الحصار صنعَ الانتصار: غزّة واليمن وسوريّة وإيران
موقع أنصار الله || مقالات ||د. جواد الهنداوي*
العنوانُ هو حقيقةٌ وُلِدتْ من الواقع المُعاش، وليس من الواقع الافتراضي المُمول بالدولار، وَالمُعد وَالمبرمج سلفاً من إعلام الصهيونية والامبريالية وَالرجعية، والذي (و اقصد الواقع الافتراضي) سوّق للربيع العربي فإذا به ربيعاً عبرياً، ولصفقة القرن والتي أنتجتْ التطبيع، ولتصفية القضية الفلسطينية والتي وُلدتْ من جديد وبثوب مقاوم، وَلانهيار سوريا وَلاستسلام اليمن وَاللتان انتصرتا.
كان مع إرادَة الصمود وَالمقاومة والصبر، التي جمعت شعوبهم (غزة، اليمن، سوريا، إيران) نصراً. لم يكْ يتحقّق هذا الصمود وَالنصر لولا ”نفوذ إيران”، وهذا ما يقوله علناً وبافتخار أصحاب الشأن، أصحاب القضية في غزّة وفي اليمن وَفي سوريا، مع العلم بأنَّ صاحب النفوذ (إيران)، وهو الداعم سياسيًّا وعسكريًّا وَمالياً يرضخ تحت حصار وَعقوبات أمريكية وَأُورُوبية، ومن دول تلتزم بالعقوبات رغم عدم قناعتها. لنتصورّ كيف سيكون نفوذ إيران وَدعمها للفلسطينيين وَللسوريين ولليمنيين وهي (اي إيران) متحرّرة من الحصار وَالعقوبات؟ أَو ليسَ في هذا الاستفهام استنتاجاً، يفرضه العقل وَالمنطق، بفشل السياسة الأمريكية أَو الامبريالية في المنطقة! أَو ليس في هذا الاستفهام عِظةً لدول المنطقة بالتهّدي وبالتروّي في هرولتهم وتبعيتهم للإملاءات الأمريكية وَالإسرائيلية!
هو خيرٌ ما تفعله الآن المملكة العربية السعوديّة، وَإنْ جاء الموقفُ متأخراً، وعلى لسان الأمير محمد بن سلمان وهو يصرّح بقولٍ دبلوماسي إيجابي تجاه إيران، ويبرّره بحرصٍ على أمن واستقرار المنطقة. هو خيرٌ كذلك التصريحات الرسميّة للمملكة وهي تُندّد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وتصفه بعدوان.
مَـا هو الانتصار الذي تحقّق؟
أصبحت غزّة نّداً لـ”إسرائيل”، ليس في حجم الدمار، وليس في ارتكاب الجرائم، وَانما في قدرة وَجرأة الّردْ، في المطالبة بالحق، وبقدرة الصمود.
لم يعُدْ أحدٌ له الجرأة للحديث في صفقة القرن، ولا عن ”بدعة السلام الإبراهيمي”، الحديث الآن عن الإجرام الصهيوني، عن المجازر الصهيونية. أصبح الحديثُ عن التطبيع ليس سلوكاً نحو السلام، وليس فخراً حضارياً، وإنما عاراً وَتواطؤاً مع مجرمي حرب.
أصبح التنسيق الأمني مع “إسرائيل” تنسيقاً لارتكاب جرائم بحق الفلسطينيين.
والانتصارُ هو مناسبة للسلطة الفلسطينية للتحرّر من التزامات التنسيق الأمني مع المحتلّين، والذي (واقصد التنسيق الأمني) يضع السلطة في مقام الحارس الأمني لثغور العدوّ.
الانتصار أعادَ للقضية الفلسطينية مكانها وَمقامها عند الشعوب الحرّة، أعادَ ولادة القضية من جديد، بعد أنْ ظنَّ البعض باندثارها في قرارات ترامب وخضوع بعض العرب وصمت العالم والأمم.
أصبحت غزّة موطناً ومصدراً لتصدير أَو لتعزيز الصمود والمقاومة ضّدْ الامبريالية والصهيونية والرجعية في المنطقة، وأصبحت كذلك مَرجعاً للقضية الفلسطينية، مَرجِعاً لفلسطيني الداخل ١٩٤٨، ولفلسطيني الضفة الغربية، ولفلسطيني المهجر. وعلى المعنيين في الأمر، في الضفة وفي الداخل الفلسطيني وفي المهجر أنْ يدركوا بأنَّ الميدان المقاوم والصامد، وليس المفاوضات والتنازلات، هو مَنْ يقرّر المصير لفلسطين ولحقوق الشعب الفلسطيني.
غزّة هي المحطة الأَسَاسية وَالمفصلية في مسار الصمود وَالمقاومة، صمود بوجه الحصار ومقاومة محتلّ وَإرهاب؛ مسار وَمحطاته؛ اليمن المحاصر وَالمُنتهكة سيادته، ولكنهُ انتصر ولمْ يستسلمْ للشرعية! وَسورّية المحاصرة وَالمنتهكة سيادتها باحتلالات أمريكية وَتركية وَإرهابية ولكنها انتصرت، ولمْ تستسلمْ للإرادَة السياسية لداعمي وَموظفّي الإرهاب.
الانتصار الذي تحقّق لشعوب المنطقة رغم الحصار سيعزّز، بلا شك، دور وَنفوذ إيران في المنطقة، وسيعزز أَيْـضاً الابعاد السياسية، وليس الطائفية لهذا الدور.
كما انَّ إصلاح ذات البين بين إيران والمملكة العربية السعوديّة عامل آخر ومهم في حماية شعوب المنطقة، وَدول المنطقة من النزاعات الطائفية، والتي هي أدوات الإرهاب وَ”إسرائيل” وأمريكا.
* كاتب عراقي