هل يحقّق اليمنيون انتصاراً مختلفاً في المنطقة؟
موقع أنصار الله || مقالات || د. حبيب الرميمة
لا شك أن المرحلةَ التي يمر بها اليمن في الوقت الحاضر هي مرحلة مفصلية في تكريس أسس الدولة المدنية العادلة التي يتطلع لها كُـلّ يمني حر وشريف، ويبذل الأبطال في الجبهات مِن أجلِها أرواحهم في مواجهة تحالف العدوان الذي يسعى لاستعادة هيمنته، وإخضاع الشعب اليمني لها، وهذه الهيمنة باعتقادي لا تقتصر على الهيمنة العسكرية بل تتعدى ذلك إلى الهيمنة على القرار السياسي، إذ من بديهيات القول إن القوى الاستعمارية ومحور الاستكبار العالمي وفقاً لمفهوم السيطرة على القرار السيادي لا يركزون بالأَسَاس على القوة العسكرية بقدر ما يركزون على إيجاد مؤسّسات دولة مترهلة يستطيعون من خلالها إيجاد فجوة بين الشعب وسلطته، بحيث ينفِذون من خلالها كأحد أساليب الهيمنة، والأدلة على ذلك كثيرة، فكم من دولة لها جيش وتحت مفهوم السيادة لكنها تخضع لهيمنة القوى الاستكبارية؛ بسَببِ مراكز القوى التي صنعتها القوى الاستعمارية في مؤسّسات الدولة المدنية. على سبيل لبنان، العراق، مصر…، استطاعت مصر دحر الاحتلال البريطاني، واستطاعت العراق إخراج القوات الأمريكية، واستطاعت لبنان دحر العدوان الإسرائيلي، لكن لم تستطع تلك البلدان التخلص من نفوذ الهيمنة الذي لا يرتكز على النفوذ العسكري وإنما على النفود السياسي في إدارة مؤسّسات الدولة. إما باسم الدعم المادي، أَو باسم المحاصصة السياسية وأُخرى باسم المحاصصة الطائفية. وجميع تلك الأنظمة المترهلة خططت لها قوى الاستكبار ليس بعد الحرب وإنما أثناء الحرب، لعلمها مسبقًا أن الحرب هي استثناء مهما طالت وأن السلام ومفهوم بناء الدولة هو الأصل، وحتى يحين السلام (مفهوم بناء الدولة) لا بُـدَّ أن تبني مراكز القوى التابعة لها، وأياً كانت نتيجةُ المعركة العسكرية، والتي بالعادة تُحسَمُ لطرفِ مشروعِ التحرّرِ وَالاستقلال من الهيمنة إلا أنها تجد تلك القوى التحرّرية نفسها في مأزق البناء المؤسّسي القائم على الشراكة مع القوى المرتهنة قرارها لقوى الهيمنة.
وتجد القوى التحرّرية نفسها في معترك سياسي صعب، نتيجةَ أوضاع المؤسّسات المترهلة التي لم تكن من أولياتها الاهتمام بها أثناء الحرب، لانشغالها بإنجاز الاستقلال عسكريًّا على قاعدة المثل المتعارف عليه في لغتنا (مش وقت احنا في “حرب”).
الخلاصة: ونحن نحتفل باليوم الوطني للصمود ومرور ست سنوات من العدوان وَمؤشرات النصر العسكري التي يحقّق إنجازات على مستوى التصنيع وكذا على مستوى بناء القدرات، وما لمسه كافة الشعب في خطاب السيد القائد الذي ألقاه بهذه المناسبة، بما يستوجب مراجعة تقييم الوضع في المؤسّسات المدنية هل استطعنا خلال ست سنوات أن نبني مؤسّسات يتوافر فيها مؤهلات الانطلاق لما بعد الحرب (العدوات)؟ أَو بالأدنى هل نستطيع أن نوجد مؤشرات تقديرية لنسبة بناء مؤسّسات السلك المدني، مقارنة مع البناء الذي تم تحقيقُه في السلك العسكري؟ وما هو المطلوب عمله بحيث تتم الموازاة بين الانتصار العسكري والمدني في معركة الاستقلال ويكون الانتصار مختلفاً عن بقية حركات مشاريع الاستقلال التي نجحت عسكريًّا لكنها فشلت مؤسّساتياً، وحتى نقرب الصورة أكثر هل تستطيع القوى الوطنية المواجهة للعدوان في هذه المرحلة -أثناء العدوان- أن تضع عدداً من النقاط وتوقع عليها في رسم منهجية بناء الدولة المبنية على الشراكة ليس في مواجهة العدوان فقط وإنما في مسار بناء الدولة من خلال الاتّفاق على تعزيز واحترام القوانين، رفد شاغلي الوظائف العليا بكوادرَ وطنيةٍ مؤهلة تملك رؤية وطنية وتغلب الاعتبار الوطني على الاعتبار الحزبي، وكذا الاتّفاق على تعزيز مبدأ المساءلة القانونية لكل من يثبت تورطه في قضايا فساد.
باعتقادي هذه أولى خطوات نجاح الشراكة الوطنية في تفويت الهيمنة الاستكبارية مستقبلاً. والتي بدت ملامحُ هذا العجز في الأداء الرسمي واضحة، فالسيد القائد قلما يؤكّـدُ كلامُه بالقسم وهو ما لوحظ في كلامه عن الأداء الرسمي الذي واجه الشعب بكل صدق، -وهذه واحدة من سمات القيادة العالمية- بما نصه “نحن لسنا في حالة رضا عن الأداء الرسمي، فيه القصور، والتقصير، والمعوقات، والإشكالات، والأخطاء، لكننا والله نسعى بكل جد، وبإرادَة صادقة، إلى تصحيحه وإصلاحه، وأملنا في الله كبير، وفي هذا الشعب، أن تكون عملية التعاون قائمة”.
إن استشعار السيد القائد للخلل في الأداء الرسمي أمرٌ في غاية الأهميّة في مقابل التفوق بالأداء العسكري بقوله:
“قادمون ومتقدمون قُدُماً قُدُماً”..
لذلك ينبغي العملُ على ضرورة أن يسير العملُ بالمؤسّستين العسكرية والمدنية جنباً إلى جنب لتحقيق الانتصار الكبير، حيث أن الواقع المعاش يبرهن جمود الأداء الرسمي في كثير من المجالات.
هذا ما يستدعي من جميع القوى السياسية الوطنية استشعارَ مسؤولياتها ليس فقط في مواجهة العدوان، وإنما في توفر الإرادَة الحقيقية لمشروع بناء الدولة من خلال برامج الإصلاح الإداري والمالي بما يتناسبُ وحجمَ الإرادَة الصادقة للقيادة الثورية والسياسية، وُصُـولاً للانتصار الوطني الكبير والمختلف على مستوى المنطقة في تحقيق يمنٍ مستقلٍّ وكريمٍ ذات سيادة مطلقة والتخلص من هيمنة الاستكبار الإقليمي والدولي دون رجعة. فالعدوّ بقدر ما يتابع النجاحات العسكرية هو أَيْـضاً يتابع ويقيم النجاحات في المؤسّسات المدنية وتحصين القرار ليبنيَ على الشيء مقتضاه.