سياسة “تبادل الأدوار” بين السعوديّة والإمارات: تقاسُمُ فاتورة الفشل

تخبط أمريكي أمام معادلات الردع اليمنية

|| صحافة ||

أعاد التصعيدُ العسكريُّ السعوديّ الأخير ضِدَّ مديرية حرض الحدودية بمحافظة حجّـة، تسليطَ الضوء على سياسة تبادل الأدوار بين الرياض وأبو ظبي، حَيثُ جاء ذلك بعد فشلِ التصعيد الإماراتي في شبوةَ، والذي ارتد بنتائجَ عكسيةٍ صادمة، لعلها كانت السبب الأبرز في عودة السعوديّة إلى الواجهة سريعاً، وقد أكّـدت القوات المسلحة بصورة عملية على ثبات وقوة الموقف والجهوزية العالية للتعاطي مع والرد على الاعتداءات أيًّا كان مصدرها.

التصعيدُ الذي تبنَّاه النظامُ السعوديّ ضد مديرية حرض، جاء بعد فترة قصيرة من تولِّي الإمارات قيادة العمليات العدوانية في الميدان بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، حَيثُ حركت أبو ظبي مليشياتها في محافظة شبوة؛ بغيةِ تخفيفِ الضغط عن المرتزِقة في مدينة مأربَ، وجاء ذلك توازياً مع غارات جوية مكثّـفة شملت عدة محافظات وسقط إثرها عدد كبير من الشهداء والجرحى، بالتزامن مع تشديد إجراءات الحصار على البلد.

دخول الإمارات على الخط تمت قراءته من عدة زاويا، أبرزُها أن النظامَ السعوديّ كان قد وصل إلى طريق مسدود تماماً، وباتت حتى الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن فعل أي شيء في هذا الجانب، ولذا احتاجت واشنطن إلى تبديل الأدوار بين الأدوات الرئيسية للعدوان.

لكن التحَرّك الإماراتي ارتد عكسياً وبصوة مرعبة بالنسبة لأبو ظبي التي وجدت نفسها فجأة أمام معادلة “الإمارات غير آمنة” التي أعلنتها القوات المسلحة ونفذت في إطارها ضربات صاروخية وجوية نوعية وغير مسبوقة هزت الاقتصاد الإماراتي ووضعته فجأة على حافة الهاوية، حَيثُ هبطت مؤشرات البورصة وتعاظم القلق لدى المستثمرين الأجانب، وبدأ الحديث عن احتمالات كثيرة مظلمة ربما لا تتعافى الإمارات منها أبداً.

وعلى وقع ذلك، وبالرغم من “الوعود” الأمريكية والإسرائيلية بالدفاع عن الإمارات، عادت السعوديّة إلى الواجهة مرة أُخرى، في تحَرّك عبر عن انسداد سريع في أفق التصعيد الإماراتي، حَيثُ اعتبر محللون أن محاولةَ تقدم المرتزِقة نحو مديرية حرض بدعم سعوديّ في هذا التوقيت، تعكس رغبةً في “التخفيف” عن الإمارات المرتبكة والمحاطة برعب الخسائر الاقتصادية.

التصعيدُ السعوديّ من هذه الزاوية يؤكّـد عدة أمور أولها حقيقة أن الإمارات لا تستطيع الصمود بوجه معادلة “التصعيد بالتصعيد” لفترة طويلة، وأنها لا تحتمل استمرارية الضربات الصاروخية والجوية اليمنية عليها، وهو ما يعني أنها الآن تقف أمام “ضرورة” الانسحاب العملي من اليمن، غير أن جميع المؤشرات تدل على إصرار أمريكي “إسرائيلي” كبير على الدفع بالإمارات نحو الاستمرار، وهو ما يعني أن الدفع بالسعوديّة ليس إلا محاولة لخلط الأوراق ومنح الإمارات فرصة لالتقاط أنفاسها كي تواصل.

سياسة تبديل الأدوار هذه تكشف عن ارتباك كبير لدى إدارة تحالف العدوان، فكل ما تفعله الآن ببساطة هو توزيع الخسائر بين الرياض وأبو ظبي، بدون وجود أية مكاسب بالمقابل، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة بدرجة رئيسية تحاول فقط إطالة أمد العدوان بعد انسداد كُـلّ آفاق “الحسم”، وفي سبيل ذلك ستضحي بمصالح السعوديّة والإمارات ضمن جولات تبادلية مُستمرّة.

