التدخلات الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين
موقع أنصار الله || مقالات ||أنس القاضي
في النصف الثاني من القرن العشرين وسّعت الولايات المتحدة الأمريكية من نطاق تدخلاتِها الاستعمارية بدرجة كبيرة. الحربُ الاستعمارية الأمريكية على كوريا، من عام 1950 حتى 1953 تجاوزت آنذاك كُـلّ الأعمال العدوانية الأمريكية العسكرية وما عُرف حينئذ بدبلوماسية الزوارق الحربي، سواء من حَيثُ عدد القوات الأمريكية المشتركة فيها أَو من حَيثُ مدتها الزمنية.
في ذروة الحرب العدوانية على فيتنام كان هناك ما يصلُ إلى اثنين وخمسين ألف جندي أمريكي تدعمُهم قوات مشاة البحرية المعروفة بقوات المارينز، ضمت هذه القوات الغازية حاملات الطائرات وعددا كبيرا من قاذفات ب 52 الاستراتيجية.
نشطت القوات الاستعمارية الأمريكية في فيتنام وضد القوى الوطنية في مناطق الهند الصينية وفق مبدأ «ترومان»، وكان قد أصبح مبدأ ترومان حينها الأَسَاس النظري العدواني لسياسات الحرب الباردة.
هدف مبدأ ترومان العدواني إلى توسيع مجال المصالح الحيوية الأمريكية في العالم مما كان يفاقم من أخطار التدخلات المسلحة في أنحاء العالم، وقد كان يجري تبرير التدخلات العدوانية الأمريكية بمزاعم وقف المد الشيوعي.
في سعي واشنطن لفرض هيمنتها على العالم أعطت نفسها الحق في فرض سلطاتها ورؤاها في أي بلد أَو منطقة في، وكذلك الحق في استخدام القوة العسكرية لقمع حركات التحرّر الوطنية، والحركات الديمقراطية الثورية، والحركات العمالية، والاشتراكية والشيوعية.
خلعت الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها دورَ رجل البوليس العالمي الذي من حقه تأديب الأنظمة والحركات التي لا تدور في الفلك الأمريكي، بعد أن تَصفها بالمتمردة والإرهابية والبدائية. وذهبت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أبعد حَــدّ في الدوس على ميثاق الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية.
يتذكر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق «انطوني ايدن» ما تحدث به نظيره الأمريكي سنة 1954م عامئذٍ قال له وزير الخارجية الأمريكي «جون فوستر دالاس» حول التدخل في غواتيمالا:
“حكومة بلادنا على استعداد للقيام بأي عمل تراه ضرورياً للحفاظ على مصالحها، بغض النظر عما قد يكون عليه موقف القانون الدولي. وفي ظروف الحرب الباردة الحالية فَـإنَّ القواعد التي كان يمكن تطبيقها في الماضي لم يعد يبدو أنها قادرة على مواجهه الموقف، وهناك حاجة لتعديلها أَو تطبيقها بصورة تتسم بالمرونة”.
أي تحريفها بما يلبي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وتوجّـهاتها الاستعمارية.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية انتهجت واشنطن طريقة العدوان المباشر ضد البلدان الاشتراكية، ففي عام 1949 وضعت لجنة رؤساء الأركان الأمريكية في البنتاجون خطة سرية لشن هجوم نووي على المدن الكبرى والمراكز الصناعية في البلدان الاشتراكية، على أن يعقب ذلك الهجوم احتلال مساحات شاسعة في أُورُوبا وآسيا، وبصورة أولية جرى تحديد موعد هذا الهجوم.
في عام 1957 بدا أن الفشل كان مصير خطة البنتاجون، فالقوة المتزايدة للبلدان الاشتراكية آنذاك وصعودُ حركات التحرّر الوطنية جعل من غير الممكن لأمريكا تنفيذُ الهجوم بدون أن تواجَه بالمقاومة، كما أن انتهاء احتكار أمريكا للقوة النووية أجبر البنتاجون الأمريكي على تعديل استراتيجية، وبدأ البنتاجون الأمريكي يدرك أن خوضَ حرب نووية مع الاتّحاد السوفييتي سيكون من قبيل الانتحار.
تأكّـد للولايات المتحدة الأمريكية بأن أيَّ استخدام للقوة العسكرية ضد بلدان المعسكر الشرقي سيفتح الأبواب لحرب نووية شاملة، إلا أن طبيعة النظام الاستعماري الأمريكي جعلت من المستحيل على واشنطن أن تتخلى عن خططها العدوانية في تحقيق أهدافها بالقوة العسكرية.
شعرت الولاياتُ المتحدة الأمريكية بالحاجة إلى أَسَاس نظري يبيح لها استخدام القوة العسكرية في تلك الظروف الجديدة، كأمر ممكن ومقبول، وفقاً لما قاله «هنري كيسنجر» الذي كان في ذلك الوقت أُستاذاً في جامعة هارفارد، فَـإنَّ الحربَ ينبغي أن تُستخدمَ بوجه عام كأدَاة من أدوات السياسة.
في سعي البنتاجون وراء الأهداف العسكرية والسياسية راح يركّز بشكل متزايد على الاستعدادات للحروب المحلية النووية وغير النووية على حَــدٍّ سواء، وعلى التدخلات المسلحة في بلدان منفردة بدون الدخول في حرب شاملة مع بلدان العسكر الشرقي.
تدريجيًّا اتسعت منطقةُ المصالح الحيوية الأمريكية إلى ما وراء أمريكا اللاتينية لتشمل أُورُوبا الغربية والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا والمحيط الهندي وغيرها.
ظهرت بلدان هذه المناطق التي حدتها أمريكا كمجال حيوي لها، كمناطق توتر وقلق، مُعرَّضةً على الدوام لخطر التدخل الأمريكي، وحتى الوقت الراهن فلم تتوقف التدخلاتُ العدوانية الأمريكية في بلدان هذه المناطق، ومنها بلدانُ العالم الإسلامي.