الاحتفالُ بالمولد النبوي الشريف بين التربية النفسية والبدعة
موقع أنصار الله || مقالات || أحمد إبراهيم المنصور
لماذا يعتبر البعضُ -ممن هم محسوبين على الإسلام والمسلمين- أن الاحتفالَ بالمولد النبوي الشريف بدعة، بينما الأعياد التي جاء بها اليهود والنصارى مثل (عيد الحب “الفلانتين”، عيد الشجرة، عيد العمال، عيد الأم، عيد رأس السنة الميلادية “الكريسماس” و… إلخ) بأنها ليست بدعة، بل يقومون بإحيائها معهم ويسعون إلى تنظيم أكبر الاحتفالات بها؟!
قبل كُـلِّ شيء، دعوني أستشهد بقول الله سبحانه وتعالى في مُحكم كتابه: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْـمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأنفسهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْـمُحْسِنِينَ) “سورة التوبة آية رقم ١٢٠”.
وَبناءً على ما تضمنته الآيةُ السابقةُ نلاحظ أن من الطبيعي أن نرى أيَّ عمل أَو أي تحَرّك يُرضي الله ورسوله سوف يُغيظ الكفار واليهود والنصارى، بالتالي سيُغيظ عملاءَهم وسيُعتبر بدعة، وغالبًا ما يتم تصنيف من يقوم بهذه الأعمال وتلك التحَرّكات ضمن قائمة الإرهاب ويجب القضاء عليه، بل ويسعون جاهدين للقضاء عليه بكل أنواع الطرق وشتى الوسائل؛ لأَنَّهم يعرفون جيِّدًا مدى خطورة هذه الأعمال عليهم وعلى مشروعهم العدواني على أبناء الأُمَّــة الإسلامية..
والدليل على ذلك أن كُـلّ من يقول ويُروج أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة هم عملاء أمريكا وإسرائيل (مثل الإمارات والسعودية وباقي الدول) وعملاء عملائهم في داخل وخارج اليمن (مثل حزب الإصلاح، والغالبية العظمى من أعضاء حزب المؤتمر الذين في خارج اليمن، وَأَيْـضاً بعض الذين في داخل اليمن، وكذلك بعض الجنوبيين وبعض أبناء المحافظات الباقية تحت أي حزب كانوا)، مع احترامي للشرفاء فيهم، وصفتهم به عملاء عملائهم؛ لأَنَّهم لم ولن يصلوا إلى مستوى أن يكونوا عملاء لأمريكا وإسرائيل من الدرجة الأولى، مهما ضحّوا ومهما استرخصوا من أنفسهم وأعراضهم وأشرافهم وكراماتهم؛ مِن أجلِهم ومن أجل أن يكونوا عملاء لهم من المستوى الأول.
وهذا لأَنَّ الاحتفال بالمولد النبوي يأتي بتذكير الناس بعظمة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ويعزّز في قلوبهم الثقافة الإيمانية الصحيحة وَأَيْـضاً الثقافة القرآنية، وينشّط فيهم روحَ الجهاد والتضحية والاستبسال والبذل والعطاء والصبر في سبيل الله.
وأيضاً؛ لأَنَّ الاحتفالَ بالمولد النبوي يُعرّف الناس برسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلم- بالشكل الصحيح والحقيقي والكامل، حيث إن البعض لا يعرف رسول الله إلا كما صوّرته لنا المذاهب الدخيلة على الإسلام والمُحرِّفة له مثل (الوهَّـابية والسلفية وغيرها)، وَأَيْـضاً الجماعات التكفيرية بكل أطيافها وفصائلها، وهي صورة ضعيفة وهزيلة ومغلوطة ومُهينة في حق رسول الله -عليه وعلى آله أزكى الصلاة وأجل التسلم-، وبالتالي معرفة رسول الله بالشكل الصحيح ستجعل الناس يتخذونه قُدوةً لهم بالشكل المطلوب في كُـلِّ مسارات الحياة دون استثناء.
وعندما يعرفُ الناس -كل الناس- من هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بالشكل الصحيح، سيعرفون من هو عدوهم الحقيقي، وسيتعلمون كيف يواجهون هذا العدوَّ وكيف ينتصرون عليه، وكيف يحرّرون أوطانهم ويحمون أعراضهم وشرفهم منه، وكيف يطهرون مقدسات المسلمين من أعدائهم وأعداء هذه الأُمَّــة ودنسهم وقذارتهم، وكيف ينتصرون للمستضعفين في الأرض وحمايتهم منهم.
وأيضاً في نفس الوقت سيعلم الناس -كل الناس- ما واجباتهم تجاه دينهم، وما واجباتهم وحقوقهم تجاه مجتمعاتهم، وكيف يتعاملون مع الناس من حولهم، ويتعلمون أَيْـضاً كيفيّةَ التعامل مع الأسرى والمساكين واليتامى والفقراء وأبناء السبيل، ويطبقون هذه الدروس التي تعلموها من رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- على أرض الواقع، مستعظمين ما يقومون به؛ كونه يرضي اللهَ ويرضي رسولَه؛ ولأنه جاء من مدرسة الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وفي خلاصة الكلام: إن الاحتفالَ بالمولد النبوي الشريف هو مدرسة من أعظم مدارس الزمان والحياة، كيف لا وصاحبه هو أعظمُ شخصيّةٍ في تاريخ البشرية حتى قيام الساعة، ولا أستطيع أن أذكر لك عزيزي القارئ كُـلَّ ما قد يتعلمه الإنسان من رسول الله؛ لأَنَّ الدروس التي أعطاها لنا وما يزال يعطيها لا تُعد ولا تحصى، علينا جميعاً أن نسعى جاهدين متعطشين لهذه الدروس؛ مِن أجلِ أن نحيا حياة أَسَاسُها العزةُ والكرامةُ والإباء والشموخ، وعلينا أن نربي أبناءَنا على هذه الدروس، لنصنع جيلاً محمدياً جهادياً، يبقي أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وعملائهم صاغرين تحت أقدامنا وأقدام الأجيال القادمة من بعدنا، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.