الإمام الكرار.. شهيد المحراب
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالفتاح البنوس
ولد في جوف الكعبة، نشأ وتربَّى في حجر رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لم يسجد لصنم قط، عُرف باستقامته وحكمته وبلاغته وقوة إيمانه وزهده وشجاعته وإقدامه، زوَّجه الرسول بأمر إلهي بفلذة كبده، سيدة نساء العالمين وخامسة أهل الكساء فاطمة البتول الزهراء -عليها السلام- نام على فراش الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عشية هجرته من مكة إلى المدينة، وعقب وصوله إلى المدينة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، واختص نفسه بمؤاخاته وقال (هذا علي أخي ) فهو أخو النبي الأعظم، وباب مدينة علمه، وهو المحبوب من الله ورسوله بشهادة الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين، إمام المشارق والمغارب، ليث الله الغالب، ومردي الكتائب، وأشجع طاعن وضارب، من حبه إيمان وبغضه نفاق، بطل الأحزاب وفاتح خيبر، قال عنه الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار) و(علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )، وقال عليه الصلاة والسلام مخاطبا عمار بن ياسر -رضوان الله عليه- ( يا عمار إذا سلك الناس واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي ) وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله, ومن عصاني فقد عصا الله, ومن أطاع علياً فقد أطاعني, ومن عصاه فقد عصاني ) وقال -عليه الصلاة والسلام- مخاطبا مجموعة من أصحابه : ( ما عصاني قوم من المشركين إلا رميتهم بسهم الله، قيل : وما سهم الله يا رسول الله ؟ قال : “ علي بن أبي طالب -عليه السلام- ما بعثته في سريّة ولا أبرزته لمبارزة إلاّ رأيت جبرائيل -عليه السلام- عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت (عليه السلام) أمامه، وسحابة تظله حتى يعطيه الله خير النصر والظفر” .
قال فيه الكثير من الحكماء والفلاسفة والعلماء والمؤرخين الكثير والكثير من الأحاديث والأوصاف والسجايا التي لم تقل في غيره، ومهما كتب، ومهما قيل في حق الإمام علي -عليه السلام- يظل قطرة من مطرة وغيضاً من فيض لا يمكن الإحاطة بكل شمائله، فنحن أمام بحر زاخر بالجود والبذل والعطاء، نحن أمام شخصية عالمية، حيَّر العلماء بغزارة علمه، وأفحم البلغاء ببلاغته وفصاحته وبلاغة حديثه وتفرد منطقه، شخصية شاملة لكل المكارم والفضائل الحميدة والحسنة، شاعر بليغ، وقائد حكيم، ومحاور بليغ، وخطيب مصقع، ومرشد حكيم، وفارس مقدام، ومحارب صمصام، وإمام عادل، طلَّق الدنيا ثلاثا، وعاش حياته من أجل آخرته، ليضرب للعالم على مر العصور وتعاقب الأزمنة والأجيال النموذج الفريد للحاكم التقي النقي المؤمن العادل الذي سخَّر نفسه في سبيل الله ونصرة نبيه، وخدمة للإسلام والمسلمين، حتى ارتقى شهيدا في محرابه وهو يصلي الفجر بالمسجد الكبير في الكوفة بالعراق، في 19رمضان 40 هـ (27 يناير 661 م) حيث أقدم أشقى الأشقياء عدو الله عبدالرحمن بن ملجم على ضربه بسيف مسموم على رأسه الشريف ليرتقي -سلام الله عليه- شهيدا، ملتحقا برسول الله صلوات ربي عليه وآله الذي بشَّره بالشهادة في وقت سابق، ليهتف شهيد المحراب مبتهجا بالشهادة في سبيل الله بعبارته المشهورة ( فزت ورب الكعبة ) .
هذا هو الإمام علي بن أبي طالب الذي نحيي ذكرى وفاته، ونعلن تشيّعنا وحبنا له، ونكنّ له في اليمن مكانة عالية سامية جدا، فهو موفد الرسول الأعظم لدعوتنا للدخول في دين الله، وهو من زفَّ بشارة إسلام أهل اليمن طواعية إلى رسول الله والذي من أجلها سجد لله شكرا وحمدا وأنزل الله سورة النصر تخليدا لهذا الحدث الهام في تاريخ الإسلام، فمحبتنا للإمام علي هي محبة اتباع لا محبة ابتداع، فهو المحبوب من الله ورسوله، حبّه إيمان وبغضه نفاق، ووالله لو أن الأمة سارت على منهجه وسلكت مسلكه المحمدي لما وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، ولكنها للأسف عملت على الإساءة إليه وإلى أولاده وأهل بيته، منذ عهد بني أمية حتى اليوم، وعمل الفكر الوهابي على إغماض دوره والتقليل من شأنه والإساءة إليه، وساقت في قتلته ومبغضيه الكثير من عبارات المدح والثناء ووصلت الجرأة إلى حد الكذب على رسول الله، متجاهلين فضائله ومناقبه والمكانة التي كان يحتلها عند رسول الله، ووصل بغضهم له إلى حد مقاطعة اسمه والمسابقة على تسمية أولادهم باسم قاتله اللعين في تأكيد على حقدهم وبغضهم ومناصبتهم العداء له تأسِّيا بمعاوية وابنه السكير يزيد وأعوانهما من الطغاة المجرمين .
بالمختصر المفيد، الإمام علي -عليه السلام- كان يمثل أمة بحد ذاته، لذا كانت فاجعة اغتياله بمثابة اغتيال للأمة، وما الانحرافات الخطيرة والجرائم المنكرة التي شهدتها الأمة عقب استشهاده إلا خير شاهد على حجم الفراغ الذي تركه غيابه، والدور الريادي الذي كان يلعبه في إرساء قيم العدل والحق والمساواة في أوساط الأمة وتمثيل دين الله على الطريقة المثلى، التي ترضي الله ورسوله، فسلام الله على روحه الطاهرة، ورضوان الله عليه، وجعلنا الله من شيعته وأنصاره، وأكرمنا بمرافقته في الجنة إلى جوار النبي المصطفى وآله الأطهار وصحبه الأخيار .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .