لن ننسى تضحياتهم.. خالدون أبداً
موقع أنصار الله || مقالات || الشيخ / ضيف الله الضبياني *
قال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) صدق الله العظيم كما ذكر الشهيد القائد رضوان الله عليه في إحدى ملازمه عن الشهادة وقال بأن “الشهادة عطاءٌ قابلها الله بعطاء”.
إنني وفي هذه المناسبة أود أن أقول أولاً للشهداء وقد سبقونا إلى جنان الخلد: أيها العظماء يا من خجلت الحروفُ لوصفكم، وَطأطأت رؤوسُ الكلمات استحياءً من تقصيرها في مديحكم، وَعجز القلم في توثيق سيرتكم العطرة لقوة مواقفها وَعمق معانيها وَشموخ أبطالها، يا من ستُخلد نعالُهم في متاحف العالم فما بالكم بشخصياتهم، فعليكم منا ومن الله السلام فخامة شهداءنا الإجلاء وأنتم تشيدون بدمائكم سِفْرَ نصرنا العظيم، تذودون عن حِمى هذا الوطن المعطاء وستجرف دمائكم الزكية زيفَ العدوان والبغي والضلال، وترسمون بدمائكم الغالية خطاً أحمرَ يقرأه كُـلّ من ينتمي إلى تراب هذا الوطن العظيم مفاده لا رجعة عن ما سالت لأجله هذه الدماء، لا تفريطَ بما سفكت في سبيله، لا بيعَ لما دفعت هذه الدماء ثمناً له لا بخل على الوطن بعد هذا البذل لا تقصير بعد هذا الإقدام لا رجوع بعد هذا التقدم لا خيانة بعد هذا الوفاء.
ويجبُ علينا جميعاً في هذه المناسبة العظيمة جِـدًّا أن نستشعرَ روحَ العطاء والبذل في سبيل الله ونحظى برضوانه وعفوه، لكي نظل متمسكين بعزتنا وكرامتنا كشعبٍ وبلدٍ مستقلٍّ له سيادتُه يجبُ أن نستشعرَ هذه المناسبة العظيمة في نفوسنا وما قدّمه هؤلاءِ الرجالُ الصادقون الذين ضحوا بأنفسهم؛ مِن أجلِنا كي ننعم بالحرية والأمن في وطننا ومدننا وقُرانا وبيوتنا.
إن هذه المناسبة العظيمة (الذكرى السنوية للشهيد) تعتبر علامة مضيئة يستذكر فيه شعبنا العظيم ما قدَّمه أبناؤه الشهداء من تضحيات وبطولات وفاء لوطنهم وأمتهم، وستظل الأجيالُ القادمةُ تستلهم من تضحياتهم دروس التفاني؛ مِن أجلِ الوطن ورفعته، فالشهداء دومًا هم أيقونة وعنوان كُـلّ نصر أَو معركة.
ويُمثّل الاحتفاء والإحياءُ لأسبوع الشهيد قيمةً جهاديةً وَمناسبة وطنية عظيمة في بلادنا التي تخوض ملحمة تاريخية على طريق مواجهة وردع العدوان السعودي الأمريكي وَالدفاع عن الوطن وسيادته وبناء دولته المستقلة وَالقوية على كافة ترابها وَجوها وَحدودها البحرية، وتحل علينا الذكرى السنوية للشهيد من العام (1442هـ) ونحن على مشارفِ دخول العام السابع على التوالي منذُ شن العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، ونحن ما زلنا أقوى بكثير من ذي قبل وبكل فخر واعتزاز بالشهداء الأبرار الذين ستظل أسماؤهم وتضحياتهم علامةً مضيئةً في تاريخ الوطن وذكرى محفورةً بأحرف من نور في وجدان كُـلّ أبناء الشعب اليمني، فهذه المناسبةُ الوطنية ليست مُجَـرّد تاريخ نستذكر فيه مآثر الشهيد وإنما هي تعبير عن التقدير والتكريم لرجال بواسل صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولما سطّروه من مواقفَ تاريخية جهادية بطولية وعمدوها بدمائهم ورسموها بصدق انتمائهم للإسلام في ميادين الجهاد والتضحية والفداء في مواجهة الطواغيت المعتدين، فلكل شهيد منهم صولات وجولات ومعارك واقتحامات وثقة كبيرة بالله قادتهم إلى عالم الخلود أحياء عند ربهم ولكل شهيد من الشهداء حكاية عظيمة سطّرها بمواقف في التصدي لآلة الحرب والعدوان والذي سيسجلها التاريخ في أنصع صفحاته.
