خفايا رابعة توازن الردع وما بعدها
موقع أنصار الله || مقالات || منير الشامي
كثيرةٌ هي الأسرارُ التي تخفيها عمليةُ توازن الردع الرابعة وما بعدها، اتضح بعضٌ منها، وبعضٌ من نتائجها، بيد أن أغلبها ما زال طي الكتمان، وقد لا يظهر إلى العلن إلا بعد سنوات.
ومع ذلك فالقليل الذي ظهر منها يشير إلى دلائل قوية، ويؤكّـد أن المخفي من نتائج هذه العملية أعظم من أي تصور، وأكبر من كُـلّ توقع وأشمل من كُـلّ حدس أَو تخمين.
فأول نتيجة ظهرت من نتائجها، هي أنها أفقدت نظامَ الرياض توازنه، ومن شدة الصدمة أدخلته في حالة هيستيرية غير مسبوقة، جعلته يصدر ثلاثة بيانات في ليلة واحدة، ما زالت غالبة عليه ومفقدة له توازنَه وقواه العقلية حتى اليوم، ما زال غيرَ متزن في قراراته، وهذا واضح في إعلانه بعد يومين من العملية عن تنفيذ عملية حربية على أهداف -للحوثيين- حَــدّ وصفه، وكأنه يستأنف حرباً بعد توقف طويل، ومتناسياً أن عدوانهم وقصفهم لم يتوقف ساعة واحدة، وتمخضت تلك العملية بقصف طيرانه للعاصمة صنعاء بأكثر من 30 غارة جوية لأهداف مدنية بحتة تابعة لمواطنين وأهداف أُخرى سبق قصفها مرات كثيرة، فلا زال نظام الرياض متخبطاً في تصريحاته، ومتضارباً في تصرفاته إلى هذه اللحظة، ما يعني ويؤكّـد أنها أصابته في مقتل، وأن خسائره منها متنوعة ولا حصر لها، وأنه لم يفق من صدمتها، ولم يستوعبها بعد ولا قدر حتى الآن أن يستجمع قواه، وتفكيره بعد أن نسفتهما تلك العملية ونثرتهما في كُـلِّ اتّجاه مثلما نسفت أهدافها.
ناطقنا الرسمي أبقى هذه العملية مبهمة في أهمِّ أركانها وأهم معلوماتها العسكرية والحربية، وترك الإيضاح لنظام الرياض، الذي لا يفصح عن 1 % من حقيقة كُـلّ عملية فيما سبق، واستثنى هذه العملية لأسباب لا يعلمها من الخلق إلا هو وأسياده، بكشفه كُـلَّ يوم وآخر عن نتائج جديدة لها محدودة وغير مكتملة، كان آخرها إعلانه، يوم أمس الأول، عن سقوط ثلاثة ضباط سعوديين.
انكشف لاحقاً أن هذه العملية استمرت لعشر ساعات في قصف متواصل لم يتوقف، وهذا يدلُّ على كثرة الصواريخ والطائرات المسيّرة المستخدمة في العملية من جانب، ومن جانب آخر يؤكّـد فشلاً كاملاً لكل أنظمة الدفاع الجوي التي استجلبها نظام الرياض بعد عملية بقيق وخريص (توازن الردع الثالثة)، وعدم قدرتها على صد صاروخ واحد ولا طائرة مسيّرة واحدة.
المشاهد التي عُرضت في بيان ناطق العدوان من معرض جمعوا فيه بعض بقايا الصواريخ والطائرات المستخدمة في العملية، تكذب ما أعلنه المالكي من أن تلك البقايا هي للصواريخ والطائرات التي تم إسقاطها؛ لأَنَّ أية طائرة مسيّرة أَو صاروخ يتم النجاح في صده بصاروخ دفاع جوي يتحول إلى شظايا صغيرة جِـدًّا؛ بسَببِ قوة الانفجار والتصادم بين المستهدف والهدف في الجو، ويستحيل أن تبقى منها أجزاء سليمة وكاملة كتلك التي ظهرت في بيان المالكي، وهي عبارة عن خزان وقود لصاروخ من طراز بركان تو إتش وطائرة مسيّرة شبه كاملة نفذت مهمتها بنجاح ولم يتأثر هيكلُها كَثيراً أثناء انفجارها في الهدف، وبالنسبة لصاروخ فقد عرض خزان الوقود الذي ينفصل عن الرأس المتفجر قبل اتّجاهه إلى هدفه، وغالبًا ما يسمى ويصل سليمًا، ما يفند مزاعم المالكي بإسقاطها جملةً وتفصيلاً.
تأكيد شهود العيان عن استمرار تصاعد أعمدة الدخان من مواقع كثيرة ومتعددة أُخرى غير الأهداف التي ذكرها الناطق الرسمي العميد سريع ومن مواقع بعض القصور الملكية، كما ذكر بعض شهود العيان، ما يعني أن تلك القصور كانت من ضمن الأهداف التي طالتها هذه العملية، وهو ما ذكره -اليومَ- أحد الناشطين في تغريدة بصفحته بعد أكثر من 10 أَيَّـام من العملية، أكّـد فيها سقوط عدد من الأمراء في تلك العملية، ما يؤكّـد فعلاً أن القصور الملكية كانت من ضمن أهداف العملية.
في تسريبات غير مؤكّـدة، ذكر بعض الناشطين أن من بين الخسائر البشرية الذين سقطوا في وزارة الدفاع السعودية ومباني الاستخبارات العشرات من الخبراء والضباط الأجانب (أمريكيين وإسرائيليين)، إضافة إلى القيادات العسكرية السعودية، تلى ذلك قبل يومين إعلان النظام الأمريكي إخلاء رعاياه من السعودية، من ضمنهم دبلوماسيون، معللاً ذلك بحجّـة تفشي كورونا، غير أن الحقيقة هي خوف من استهدافهم بعمليات قادمة خُصُوصاً بعد تأكيد قيادتنا عن استمرار هذه العمليات.
التضارب في تصريحات الناطق الرسمي للعدوان بعد العملية، وخُصُوصاً في وصفه للأسلحة المستخدمة في العملية بالإيرانية، وقوله باستحالة أن تكون يمنية، ثم تأكيده في نفس البيان استهداف طيرانهم لمواقع بالعاصمة صنعاء -هناجر- تستخدم لتصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
إطلاقُ نظام الرياض لبعض من سفن المشتقات النفطية بعد العملية، يدُلُّ على أنه لم يستوعب الدرسَ من العملية، ولم يعِ بعدُ كُـلَّ رسائلها بصورة طبيعية ومتكاملة، فغطرسته واستغباؤه لا زال ظاهراً؛ لأَنَّ رسالتها الأولى التوقف الفوري عن احتجاز سفن المشتقات.
هذا نزر يسير من خفايا توازن الردع الرابعة التي كشف عنها نظام الرياض بصورة أَو بأُخرى، والأعظم منها لا زال متحفظاً عليه بالإجبار، ولن يستفيد منه ومن دروسها ورسائلها ويتغابى عن قرار النظام الأمريكي بترحيل رعاياه؛ لأَنَّه يرى مصلحته فيما فيه زواله، ويرى زواله فيما فيه مصلحته؛ ولذلك يسيرُ في طريق زواله وينحدرُ في مسار سقوطه ويتجهز ليتلقى الخامسة والسادسة وما بعدها حتى آخر عملية منها، وَستكون الضربة القاضية التي لن تُبقيَ له وجوداً.