اليمن.. متحفٌ عسكري لحطام سلاح أمريكي ذكي تفوق عليه مقاتل عبقري
موقع أنصار الله || مقالات || السفير محمد محمد السادة*
كان الاعتقاد السائد لدى كبار الخبراء والمحللين العسكريين في بداية العدوان على اليمن، أن قدراتِ قوات صنعاء لن تتجاوزَ حدودَ معركة برية خاطفة، لا سِـيَّـما وأن المخطّط الخارجي المدروس والتدريجي لتفكيك الجيش وتدمير قدرات اليمن العسكرية قد نجح بالتواطؤ مع عدد من القيادات العسكرية لنظام صالح السابق، حيث أشرف فريق ضباط أمريكي برئاسة مدير مكتب إزالة الأسلحة بوزارة الخارجية الأمريكية، على عملية تفكيك وتعطيل وتدمير جزء كبير من الصواريخ المتنوعة للدفاع الجوي مثل صواريخ سام واستريلا، وتزامن ذلك مع حوادث سقوط الطائرات الحربية، حيث سقطت أكثر من 12 طائرة خلال ثلاث سنوات (2011-2013)، وكانت نتيجة التحقيقات لكل تلك الحوادث أن السبب خلل فني وأن الطائرات روسية وقديمة، أضف إلى ذلك أن الضربات الجوية الاستباقية التي من خلالها دشّـن التحالف عدوانه بقيادة السعودية تمكّنت من تدمير العديد من الأهداف العسكرية.
رغم كُـلِّ تلك المعطيات أثبتت صنعاء فشلَ كُـلّ تلك التحليلات والتوقعات، بل وقدمت الدروس التي تفوقت على القواعد وَالنظريات العسكرية، وقدمت مقاتلاً له عقيدة قتالية تتسم بالثبات وعدم الخضوع لإملاءات القوة العسكرية، ولها ضوابط وقيم دينية وإنسانية وأخلاقية، كما سطر الشعب اليمني الأصيل نموذجاً فريداً من الصمود وبرهن للعالم أن للنصر شرطين لا ثالث لهما، الأول: هو وجود قضية عادلة يؤمن بها، والثاني: التضحية، مِن أجلِ القضية، وبذلك يُهزم العدوّ وإن امتلك الجيوش الجرارة والأسلحة الحديثة والذكية.
رغم امتلاك النظام السعودي لترسانة عسكرية هي الأكبر والأحدث في المنطقة، يقول الرئيس ترامب أقرب حلفاء هذا النظام، بأن السعودية غير قادرة على الدفاع عن نفسها عسكريًّا، ليس هذا فحسب، بل وَوصف قوات التحالف بقيادة السعودية بأنها لا تعرف كيفيةَ استخدام السلاح الأمريكي في حربها في اليمن، رغم تدريب الجيش السعودي على كيفية استخدام الأسلحة الأمريكية.
هذا النقد المهين للنظام السعودي أكبر مستورد السلاح الأمريكي، يلخص مرارة الهزيمة والإهانة لفخر الصناعات العسكرية الأمريكية، فقد حولت قوات صنعاء جبهات القتال إلى متحف عسكري مفتوح يضم بقايا حطام السلاح الأمريكي الذكي، لا سِـيَّـما في الساحل الغربي وفي الأراضي السعودية الحدودية، حيث يروي منظر بقايا عشرات الدبابات الإبرامز وَالمدرعات البرادلي الأحدث تكنولوجيًّا والأغلى ثمناً، بطولات مقاتل يمني تعامل بكفاءة عالية مع هذه الدبابات والعربات المدرعة، وأصابها في مقتل، مستهدفاً نقاط ضعفها، مستخدماً أسلحة بسيطة ضد الدروع كصواريخ كورنيت وَفاغوث وقذائف آر بي جي.
أمام هذه الإهانة العسكرية لم تستطع الولايات المتحدة أكثر من تحميل الجيش السعودي مسؤولية الإساءة لسمعة السلاح الأمريكي، وَتعليق مسؤوليها بأن سبب عجز الآليات أمام المقاتلين اليمنيين وعدم فاعليتها في أرض المعركة يعود لعدم امتلاك الجيش السعودي للخبرة.
لم يكتفِ النظامُ السعودي وجيشُه بإهانة السلاح الأمريكي، بل أضاف فضيحةً أُخرى أكّـدتها وزارة الدفاع الأمريكية، حيث انتهك التحالف بقيادة السعودية شروط بيع السلاح من خلال قيامه بتسليم جزء من السلاح الأمريكي لطرف ثالث هو تنظيم القاعدة وَالمليشيات الوهابية المتطرفة، مثل ألوية العمالقة وجماعة أبو العباس المدرجة ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية، الأمر الذي يُثبت فوضوية التحالف ويؤكّـد رعايةَ النظام السعودي للجماعات الإرهابية التي يحتضنها ويغذيها فكرُه الوهَّـابي المتطرف.
