هذا البلد من مستنقع العجز السنوي.

زيادة صادرات النفط التي أدت إلى زيادة إنتاج أوبك، خفضت في اتجاه معاكس من أسعار النفط، وفي مسار تسلسلي فقد خفضت الإيرادات السنوية للسعودية من المستوى المرغوب فيه.

أعادت تقلبات الميزانية السعودية خطر الصدمة الاقتصادية عام 1998. ولتجنب هذه الصدمة، وكذلك في منافسة مع دول مثل الإمارات، قرر ولي العهد السعودي في عام 2016 إحداث تحول اقتصادي كبير في السعودية، بافتتاح أكثر من 80 مشروعاً.

هذه الرؤية الاقتصادية التي تدعی وثيقة رؤية 2030، تهدف إلى تقليل اعتماد السعودية على النفط، عن طريق إنشاء صندوق مستقل وزيادة حصة القطاع الخاص.

يتمثل أحد محركات رؤية 2030، في بيع 5٪ من أسهم أرامكو في المرحلة الأولى. لقد جمعت السعودية حتى الآن 25 مليار دولار من مبيعات أسهم أرامكو، لكنها تمكنت فقط من بيع واحد ونصف في المئة من أسهم أرامكو، والتي اشترت الكثير منها العائلات الملكية الثرية تحت ضغط الحكومة. والتوقعات السعودية لم تتحقق في بورصة نيويورك وبورصة لندن.

في الرؤية الاقتصادية السعودية لعام 2020، قرر السعوديون تخفيض اعتمادهم على النفط إلى مستوى لا يتأثر فيه الاقتصاد السعودي بأي أثر سلبي حتى لو وصلت أسعار النفط إلی 30 دولاراً، لكن هذا الطموح فشل بشکل کبير، لدرجة أن السعودية قد رفضت ذكر أسعار النفط في ميزانية 2020.

تصحيح الأخطاء في الموازنة الجديدة

بعد الصفقة العسكرية السعودية مع أمريكا بقيمة 110 مليارات دولار، خصصت السعودية الحصة الأكبر لميزانية الدفاع في عام 2018 بمقدار 17.3، وكان هذا رقماً قياسياً تاريخياً في الميزانيات العسكرية لهذا البلد.

زادت هذه الميزانية العسكرية بنسبة 28٪ مقارنةً بعام 2009، ما جعل السعودية تمتلك رابع أكبر ميزانية عسكرية في العالم. هذه الرتبة استخدمها الإعلام والسياسيون السعوديون لزيادة مكانتهم العسكرية وبث الذعر في دول المنطقة مثل قطر.

مع انحسار الانفعالات السياسية، لاحظت السعودية التأثير الهائل للطموحات العسكرية على اقتصادها. بحيث ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” أول أمس، أن الميزانية العسكرية السعودية المحددة للعام المقبل قد انخفضت بنسبة 8٪ مقارنةً بعام 2019.

قدَّمت السعودية أكبر ميزانية لها العام الماضي، زاد فيها الإنفاق الحكومي بنسبة 7 في المائة. وقد قرر السعوديون زيادة الإيرادات غير النفطية إلى 77 مليار دولار العام الماضي لإصلاح الشؤون الاقتصادية، بحيث من المتوقع أن يصل الدين إلى 131 مليار ريال العام المقبل، لكن هذه التوقعات لم تتحقق.

وعلی الرغم من أن السعودية قد نجحت إلى حد ما في نمو الإيرادات غير النفطية، حيث زادت بنسبة 14.4٪ وفقاً لوزير المالية، لكن إيرادات أرامكو تراجعت بنسبة 12٪ ونما عجز الموازنة السعودية بنسبة 42٪.

مازال ابن سلمان يواصل الإصرار على تنويع الاقتصاد السعودي وإصلاح النظام الاقتصادي لهذا البلد. وفي اجتماع لمجلس الوزراء حول الميزانية، أشار إلى صندوق الثروة السيادي السعودي، وقال: “نعتزم مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتنويع مصادر دخلنا. تشمل هذه الإصلاحات إعادة استثمار عائدات أسهم أرامكو من خلال صندوق الاستثمار العام”.

كما أكد أن:”ميزانية 2020 قد أُعدَّت في ظل التحديات والمخاطر والسياسات المحافظة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وتتطلب مرونةً في إدارة الأصول العامة”.

لكن السلطات السعودية فشلت حتى الآن في وضع نموذج اقتصادي ناجح، ولا يزال النفط يشکل عاملاً مهمًا في تقلبات الاقتصاد السعودي، وأحد الأسباب المهمة لذلك هو أن النظام السعودي الحالي مستمد من اقتصاد نفطي وريعي، ولا يمكنه إجراء إصلاحات جوهرية تمشياً مع المعايير المقبولة دولياً.

بصرف النظر عن الشعارات الاقتصادية الرنانة، تتوقع الحكومة السعودية في الحالة الأكثر منطقيةً نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3٪ في عام 2020، بينما كانت التوقعات في عام 2019 عند 0.4٪.

صندوق النقد الدولي وفي تقريره في نوفمبر، توقع أن ينخفض النمو الاقتصادي السعودي أقل من التقديرات السابقة، وذلك تحت تأثير تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وانخفاض أسعار النفط.

بناءً على هذا التوقع، سيصل معدل نمو الاقتصاد السعودي إلى 0.2 في المئة بحلول نهاية هذا العام، وسيكون ذلك أقل بنسبة 1.6 في المئة من التقدير السابق لهذه المنظمة.

كما في العام الماضي، تحاول السعودية توفير جزء من ميزانيتها من الإيرادات غير النفطية، وفي هذا الصدد قال وزير المالية “محمد الجدعان” إن: “الحكومة ستعزز القطاعات غير النفطية مثل السياحة والترفيه والرياضة والخدمات المالية والدعم”.

أما الجزء الثاني من النشاط الاقتصادي للسعودية، فهو جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وخاصةً من الدول الخليجية، لأن أصحاب رؤوس الأموال في الدول الغربية يعتبرون الاستثمار في السعودية مجازفةً، بسبب السجل السلبي لحقوق الإنسان في السعودية، عدم وجود الشفافية المالية ومشاركة الرياض في الحروب بالوكالة.

ومع ذلك، فإن صورة السعودية الدولية والإقليمية، وكيفية نشاطها في المؤسسات الإقليمية والتي تسعى إلى السيطرة علی العالم العربي وقيادته، تجعلان من خطط السعودية في جذب رؤوس الأموال الاقليمية غير قادرة علی تحقيق النتائج المرجوة.

 

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا