من وحيّ “فــزتُ وربِّ الكعبة”

‏موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالقوي السباعي

بعيدًا عن موجِّهات الإدراك الخَاصَّة بأهلِ الخِبرة والاختصاص، وسعياً لمعرفة الوعي العام والبحث عن رؤىً عامة، نرى من خلالها كيف يفهمُ الناسُ حكمةَ أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام؟، وكيف نتعايش مع مفهوم “فزتُ وربِّ الكعبة”؟، سنجد صداها في قلوب محبي أهل البيت وهم يعتمرون الأرض، يجسّدونها بكل معانيها ودلالاتها العظيمة التي تدل على الثبات، وتجعل كُـلّ مؤمن يحثُّ الخطى للسير على خطاه عليه السلام، فحين اختتم بها حياتَه الشريفة، كانت الرد الصارم على كُـلّ المعاندين في كُـلّ الأزمنة، وهي وصيتهُ لمحبيه، فإذا أردتم الفوزَ بطريق المحبة والإيمان، السالكة بالتضحيات، سندرك أن ما نعيشُه اليومَ يحملُ الكثيرَ من سمات الحال التي عاشها.

أخبره الرسولُ الأعظمُ صلى الله عليه وآله وسلم بأن لحيتَهُ الشريفة ستخضبُ من دم رأسه في بيت الله.. فقال له الإمام (أفي سلامةٍ من ديني يا رسولَ الله؟) قال: (نعم)، قال: (إذاً لا أبالي)، تلك النبوءة من الرسول الأعظم والصادق الأمين والتي صارت منهاجاً وثقافة لنا شيعة آل البيت عليهم السلام؛ لأَنَّنا الوحيدون في هذا العالم المليء بالمتناقضات، نحمل هذه الروحية ولنا الصوت الصادق بالحركة والشهادة والتي سيبقى مدى الدهر نبراساً للمضحين والشهداء.

لقد فاز الإمام علي عليه السلام بالشهادة التي كان يتمناها؛ لأَنَّها قمةُ السمو والرفعة للإنسان، فقد كان ينتظرُ لحظة الشهادة بفارغ الصبر وقد ورد عنه قوله عليه السلام: (واللهِ لابن أبي طالب آنَسُ بالموت من الطفل بثدي أمه).

وفي محاولةٍ لتقييمِ هذه المقولة الشريفة بمقارنتها في الوقت الراهن والأمة العربية والإسلامية تعيش مخاطرَ جمة، واستهدافاً متواصلاً مع أعدائها التقليديين في زمن الحاضر، كما كانوا أعداءً للإمام علي عليه السلام في الماضي، وكذلك ما يخوضُهُ اليمن من مقاومةٍ لتحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني، وما يعانيه الشعب اليمني من عدوانٍ ظالم وحصارٍ جائر، وهو الأمر الذي تجسدت فيه معنى –فزتُ وربِّ الكعبة– فمن خلال الالتفاف حول أعلام الهدى كمرجعيةٍ حكيمةٍ تقودُنا إلى بر الأمان، وتحقيق الانتصار تلو الانتصار؛ لأَنَّ الشيء الذي أرادهُ الإمام علي عليه السلام من خلال مسيرته الجهادية في سبيل إعلاء كلمة (لا إله إلا الله)، حقّقه باستشهادِه بمحرابِ الصلاة ليكونَ مثالاً يُقتدى به بالعمل والتضحية.

فحين أطلق عليه السلام تلك الصرخةَ المباركة كان في أوجِّ وعيِه لما هو مقبلٌ عليه، ليقدم لنا النموذجَ الأصيل في الإقبال على الله راضياً محتسباً، ولتقويمِ مسار المؤمنين وكل المسلمين في العمل والعطاء في التفاني والإخلاص في التضحية والفداء، تجسيداً عمليًّا لمسيرة الإيمان والتزاماً واعياً بالدين القيم، في كُـلِّ زمانٍ ومكان، فكما يراها الكثير بأنها كلمةُ متيقن من الفوز بالجنة وذهاب روحه إلى أعلى عليين، فالمملوء بالإيمان يحس أن الآخرةَ قريبةٌ منهُ ليلقى بشوق رَبَّ العالمين ويفوز بالجنة وهو بذلك يستقبلُ الموت بكل رحابة صدر، وهو الفوز الذي كان يتمناه الإمامُ عليٌّ عليه السلام لنفسه ولكل مؤمن، فهي أَيْـضاً صرخةً ترعبُ كُـلَّ المعتدين والطغاة والمتجبرين؛ كونها لا تأتي إلا من قومٍ يحبون الموتَ ويقبلون عليه بروحيةٍ قلَّ ما تشاهَدُ في أقوامٍ آخرين.

 

قد يعجبك ايضا