يضافُ لقائمة الفشل العسكري الأمريكي والغربي، تمكُّنُ دفاعات صنعاء من إسقاط 13 طائرة حربية حديثة لتحالف العدوان على اليمن منها F16، أباتشي، ميراج، تورنيدو، بالإضافة لمختلف أنواع الطائرات المسيّرة كطائرة MQ الأمريكية التجسسية الأحدث تكنولوجياً، ويُعد ذلك إنجازاً عسكريًّا نوعيًّا لم يكن مطلقاً في حسبان تحالف العدوان.
لأول مرة يُقر تقريرُ فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن الدولي الصادر في يناير2020، بتطور التصنيع الحربي اليمني واعتماد صنعاء على قدرات ذاتية في تطوير سلاح الصواريخ والطيران المسيّر بمواد محلية؛ لذا ليس بمستغرب دخول اليمن موسوعة التاريخ العسكري من حيث استخدامه للطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية الذي يُعد الأكثر في التاريخ الحديث، وهذا ما أكّـده تقرير المركز الاستراتيجي للدراسات الدولية في واشنطن والصادر في يونيو 2020 بعنوان حرب الصواريخ في اليمن، حيث أشار التقرير إلى أن الاستخدام المكثّـف للصواريخ البالستية بما فيها صواريخ كروز والطيران المسيّر يُعد أحد الجوانب الرئيسة في العمليات العسكرية، فقد أطلقت قوات صنعاء مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة ضد أهداف عسكرية وحيوية في السعودية والإمارات، وأظهرت فشل منظومة دفاعات الباتريوت الأمريكية في عملية الاعتراض، ومكن ذلك قوات صنعاء من تنفيذ أربع عمليات ردع رئيسية في العمق السعودي، كان أبرزها الاستهداف الدقيق للمنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو في بقيق وَخريص على بُعد أكثر من 1400 كم من صنعاء.
كما أصبحت قوات صنعاء تمتلك ترسانة من السلاح الحديثة لا سِـيَّـما الخفيف والمتوسط منه، تم اغتنامُه في المعارك على مدار أكثر من خمس سنوات، فقد أكّـدت محطة سي إن إن الأمريكية، أن المدرعات الأمريكية التي ظهرت للإعلام وكان يقودها عضو المجلس السياسي الأعلى بصنعاء محمد علي الحوثي في صنعاء والحديدة مثل مدرعة MRAP المضادة للألغام والكمائن، هي مدرعات تم بيعها للنظامين السعودي والإماراتي.
لا شك أن إدارةَ ترامب نجحت في إبرام صفقات بيع سلاح بمئات المليارات؛ خُصُوصاً لكُلٍّ من النظامين السعودي والإماراتي، وهذا ما لم تحقّقه أية إدارة سابقة، كما تكفلت بدعم تحالف العدوان على اليمن لوجستياً عبر تزويد المقاتلات بالوقود في الجو، وعملياتياً من خلال قيادة غرف العمليات العسكرية، واستخباراتياً بتزويد التحالف بخارطة الأهداف، وسياسيًّا بتقديم المواقف الداعمة للنظامين السعودي والإماراتي في المحافل الدولية لدرجة فاضحة مكنت النظام السعودي من عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ورفع اسمه من القائمة الأممية السوداء الخَاصَّة بقتل الأطفال، رغم سجله الحافل بأسوأ الانتهاكات لحقوق الإنسان بحق مواطنيه، وارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية بحق أبناء الشعب اليمني العزيز.
بالمقابل، لا شك أن العدوانَ على اليمن أضر بسُمعة السلاح الأمريكي، فقد جعل الجيش السعودي وتحالفه من الإبرامز والبرادلي سلاحاً بريًّا فاشلاً، كما حول المقاتلات الأمريكية لمُجَـرّد سلاح للجريمة الإنسانية في اليمن بحق عشرات الآلاف من الأبرياء الذين طالتهم غارات التحالف وهم في المدارس والمستشفيات والأسواق وصالات الأعراس والعزاء والباصات وغيرها، وكان لها أثر في زيادة حدة كراهية شعوب المنطقة والعالم لسياسات الولايات المتحدة، بالإضافة لتحميلها مسؤولية مشاركتها في تلك الجرائم.
ختاماً، كمواطن يمني أدعو الجهاتِ المعنية في صنعاء لإبراز وتوثيق وحشية العدوان والمأساة الإنسانية التي سببها، بالإضافة لإبراز حجم التضحيات الكبيرة التي قُدمت وتوجت بالانتصارات العظيمة التي هزمت التحالف وجحافله بفضل الله، وذلك من خلال إنشاء متحف شامل يخلّد ذكرى العدوان على اليمن لتكون حاضرة في الأذهان جيلاً بعد جيل نستلهمُ منها الدروس والبطولات.
*نائب رئيس دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية