2000 يوم.. صمود وانتصار مقابل هزيمة وانكسار
موقع أنصار الله || مقالات || منير الشامي
لا زلت أتذكر جيِّدًا اللحظات الأولى لشن عدوانهم الغاشم وإشهار عاصفة حزمهم قبل منتصف مساء الـ26 والعشرين من شهر مارس 2015م بدقائق، ولا زالت مشاعرُ تلك اللحظات راسخة في وجداني وكأنه لم يمضِ عليها سوى سويعات فقط وليس 2000 يوم، ففي تلك الليلة التي لم يكن قد فاق فيها اليمنيون من حادثتي تفجير مسجدي بدر والحشحوش بأيدي عناصر القاعدة الإرهابية قبل خمسة أيام مضت، تفاجأ اليمنيون بانفجارات عنيفة هزّت العاصمة صنعاء بقصف طيران العدوّ السعودي لعدد من منازل المواطنين في مديرية بني الحارث، وتحديداً حي بني حوات، مخلّفاً أولى مجازر العدوان التي سقط فيها العشرات ما بين قتيل وجريح، وكذلك على قاعدة الديلمي، وعلى مطار صنعاء الدولي، ولم تمض لحظات قليلة جِـدًّا إلا وظهر المسخ عادل الجبير سفير السعودية في أمريكا آنذاك من واشنطن في بيان صحفي مباشر باللغة الإنجليزية وعبر كُـلّ القنوات العربية والأجنبية بمشهد يشير إلى أن العالم قد احتشدوا على اليمن وحشدوا عليه كُـلَّ شيء، حتى الإعلام أعلن فيه عن مباحثات سبقت العدوان واستمرت لشهور بين مملكة الحليب وولايات الرضع انتهت باتّفاق الطرفين على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة في اليمن تحت مسمى عاصفة الحزم، ولمسمى وهمي وصفوه بالتحالف العربي حَــدّ تعبيره، لتتضح لنا الحقيقة بأن العدوان هو عدوان أمريكي الجنسية صهيوني الهدف أعرابي التنفيذ والتمويل، عالمي التأييد والتحشيد.
وجّهوا في تلك الليلة الطعنة الغادرة على اليمن، وحدّدوا بداية سفك الدم اليمني، ونسف براءة طفولته، وقصف حرمة نسائه، وتدمير بنية الشعب ومقدراته، ولا زالت هذه أهدافهم الإجرامية منذ تلك اللحظة وحتى اليوم بعد مضي ألفي يوم، فماذا حقّقوا فيها؟ وأين وصلوا؟ وأين وصل الشعب اليمني في ظل قيادته الثورية الحكيمة ومشروعه القرآني؟
حدّدوا لتحقيق أهدافهم أسبوعاً ثم أسبوعين، ثم قالوا شهراً وشهرين، ومرت أربعون يوماً لم تطلق نحوهم طلقة واحدة فيها من اليمن بتوجيه من قائد الثورة -يحفظه الله ويرعاه-، ولحكمة لم يكن يعلمها إلا الله وهو فقط.
ومرت الشهران والأربعة والعشرة ثم العام والعامان وحتى 2000 يوم، وقد أصبحنا في منتصف العام السادس، وبدأ الرد اليمني على أكبر وأعظم وأحدث ترسانة جهزت في العالم بأبسط سلاح -الكلاشنكوف- الذي حمله رجال الله ومضوا راجلين بعد مرور أربعين يوماً في درب التوكل على الله، وكانت حكمة القائد العَلَم من ذلك تحقيق هدفين هما:-
الهدف الأول: منح قوى الإجرام الفرصة الكافية لوقف العدوان والتراجع عن هذه الحرب العبثية القذرة وإكمال الحجّـة عليهم؛ باعتبَار أن المنتصر في أي حرب خاسر، ومن أجل حفظ ماء وجيههم أمام العالم؛ باعتبَارهم إخوة بغوا علينا لعلهم يدركون أن تحالفهم لن يمنع نسف غرورهم، وتمريغ أنوفهم بالتراب، وأن ترسانتهم المهولة لن تدفع عنهم ذل الانكسار وخزي الانهزام، وأن حشودهم وأربابهم في النظام الصهيوأمريكي لن يرقعوا لهم هيبة منسوفة ولن يرفعوا لهم رؤوساً منكوسة.