داسوا بأقدامهم الحافية فخر الصناعات الأمريكية، ومرّغوا أنوف الغزاة والمرتزِقة دفاعاً عن الأرض والعرض ببسالة وشجاعة لا نظير لها فجادوا بأرواحهم وعبّدوا بدمائهم الزكية والطاهرة معالمَ النصر ضد المتربصين بأمنه وأمانه ولبّوا نداءَ الواجب والمسؤولية الوطنية في ردع المعتدي وعودة الحق لأهله، ومن الصعب أن نوفيَهم حقهم أمام ما قدموه وبذلوه في التصدي للعدوان.
فتأتي هذه الذكرى ونحن صامدون صموداً أُسطورياً في وجه المعتدي وثابتون بقوة الحق وعدالة قضيتنا، والتي ما كان لها أن تتعزَّزَ وَتتعمد إلَّا بدماء الشهداء الذي نزفت في سبيل ذلك على كافة الجبهات والثغور، وَبها منح هذا الشعب متنفساً من نسائم الحرية والكرامة، ولن ننسى تلك التضحيات التي قدموها وَسنجددُ يوميًّا العهد والولاء للشهداء الذين ارتقت أرواحُهم الطاهرة إلى جنات الخلود وهم يتصدون لقوى البغي والعدوان في مختلف ميادين العزة والشرف.
وبقدر ما تحمله هذه المناسبة من قيم وَمدلولات داخلية، فَـإنَّها ستمثّل رسالة لتحالف العدوان ومرتزِقته وعملائه على أن هذا الشعب يثمّن بإجلال وَإكبار وفخر واعتزاز تضحيات شهدائه وَيُعلِي من مكانتهم وَيصنعُ منهم قُدوةً وَمنهجاً، في الوقت الذي يهينُ الأمريكي والإسرائيلي ومن أمامهم السعودي والإماراتي مرتزِقتهم الذين باعوا أنفسَهم بثمن بخس، ولم يكونوا إلَّا مُجَـرّد أدوات رخيصة لم تنل أدنى اهتمام، بل عُوملت بعبودية وَاسترخاص وهم أحياء، وتركت جثثهم في جبال ووديان وصحاري اليمن دون دفن، ناهيك عن العار الذي سيظل يلاحقهم في الدنيا والآخرة على ما قتلوا مِن أجلِه.
اليمنُ هي من استطاعت بتلك الدماء أن تعيدَ الأمورَ إلى نصابها وإلى منبع أصالتها بعدَ ما طغى عليها زمن الجبابرة وألبسوها ثوب الزيف الذي تستر خلفه كُـلّ ضيمٍ وكل جرم، وها هو اليمني بكل وعيه وبكل قوته بل وبكل المقاييس يعلّم العالم أصالة هذا الدين ومدى أصالة تعاليمه ومدى نجاحه.
