المحاولات الاستعمارية الإيطالية للسيطرة على اليمن

‏موقع أنصار الله || مقالات || أنس القاضي

تميزت الحقبة التاريخية الممتدة منذ القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، بالمواجهة اليمنية الباسلة، للنشاط التنافسي المحموم بين الدول الاستعمارية، وكان اكثر النضالات اليمنية شراسة مواجهة الاستعمار العثماني والإنجليزي، والتوسع الوهابي السعودي.

لم يقتصر النشاط الاستعماري الطامع في اليمن على الامبريالية البريطانية والامبراطورية العثانية والقيصرية الألمانية، فقد اتجهت الأنظار الإيطالية صوب اليمن. فمن بعد تأسيس إيطاليا لمستعمرة إرتيريا عام 1890م بدأت التحركات الإيطالية إلى شمال اليمن الواقع تحت الاحتلال العثماني، عن طريق الرحالة الإيطاليين الذين زاروا اليمن . ففي سنة 1870م زار اليمن الرحال الإيطالي «ريتزو مانزو», وبعدها زارها تاجر الآثار الإيطالي اليهودي «موسى شابيرو» عام 1878م.

تذكر المصادر التاريخية الإيطالية أنه في 9 يونيو 1899م وصلت سفينة حربية إيطاليا عند شواطئ الحديدة ، وهددت باستعمال العنف. وفي مطلع القرن العشرين، وصلت سفينة حربية إيطالية أخرى من جدة إلى موانئ المخا، الحديدة، كمران، وجزر فرسان بحجة مطاردة القرصنة. وفي عام 1902م بلغت التهديدات الإيطالية ذروتها وذلك باستخدامها القوة العسكرية حيث قام الأسطول الإيطالي بقصف ميناء ميدي.

مثل الأدارسة المنفذ الأول للتسلل الإيطالي إلى اليمن.. وبدأت علاقات إيطالية بالأدارسة منذ مطلع القرن العشرين. ففي عام 1905م، تمت أول اتصالات مباشرة بين محمد علي الإدريسي وبين المفوضية الإيطالية في القاهرة، وكان الإدريسي ما يزال يدرس في جامعة الأزهر. ومن خلال هذه التواصلات حرض الإيطاليون محمد الإدريسي على القيام بأعمال عسكرية ضد العثمانيين في عسير. ووعدوه بالدعم والمساندة، وكان غرض الإيطاليون من دعم الإدريسي هو القضاء على النفوذ التركي في الساحل اليمني، واستبداله بنفوذ إيطالي. استمرت العلاقة قائمة بين الإدريسي وإيطاليا، ومع تفجر الحرب العالمية الأولى انحاز الأدريسي إلى جانب الإمبراطورية البريطانية.

بعد استيلاء الفاشيون على السُلطة في إيطاليا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، عاد الإيطاليون مجددا إلى توسيع نفوذهم في ساحل البحر الأحمر من غربه إلى شرقه. وفي هذه المرة تركزت المخططات الإيطالية عن طريق الخداع السياسي والهيمنة الاقتصادية على المتوكلية اليمنية.

بدأت علاقة إيطاليا باليمن المتوكلية في عام 1923م، تظاهر الإيطاليون حينها بالتعاطف مع المشروع السياسي للإمام يحيى في توحيد الأرضي اليمنية من عسير إلى عدن. وفي عام 1926م تمكن الإيطاليون من عقد اتفاقية صداقة وتجارة مع اليمن.

قدم الإيطاليون للدولة اليمنية أسلحة قديمة، وأقاموا مصنعاً للذخيرة ومحطة لاسلكي، وأرسلوا بعثة طبية، واخذوا يدربون اليمنيين على الطيران الحربي والمدني. ومقابل ما قدمه الإيطاليون من أسلحة وخدمات بسيطة للدولة اليمنية، حصلت الرأسمالية الإيطالية على حق احتكار تجارة البن اليمني الذي كان رائجاً في السوق العالمية. كما أصبحت اليمن في هذه الفترة سوقاً لتصريف المنتجات الإيطالية، وإضافة لذلك احتكر الإيطاليون بيع البترول إلى اليمن، وشكلوا لهذا الغرض الشركة العربية الإيطالية.

لم يكتف الإيطاليون بالهيمنة الاقتصادية على الدولة اليمنية، فقد استطاعوا استمالة بعض الشخصيات القريبة من الإمام يحيى، وقد احدث هذا النفوذ الإيطالي جزعاً شديداً لدى بريطانيا. تخوفت بريطانيا من ان يستطيع الإيطاليون الحصول على قاعدة في باب المندب، وبالتالي قطع الطريق البحري أمام بريطانيا إلى مستعمراتها في الهند وتهديد مكانتها في منطقة عدن والخليج.

وبعد عامين من الاتفاقية اليمنية الإيطالية شنت بريطانيا هجوماً على الشمال في اليمن، وسواحل الحديدة. ولم يمض كثير من الوقت حتى اتضحت الصورة أن الإيطاليون لا يهتمون في دعم الأمام يحيى توحيد اليمن، بل تحقيق أطماعهم التوسعية الخاصة في منافستهم الاستعمارية مع بريطانيا.

في هذا الوقت الذي كانت بريطانيا الاستعمارية وإيطاليا الفاشية قد عزمتا على ابتلاع الدولة اليمنية المستقلة في الشمال، غيرت اليمن المتوكلية من سياستها الخارجية، فأطل الى منطقة الجزيرة العربية الاتحاد السوفياتي كوجه جديد لا تحركه النوازع الاستعمارية بل المصالح المتبادلة، وكان هناك مصلحة للسوفييت في إقامة علاقات مع اليمن لفك الحصار الذي ضربته عليها الدول الغربية.

بدأت العلاقات التي بين اليمن والاتحاد السوفياتي منذ عام 1962م عن طريق البعثة السوفياتية التي كانت موجودة في جدة؛ وتكللت في مطلع نوفمبر 1982م توقيع معاهدة الصداقة والتجارة اليمنية السوفياتية واستقرت في صنعاء البعثة التجارية السوفييتية.

وبدأت البواخر السوفياتية تحمل البترول إلى الحديدة وبضائع أخرى، زراعية وصناعية بأسعار زهيدة فكُسر الاحتكار الإيطالي للتجارة الخارجية والداخلية، وأيد الاتحاد السوفياتي حق الشعب اليمني في وحدته، وقد ساعد التقارب اليمني السوفياتي، تخلص صنعاء من التطويق الاستعماري، والفاشية، وثبت من مكانة اليمن الاقتصادية الدولية.

مراجع هذه الحلقة

كتاب طريق الثورة والوحدة اليمنية، للدكتور محمد علي الشهاري

كتاب البحر الأحمر والجزر اليمنية تاريخ وقضية، للدكتور سيد مصطفى سالم.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com