 

قوةُ الردع اليمنية.. مأزِقٌ مُستمرٌّ للعدو

تحاول الولايات المتحدة أن تبدو من خلال هذه السياسة وكأنها “تتحكم” نوعاً ما باتّجاهات الردع اليمني، لكن في الواقع، عمليات الردع هي من تسيطر على الوضع وتفرض المعادلات، فسياسة توزيع وتبديل الأدوار بين السعوديّة والإمارات لم تكن منذ بدايتها إلا نتيجة من نتائج الواقع الذي فرضته قوة الردع اليمنية على واشنطن والرياض وأبو ظبي.

القوات المسلحة برهنت على ذلك عمليًّا منذ بدء التصعيد الإماراتي، إذ جاء الرد اليمني قوياً ومكثّـفاً وعاليَ السقف، وعَكَسَ جهوزيةً عالية، واستعداداً مسبقًا، في مقابل الارتباك الذي بدا واضحًا على الإمارات وحلفائها، عقب ثلاث عمليات فقط.

الأمرُ الآخر أن الضرباتِ اليمنية على السعوديّة لم تتوقف طيلة الفترة الماضية برغم أن الإمارات كانت الطرَفَ الأكثرَ بروزاً على واجهة التصعيد، وقد تضمنت عمليات “إعصار اليمن” ضرباتٍ مزدوجةً استهدفت العمقين الإماراتي والسعوديّ في وقت واحد.

ولاحقاً عندما اتّجهت السعوديّة للتصعيد في الحدود تعرضت لرد سريع ونوعي في مطار أبها الدولي، والتعاطي الأمريكي المعلن مع هذا الرد، أكّـد على أنه مثّل ضربةً موجعةً، وربما غيرَ متوقعة، ناهيك عن فشل ذلك التصعيد على الميدان بشكل سريع.

هذه المعطيات تؤكّـد بوضوح أن سياسةَ تبديل الأدوار لم تعد تنفع حتى في “التخفيف” عن طرفٍ معيَّنٍ من أطراف العدوان؛ لأَنَّ اتّجاهاتِ الردع اليمني محكومة؛ باعتبَاراتِ استمرار العدوان والحصار، الأمر الذي يعني أن محاولات تغيير الأدوات بشكل مُستمرّ لا توفر أي مخرج من مأزق الفشل الذي يعيشه تحالف العدوان وإدارته، ولا تمنحه أية “فرص” أَو احتمالات جديدة يمكنه استغلالها؛ لأَنَّها في الحقيقة محاولات “اضطرارية” لجأ إليها هارباً من خيارات الحسم اليمنية.

بعبارة أُخرى: إن لم تكن قوة الردع اليمنية تتحكم مباشرة بخيارات تحالف العدوان، فهي قد جعلت تلك الخيارات قليلة جِـدًّا إلى حَــدّ أن كُـلّ ما تبقى منها أصبح متوقَّعاً وغيرَ مُجْدٍ، مع وجود استعداد مسبق على مستوًى عالٍ لكل الاحتمالات، وبالتالي فَـإنَّ المعطياتِ المؤثرةَ لا زالت بيد صنعاء وحدَها، وكل المحاولات الأمريكية لإرباك المشهد، محكومٌ عليها بالفشل مسبقًا.

من هنا، فَـإنَّ التصعيدَ السعوديّ لن يجعلَ الإمارات آمنةً، كما أن التصعيدَ الإماراتي لم يحمِ السعوديّةَ من استمرار التعرض للضربات، وما يحدُثُ هو أن مأزِقَهما أصبح مشتركاً وأكثر تعقيداً، فالحماية الأمريكية الإسرائيلية قد أثبتت فشلها، والحلم بوقف الضربات الصاروخية والجوية اليمنية بدونِ إيقاف العدوان والحصار لا يعدو عن كونه حلماً مستحيل التحقّق، ولا حاجةَ لإعادة التأكيد على أن الحلَّ الوحيدَ هو التعاطي العملي مع محدّدات السلام المعلَنة من صنعاء؛ لأَنَّ مأزِقَ السعوديّة والإمارات اليوم هو إصرارُ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على إطالةِ أمد العدوان والحصار وتجاهل حتمية الخَسارة.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا