مسؤوليتنا نحو أسر الشهداء
موقع أنصار الله || مقالات || العلامة/ عبدالمجيد الحوثي
مما لا شك فيه أن الجهاد في سبيل الله ليس مجرد القتال في ساحات الشرف والبطولة بل هو منظومة متكاملة لا يقوم طرف منها إلا بالطرف الآخر، فالله سبحانه عندما أمر بالجهاد في سبيل الله طرحه كمنظومة متكاملة تبدأ بالدعوة إلى الخير ثم بالأمر بالمعروف ثم النهي عن المنكر باليد واللسان والمال والموقف كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى? تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ? ذَ?لِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة الصف : 12]، فقدّم الله الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس ليدل على أنه لا يستقيم الجهاد بالنفس ما لم يكن هنالك جهاد بالمال وبكافة الطرق والأساليب، ولهذا سمى الله ترك الإنفاق في سبيله إلقاء بالنفس إلى التهلكة كما قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة البقرة : 195]، فجعل ترك الإنفاق في سبيل الله هو عين الإلقاء بالنفس إلى التهلكة. فإذا كان المسارعون إلى الخيرات من المؤمنين قد سارعوا إلى بذل أنفسهم وأرواحهم رخيصة من أجل إعلاء كلمة الله ومن أجل أن ينعم المجتمع بالأمن والاستقرار والسلام والرخاء والتقدم والعدالة والعزة والكرامة وأحبوا أن يفارقوا أهليهم وأولادهم وبيوتهم ويذهبوا ليقدموا أرواحهم رخيصة في حب الله وحب رسوله وحب الجهاد في سبيله لأنهم استشعروا مسئوليتهم وتلوا قول الحق جل وعلا: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة : 24]، فقدموا حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله وحب الدفاع عن المستضعفين ورد عدوان المعتدين على كل ما يملكونه في هذه الحياة. فإذا كانوا قد خرجوا وتركوا أولادهم وأهليهم ومن يعولونه ليس لهم حافظ إلا الله وليس لهم معيل ولا رازق إلا الله خرجوا وتركوهم وهم يعلمون أنهم كانوا بالكاد يستطيعون الكفاح لتأمين لقمة العيش لهم وتوفير احتياجاتهم الضرورية بأنفسهم ولكنهم لبوا نداء الواجب ونداء الله ورسوله الذي لا يدعونا إلا لما فيه الخير والسعادة لنا ولأمتنا كما قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ? وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الانفال : 25]، فاستجابوا لله ورسوله لكي يحيوا ويحيوا أمتهم ومجتمعهم وليتقوا فتنة لن تصيب الذين ظلموا خاصة، بل ستمتد لتشمل الظالم والمظلوم، ذهبوا ليدافعوا عني وعنك وعن أولادي وأولادك وعن أهلي وأهلك وعن وطني ووطنك وعن عزتي وكرامتي وعزتك وكرامتك، ذهبوا لكي ننعم جميعاً بالأمن والاستقرار والعزة والكرامة. فيا ترى ما هو واجبنا نحن تجاه أسر هؤلاء المجاهدين وأولادهم ومن كانوا يعولونهم الذين ليس لهم إلا الله سبحانه وإخوتهم من المؤمنين الذين لا يتفضلون عليهم عندما يمدون لهم يد العون والمساعدة بل هم يقومون بجزء بسيط من واجبهم الجهادي، هم لا يتفضلون على هذه الأسر إن قدموا لها عوناً بل هم يردون بعض الدَّين الذي في أعناقهم لأولئك الأبطال الذين فدوهم وفدوا الدين والوطن بأرواحهم ودمائهم فهل ندرك نحن ما هو واجبنا تجاه أبناء أسر الشهداء الذين أصبحوا أيتاماً وأرامل فضلاً عن كونهم من ضحوا رجالاً ونساء من أجلنا..
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يدلنا على أهمية هذا العمل وهذه المسؤولية عندما يقول:(من جهّز غازياً أو خلفه في أهله كان له مثل أجره)، فأنت بكفالتك أسرة شهيد أو مجاهد يكون لك من الأجر مثل ما لذلك المجاهد وهذا فضل عظيم من الله أن يجعل لنا باباً لنيل أجر المجاهدين حتى وإن منعنا عن الجهاد واللحاق بالجبهات مانع فلا يفوتنا أجر المجاهدين الذين جعلهم الله مع الأنبياء والصديقين في قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ? وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سورة النساء : 69] ودل سبحانه على عظيم فضلهم بقوله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ? فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة النساء]، وبقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(ما اغبّرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرّم الله جسمه على النار)، فإذا قمنا بهذا الدور العظيم في رعاية أسر الشهداء والمجاهدين ،فإننا نكون قد قمنا بجانب كبير من الجوانب التي يتم بها الجهاد ويكتمل بها الصمود والثبات من الشعب والمجاهدين وتجسّد روح الأخوة الإيمانية التي تربط المؤمنين بعضهم ببعض وتجعلهم كالجسد الواحد وهنا يتجسد التكامل بين المؤمنين ويتقبل الله عملهم ويمنحهم النصر والظفر والتأييد على عدوهم.. رحم الله شهداءنا الأبرار وشفى جرحانا وأهلك عدوَّنا وبارك وأصلح وحفظ كل من اهتم بأسر المجاهدين أو أسر الشهداء..