محطاتُ العبور في طريق الخلود

‏موقع أنصار الله || مقالات ||محمد درويش

إنهم شاهدون فشُوهدوا فاستشهدوا ليشهدوا، تلك هي المحطاتُ التي عَبَرَ منها وإليها كُـلُّ الشهداء العظماء، أربابُ البذل ونماذجُ العطاء، مَن يطالعْ ويقرأْ قِصَصَ الشهداء يجدْ أن كُـلَّ حكاية شهيد تبدأُ بمشاهدته لجريمةٍ من جرائم في حق أطهر البشر على يد أخزاهم.

وسيبقى على إثر كُـلّ تلك الجرائم التي كان ولا زال وسيبقى يشاهدُ نتيجةً لوقوعها، ثمة فتيةٌ مؤمنون، إلى الميادين يتوافدون، وعلى حِياضِ الشهادة يتدافعون، خفافاً لا متثاقلين ثقالاً بثقل ما يحملونه من قضية، متطلعين لما أعده اللهُ من النعيم لتلك الثلة من المؤمنين الشهداء، حاملين على أكتافهم شرفَ ورايةَ مسؤولية نُصرة الدين والمستضعَفين؛ ولتكن كلمةُ الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، باذلين في سبيل ذلك المُهَجَ والجماجمَ، مسطرين سجلاتٍ من المواقف التي من هولها فَرَّ كُـلُّ مرتزِق وعميل عن زميله حتى وإن كان ابنَه أَو أخاه لتتحوَّلَ الجبهاتُ على العدوّ بأيدي أُولئك الشهداء العظماء إلى قيامة صغرى إن جاز التعبير.

هذا المشهدُ -في كُـلّ الحالات ودون أدنى أدوات الاستثناء- هو ما يختمُ به كُـلُّ شهيد حياتَه الدنيوية قبلَ أن يحلِّقَ في أجواء الملكوت الأعلى، حَيثُ لا موت ولا كدر ولا ضجر، إلى حَيثُ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، نعم وُوريت أجسادهم في الثرى ولكن ذهبت أرواحهم إلى ما بعد الثُّريا، حَيثُ جنة المأوى، تاركين من الإرث لذويهم ما لم تتركْه حضارةُ عاد ولا حتى ثمود، إنه شرفُ تجديد دعائم الحضارة الإسلامية المحمدية في زمن وصلت فيه إلى حَــدِّ الاحتضارِ، مورِّثين إياهم ثقافةَ الشهادة التي على إثرها تنفَّست كُـلُّ الأمم الصُّعداء وبها يُنال رضوان رب الأرض والسماء، آخذين بأقدام زملائهم من حَمَلَةِ ذلك المشروع رفاق الدرب ورفاق السلاح إلى عتبات الانتصار، واضعين معها كُـلَّ أحلام أئمة الكفر في سجلات المستحيل، شاهدين يومَ يكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيداً بجُرمِ أبشع عدوان عرفته البشرية، شاهدين على مَن بعدهم بعِظَمِ مسؤولية التحَرُّك في ذات المسيرة والمسار.

يصعُبُ الحديثُ بعباراتٍ مهما زُخرفت أن يفيَ حَقَّ أفعالٍ عُمِّدت بالدماء، فلنكتُبْ بعدها ما نشاءُ ولنحشُدْ كُـلَّ مفردات قواميس البذل والعطاء غير أنه لم ولن يستقيمَ مقالٌ مهما بلغ من البلاغة ما لم يُعَمَّدْ بذات الحبر الذي عمَّدَ به أُولئك العظماء، إنه حبرُ الدماء ويُجَسَّدْ بالعطاءِ في ذات المسير لتلك المسيرة.

 

قد يعجبك ايضا