ثورة السيادة والاستقلال
موقع أنصار الله || مقالات || سعاد الشامي
الثورات هي عواصفُ من إرادات بشرية محملة بكل أنفاس المظلومية، والتي لا تهدأ إلا بإقامة دعائم القسط ولبنات العدالة الإنسانية، فجذوة الثورات لا تنطفئ ورجالها لا يخضعون وشعوبها لا تركع، وأهدافها المشروعة لا يساوم عليها؛ لأَنَّ نبضات الحرية هي من تبقي الشعوب على قيد الأمل.
وهذه الثورات لا تأتي من فراغ، ولكنها نتاج وضع مأساوي ومرحلة خطيرة توجب التحَرّك، وهنا يجب علينا أن نعود بذاكرتنا إلى ما قبل ثورة الحادي والعشرين المباركة، لنستذكر ما كان عليه حال هذا الشعب اليمني، وما الذي استدعى قيام مثل هذه الثورة.
سياسيًّا.. كان الشعبُ مسلوبَ الإرادَة مهدور الكرامة، لا سيادة له في اتِّخاذ قراراته، تسلط عليه نظام عميل وخائن قابع تحت الوصاية الخارجية، ومنفذ لأجندتها على أرض الوطن وفقاً لتوجيهات السفير السعودي والسفير الأمريكي، ليصل الحالُ المأساوي من التفريط في سيادة الوطن إلى جلب المارينز الأمريكي وبرعاية من حكومة العمالة آنذاك، ليجولوا ويجوبوا سواحل ومنافذ ومدن اليمن، والطائرات بلا طيار الأمريكية تقصف وتقتل اليمنيين بذريعة ملاحقة القاعدة التي هي صناعة أمريكا وعيونها الاستخبارية داخل اليمن.
اقتصاديًّا.. كانت مقدراتنا وثرواتنا موزعة بين قوى النفوذ الرسمي والحزبي والقبلي، فلا ميزانية دولة كفيلة بنهوض الوطن، ولا اقتصاد قائماً يحمي كيان واستقلال البلاد، فقط قروض ومعونات دولية وشعب محروم من حقوقه ومن خيرات وطنه الوفيرة والمتعددة.
أمنيًّا.. كانت قوى الإرهاب المدعومة من أعداء اليمن وبإشراف السفير الأمريكي تعبثُ بأمن الوطن، وتغتال خيرة رجاله وتحصد مئات الأنفس بعمليات وتفجيرات إرهابية هنا وهناك كُـلّ يوم وآخر، وقد أعطتها السلطةُ العميلةُ الضوءَ الأخضر لتلك الممارسات.
عسكريًّا.. كانت مهمة الجيش اليمني تقتصر على حماية أصحاب النفوذ والكراسي والمحافظة على إبقائهم لأطول فترة ممكنة حتى اختصر الوطن في شخص الرئيس، وسعت الأجندة العميلة إلى تسليم الجو للطائرات الأمريكية والمعسكرات للقاعدة ودمّـرت القوة الصاروخية واغتالت القيادات العسكرية، وتبنت هيكلة الجيش وتفكيكه لتفرغه من مهامه الأَسَاسية، ويصبح مُجَـرّد هيكل عسكري خالٍ من مقاييس الدفاع الوطني.
جغرافياً.. كانت أيادي الوصاية قد أوشكت على تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، تمهيداً لإدخَاله في أتون صراع لا ينتهي، ليثبتوا دعائم الاحتلال عبر سياسة فرق تسد، وبالتالي يخلو لهم الجو ويتمكّنون من التسلط الكلي على الشعب اليمني ونهب مقدراته وخيراته.
إعلاميًّا.. كانت وسائل الإعلام تقود أعظم حملة لتجهيل الشعب اليمني، وتدجينه بعيدًا عن كُـلِّ قيمه الأصيلة ومبادئه الدينية وهُــوِيَّته الإيمانية، ولم تحمل القنوات الرسمية هموم الوطن والمواطن، وتجعلها في أبجديات منابرها، ولكنها سعت لتبريرِ التدخل الأمريكي باليمن، وكان أجل ما يهمها هو متابعة تحَرّكات وأخبار السفير الأمريكي لتشيد بها في مقدمة نشرتها الإخبارية.
اجتماعيًّا.. كانت أبواق التضليل تبث سموم الكراهية بين أبناء الشعب اليمني المتآخي عبر القرون، عن طريق إثارة النزعات العصبية والمذهبية والمناطقية، حتى يصلوا إلى مرحلة التناحر والاقتتال الداخلي.
وفي ظل تلك الأوضاع، لم يكن الشرفاء من أبناء هذا الشعب في غفلة عن كُـلّ ما يدور وما يجري، بل كان شعبُ الأنصار بقيادته الإيمانية ومشروعه القرآني يرصد عن كثب كُـلَّ التحَرّكات، ويراقب المشهد بوعي وبصيرة، وكانت صرخة الموت لأمريكا تتعالى في كُـلِّ شارع وساحة، وكان أبطالُها يشقّون الطريق نحو أهداف رصدت لينسفوها، وأركان خيانة حدّدت ليهدموها ويخلصوا الشعب من أخطبوط العمالة والانبطاح ومن براغيث الفساد وفيروسات الخنوع.
وبفضل الله، انطلقت هذه الثورةُ الخالدة من رحم المظلومية، وانتفض رجالها كالأسود الجامحة، متوكلين على ربهم ومتمسكين بحبله وماضين على نهجه للحفاظ على حرية واستقلال وطنهم، وعندما أيّدهم الله بنصره جن جنون أمريكا وحلفائها، وأظهرت خبايا أهدافها علناً، وشنّت عدوانَها بكل وحشية وإجرام على يمن الإيمان، ولكن لأَنَّ عشاق الحرية والاستقلال كانوا في مواجهتها خابت مساعيها الاستعمارية، وها هي وخلال ستة أعوام تجر وراءَها أذيالَ الهزيمة النكراء، بينما الشعبُ اليمنيُّ ينتقل من أدنى مواطن الضعف إلى أعلى درجات القوة والتمكين، ومن أحقر مواضع الذل والهوان إلى أسمى منازل العزة والكرامة وهو يحافظ على سيادة واستقلال الوطن.