إن أعظم وفاء له في ذكراه هو في التفاتُ الشعب اليمني قيادةً وشعباً لأسر الشهداء وأبناء هؤلاء الرجال العظماء ونجعلهم في مقدمة اهتماماتنا ومسؤوليتنا وأن يحظوا بالرعاية الكاملة سواء في التعليم أَو الصحة وغيرها من الخدمات، وبهذه المناسبة نذكر المجتمع بشكل عام والمقتدرين بشكل خاص من رجال أعمال ومسؤولين ومشايخ وتجار، بأهميّة زيارة هذه الأسر وتقديم يد العون والهدايا الرمزية وغيرها من الاهتمامات، وكذا زيارة روضات الشهداء أين ما كانت كما أنها التفاتة كريمة من القيادة والشعب إلى الجوانب التي يمكن أن تتكامل فيها الجهود الرسمية والشعبيّة لتحقيق الرعاية المناسبة واللائقة لأبناء الشهداء وأسرهم ومعاقي الحرب، وأن نستحيَ من كرم الشهيد الذي بذل دمه ليحقن دمائنا، وبذل عمره لنحيا، وخاض غمار الأخطار لنسلم ونأمن لا سِـيَّـما في الجوانب المعيشية والتعليمية والصحية، وتجسيد صورة وحجم الالتفاف الشعبي حول المشروع الوطني المقاوم الذي يقوده قائدُ الثورة سيدي ومولاي السيد العلم عبد الملك بدر الدين الحوثي، ومدى التلاحم الشعبي وتماسك الجبهة الداخلية على ذلك النحو المشرف الذي أثلج صدور الأصدقاء وَأغاظ الأعداءَ فأعظم ما نقدمه كإحياء لذكراه أن تشتعل بذكر الشهيد والإشادة بشجاعته وبطولته وإقدامه كُـلّ المؤسّسات التي يقعُ على عاتقها تربية وتثقيف الشعب وأن نربي أبناءنا وأنفسنا على ما تربى عليه من القيم التي بلغته هذا المقام وأن الأُمَّــة لا عزة لها إلا بنهج وثقافة الاستشهاد والجهاد.
وختامًا نقول للشهداء: سلاماً من الله عليكم أيها الشامخون، أيها الأساتذة في مدارس الجهاد، أيها الفلاسفة والدكاترة في جامعات العزة والكرامة، أيها البنّاءون بدمائهم صرحَ الإسلام العالي، وَالموظفون في شركاتِ إعادة المجد للوطن، أيها الأبطال في المعارك، والشجعان في المواجهة، الأولون في الصفوف الأولى في الجبهات يا من انطفأت أرواحُكم في جبال اليمن وَأوديتها وَصحاريها وَسواحلها لتوقدَ فيها مشاعلَ وَبشائرَ النصر الأعظم، وَلتصنعوا للأُمَّـة تاريخاً يمحو زمنَ الزيف والضلال، يا من عبّدتم أمامَ هذا الشعب الطريقَ بعد أن رسمتم معالمها، وَسبقتمونا في اجتيازها، يا من بدمائكم نعيشُ في أمن وأمان وعزة وكرامة، يا من بتضحياتكم نتذوق طعم الحرية والاستقلال، يا من بمواقفكم سطّر الشعب اليمني ملاحمَ تاريخيةً شهد لها العالم، يا من ببطولاتكم كُسر قرن تحالف العدوان وتقهقرت جيوشُ الغزاة وتحطمت آمال المستعمرين، يا من بدمائهم الزكية استطاع الشعبُ اليمني أن يمتلك قراره بيده وأن يرسُمَ خارطتَه السياسية والاستراتيجية المستقبلية، وأن يقول لجميع قوى الاستكبار العالمي قف عند حدودك وتدخلاتك اللامتناهية، أنتم من أهم رموز وعناوين هذا الوطن.
وَاللهِ إننا عن دربكم لن نحيد، ولنهجكم مطبقون، وَلرسالتكم موصلون، وعلى دمائكم محافظون وعلى عهدكم ماضون وفي حضرة مقامكم أيها الأوفياء نجدد العهد بالانتماء والصدق في الولاء لسيدنا ومولانا علَم الهدى عبد الملك بن بدر الدين الحوثي.
وللعدوان ومرتزقته نقول: وعهداً منا بأننا لن نتراجع عن القضية ولن نتنازل عن الدم ولن نخضع ولن نضعف ولن نستكين ولن نستسلم لكم أيها البعران اللقطاء الطلقاء، ولا لكم أنتم يا صهاينة العرب ولا لأسيادكم الأمريكان والإسرائيليين والبريطانيين، وقولنا اليوم وغداً وكل يوم هو ما قاله سيدنا وقائدنا الحيدري عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله (هذا هو الذي لا يكون ولن يكون)، (لأن نتحوّلَ إلى ذرات تطير في الهواء أحب إلينا وأرغب إلينا وأشرف لدينا من أن نستسلم لكم أيها المجرمون والمنحطون وعهداً منا لكم أن نكون أوفياء لمبادئكم وأسركم وَوطنكم وَدينكم، ولن نفرّط بأيٍّ من ذلك ما بقينا، وَبقيت مسيرتُنا المباركة.
* وكيل محافظة الضالع