الهدف الثاني: لأَنَّهم إن مضوا بعد شيطانهم واستمروا في عدوانهم فسيكذبون، وسيأتي يوم يدّعون فيه دجلاً أن اليمنيين هم من بدأوا الحرب، فيكون العالم شاهداً على كذبهم فيدركون حينما يحترقون بنيران عدوانهم ويستنشقون ذل الهزيمة بأنوفهم الممرغة في التراب أنهم خسروا تلك الفرصة العظيمة، وهو ما حصل، وكأن القائد العَلَم رأى ما سيكون بعين بصيرته القرآنية، وقرأ أحداث هذا العدوان من أوله حتى نهايته، التي لا شك أنه -يحفظه الله ويرعاه- قد رسم معالمها وحدّد إطارها.
لقد مضوا بعد شيطانهم وجعلوا تلك الليلة أول خطوة في مشوار فشلهم وانكسارهم، وطريق ذلهم ونزع هيبتهم ومسار سقوطهم وتمريغ أنوفهم في وحل الطين اليمني، ولم تمض سوى أَيَّـام معدودة من بداية الرد على مملكة الإجرام وتحالفها العدواني إلا وبدأ السحر ينقلب على الساحر شيئاً فشيئاً، فاقتحموا أبراج الجيش السعودي ومعسكراته ونسفوها، وتهاوت أمام أقدامهم الطاهرة كُـلُّ تحصيناته ودفاعاته ولم ينفعه طيرانه ودباباته ولا حشوده ومجنزراته، وبالولاعات أذابوا دباباته ومدرعاته، وفر من أمامهم ألويته وجحافله.
ومضت الشهور تلو الشهور، فزاد البأس اليمني فيها ضراوة، وزاد اليأس العدواني تضخماً، وترسانته هشاشة، ورصيد إجرامه تضاعفاً من دماء وأشلاء عشرات الآلاف من أهل اليمن المستضعفين أطفالاً ونساء ورجالاً بما حصده ولا زال من جرائمه ومجازره التي لم تتوقف خلال ألفي يوم، وفي المقابل بدأت تظهر المفاجآت وتترجم الخيارات الاستراتيجية التي أشار إليها القائد العَلَم بتطوير متسارع لبقايا المنظومات الصاروخية المتهالكة إلى منظومات باليستية رادعة للعدوان، ومنها إلى إنتاج منظومات باليستية جديدة وطائرات مسيّرة متنوعة انقلب الحالُ بعدها، وحقّق رجال الله انتصارات متلاحقة في الداخل وفي أراضي المعتدي، وسددوا ضربات نوعية موجعة نسفت استكبار الطغاة، وكسرت قرن شيطانهم، ودمّـرت غرورهم وانتزعت هيبتهم وبأياديهم الطاهرة المؤيدة من الله كشفوا هشاشة الباطل وتفوقوا بتوكلهم على الله على ترسانة تحالف العدوان وحشوده وعلى تكنولوجيته الحديثة واستخباراته، وجعلوا من مملكة الإجرام وكل من يقف خلفها من طغاة الأرض وأشرارها وكل المرتزِقة والمستأجرين لها، أضحوكة أمام العالم ومسخرة للتاريخ.
وأصبح المجرمون اليوم يذوقون ثمار عدوانهم ناراً وجحيماً وعذاباً أليماً بين الحين والآخر في عقر دارهم وعمق أراضيهم، ويستنجدون العالم صارخين لوقفها عنهم وما لهم من صريخ.
والخلاصة أن التاريخ هو الحكم، فهو من سيدون بطولات اليمنيين وصبرهم وثباتهم وصمودهم وجميع العمليات النوعية التي نفذوها، كعملية بقيق وخريص وعملية نصر من الله، وما هو واقع منها في قادم الأيّام في أنصع صفحات الصمود والانتصار الإنساني لكل أجيال البشرية، كما سيدون الخزي والعار والسقوط الإنساني لمملكة قرب زوالها في أقبح صفحات السقوط الإنساني لكل الأجيال القادمة.