في رحاب الشهداء
موقع أنصار الله || مقالات || أم الحسن أبو طالب
عطاءٌ ليس كمثله عطاءٌ، ذاك هو عطاءُ الشهداء الذين آمنوا وعاهدوا وجاهدوا وصدقوا وارتقوا إلى العلياءِ أنجماً تضيءُ عتمات الدروب وتهدي الحيارى سواء السبيل، فحين يعطي الباذلون وَيجود الكرماء كان الشهداء أكثرهم كرماً وأجلّهم عطاءً وأجزلهم سخاءً، فقد جادوا بأغلى ما يملكون في سبيل الله ونصرة دينه وأوليائه والمستضعفين في أرضه.
شهداؤنا العظماء حطَّموا قيدَ العُبودية لغير الله والخضوع لمن سواه وكسروا جبروت قوى الطاغوت حين انطلقوا في ميادين العزة والكرامة، وعلموا يقيناً أن الحياة في ظل انعدام الكرامة والحرية وَفي ظل الخنوع للظالمين هي حياةٌ لا معنى لها وبها من البؤس والذل ما لا يطيقونه ولا ترتضيه أنفسهم الأبية التي استقت عزتها من عزة دينها وخالقها ورسوله والمؤمنين “إن العزةَ لله ولرسوله والمؤمنين”، فوجدوا في الجهاد ملاذاً من تسلط الظالمين عليهم فإما عيشٌ مع الكرامة أَو موتٌ في سبيلها.
تنافست أرواحُهم نحو ذاك الرباط المقدَّس، وبهم مِن البأس والعزم ما جعلهم يحقّقون المعجزاتِ ويفرضون المتغيرات ويتحكمون بخط سير المعارك بفضل من الله وتأييده، وبجسيم التضحيات التي يقدمونها كانوا ينالون النصر والفتوحات، فما كان ذلك إلا زيادة لهم في السير نحو تحقيق النصر الكبير والفتح المبين ومع ذلك كان الشوق يتعاظم نحو تلك الأمنية التي تهفو إليها قلوبهم وتسعى لنيل كراماتها وكلهم انتظار للحظة الاصطفاء التي يخص الله بها خالص أوليائه والمُخلَصين منهم.
وفي ساعة الاصطفاء وقُرب اللقاء تعانق دماؤهم الزاكية تراب الأرض الطاهرة التي ارتوت بدمائهم فازدادت طُهراً وقداسة، وحين تتقطع الأنفاسُ تفيضُ العينان شوقاً وحنيناً لذاك الحفل الملكوتي العظيم الذي يتراءى أمامَ أعينهم وترتسمُ على محيّاهم ملامحُ الرضا والسعادة لعظيم ما يرَون من النعيم الذي أعده الله لهم لتحلق بعدها أرواحهم في فضاء ذاك الملكوت وتخرُجُ من أجسادهم التي نالت ما نالته في سبيل الله من جروحٍ وآلام وتحملت المصاعب والمشاق لتكمل بعدها أرواحهم المسير إلى حيث النعيم العظيم والرزق الوافر أحياء مكرمين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
يرحلون ولكنهم حاضرون، يغادرون لكنهم الباقون، فارقونا نعم لكنهم تركوا لنا من ثقافة البذل والعطاء الكثير والكثير وأسسوا بتضحياتهم ودمائهم الطاهرة حياة العزة والكرامة لنا فصار لهم على كُـلّ حيٍّ منا دَينٌ عظيم، لا جزاء له إلا بالوفاء لهم والسير على دربهم وإكمال مسيرة العزة والصمود التي رسموا ملامحها بدمائهم وحرسوها بأرواحهم حتى ننعم نحن والأجيال القادمة بمعين الحرية وعبق الكرامة ويعود الإسلام عزيزاً كريماً كما كان وتسود دولةُ العدل الإلهي وتصبح أُمَّـة الإسلام خيرَ أُمَّـة أخرجت للناس.