رسالةٌ إلى روح الشهيد القائد
موقع أنصار الله || مقالات ||عفاف محمد
إليكَ، حَيثُ مقامِك السامي يا من تربع عشقك على عرش قلوب الكثيرين.
إليكَ أيها العطاء الممتد بلا حدود.
إليكَ أيها الحاضر الكامن في الجوانح.
إليكَ يا من نبعك الفياض ما زال يجري نستقي منه علّنا نرتوي.
إليكَ يا أسمى آيات العشق، إلى عظمتك أرنو ويجيش بصدري حديثٌ ذو شجون.
هَـا هو فاصل زمني قصير ويحين موعد ذكرى اعتلاء روحك السامية للسماء، وتعودُ بي الذكرى مستجمعةً أطراف الحكاية يوم حن ورق لها قلبي بعد أن كنت عنها غافلة وجاهلة!!
بداية يوم دخل أصحابُك عمران وفي وقت قياسي امتلكوا زِمامَ الأمور، وكان تقدمهم عظيمًا رغم قلة مؤونهم وعددهم كان يومها ثمة من يعي معنى دخولهم من محبيهم ومبغضيهم، وهناك من لا يعرف شيئاً سوى أن ثمة أموراً عجيبة تحدث، عواقبها تهدّد الأمن والاستقرار.
كانوا أصحابك يا قائدي الشهيد قد باغتوا جيشاً هزيلاً رغم تسليحه وقواته!
ومثل السيل الجارف تقدموا واقتلعوا كُـلّ ما يواجهونه.
كانت العاصمة صنعاء قلعة حصينة لا يمكن لقوة أن تجتاز حراسها، ولكن مع هؤلاء حدث العكس فبكل جهاتها العسكرية والسياسية والحكومية وغيرها سلموا لهم دون مقاومة حتى!!
وكلّ التقنيات الحديثة والأسلحة المتنوعة لم تشكل قوة لتعجز هذا التقدم أَو توقفه عند حدود معينة بل بكل طواعية سلمت المعسكرات والألوية والضباط والأفراد!!
تطورت الأمور وأصبح الأمر أشبه بالمعجزات، حدث ما يشبه الحلم أَو الزوبعة استسلم الكثير “للحوثيين” من انتسبت تسميتهم للقبكم الكريم.
ومرت الأحداث سريعاً حتى وجدنا أنفسنا أمام عدوان خارجي!
لم نكن نتوقع كُـلّ هذا، قصف طائرات في سماء صنعاء، أمر لم يكن في الحسبان، وَلم يحدث له شبيه إلا صورة مصغرة جِـدًّا له في حرب 94 مع الجنوب.
لم يكن الكثير يعلم لماذا استشاطت غضباً دولة بني سعود وقامت مع تحالف دولي بقصفنا دون هوادة.
كانت الحروب الست مفصلًا تاريخيًّا مهماً، وَما حدث فيها حلقة مهمة تربط الأحداث، كانت السعوديّة قد حاربتكم من قبل بطرق مباشرة وغير مباشرة؛ لأَنَّها تعي خطورة انتشار فكركم ومشروعكم، وكانت أذرعها لا تكل ولا تمل وهي تمدها مرة تلو الأُخرى كي تنهي هذا الفكر وتدفنه، حَيثُ لا رجعة، لم تكن فقط الجارة المصونة تعمل على ذلك بل كُـلّ من حاربتهم بشعارك الذي أرعبهم وفاجأهم فكيف برجل يمني يبرز من جبال مران في صعدة يحرض الناس على أمريكا وإسرائيل وينشر فكرًا ومفاهيم تحاربهم وهي الدول العظمى؟!
سلطوا النظام البائد بكل خبث كي ينهي المسألة، لكن إيمَانك القوي بنهجك ومشروعك وتمسكك به وتعلق ثلة من المؤمنين المجاهدين بهذا الفكر وتلك المفاهيم خُلق أمامهم قوة تحد ومجابهة أرهقتهم واستنزفت منهم الكثير من الجهد والوقت دونما فائدة.
فعلاً نالت أيديهم الخبيثة منك وفي جرف مران حدثت تلك المأساة التي تنصلوا فيها من كُـلّ القيم والشيم والأعراف، فلم يجعلوا حرمة لمن معك من الأطفال والنساء وبحقد وخبث منقطع النظير صبوا نارهم عليكم في جرف مران ونكثوا وعدهم لك بأنك إذَا خرجت فلك الأمان، يومها ظهروا بأقبح الصور؛ مِن أجلِ أن يصلوا لهدفهم، تنصلوا عن آدميتهم وأضحوا مثل الوحوش الناهشة في الأكباد!
لكن روحك السامية يومها صعدت لبارئها مطمئنة وواثقة أن خلفها رجال صادقون سوف يحملون رايتك ويكملون المشوار.
واشتعلت الحروب وأكسبت رجالك الكثير والكثير من الخبرات والمهارات وازدادوا صلابة وقوة وحماساً وحطموا كُـلّ ما واجهوه من حواجز، وتحدوا كُـلّ الأسلحة حاملين مشروعك في قلوبهم كسلاح، وتلك التربية الإيمَانية أثمرت وطلّ بدر منير شع نوره فتبدد الظلام وبحكمة وبصيرة قاد السفينة ربان حكيم فأدرك الجميع أن استشهادك لم يكن إلا بداية لمرحلة نضال وكفاح جديدة.
بعد دخول أصحابك صنعاء كانوا بتجاربهم السابقة قد قويت شكيمتهم واشتد عزمهم وازداد إصرارهم على مواصلة الدرب، فتذللت لهم كُـلّ الصعاب وانتشر فكرك ومشروعك مثل الماء الجاري وارتوى منه كُـلّ بيت متعطش ساده الظلم وساده التهميش وافتقر للصواب وبحث عن الحق.
نعم توحش العدوان وفعل ما لم نعهده أَو نطيقه مما كنتم أنتم قد عشتموه في صعدة الشموخ فقد ألفتم أصوات الطائرات، وانهيال الغارات، ألفتم الأطلال والحزن وعرفتم قسوة الفراق ومسكم ضر الحصار بينما كنا نحن نعيش السلام.
اليوم ذقنا كُـلّ ما ذقتموه ومع كُـلّ ذلك تمسكنا بالثبات والعزم وصمدنا.
كلّ ذلك؛ لأَنَّنا عرفناك وعرفنا مَـا هو مشروعك وأضحى شعارك الذي كان يعتقل كُـلّ من صرخ به في الجامع الكبير اليوم معلقاً على جدار السفارة الأمريكية بل وفي كُـلّ شارع وزقاق، وصرخوا به في إمْكَان أُخرى كما أسلفت!
اليوم السيد العلم عبدالملك -يحفظه الله- احتوى الشعب بحكمته وبعذوبة منطقه، احتوانا بسلاسة فكره، وليونة حديثه، احتوانا بإيمَانه المشع من قسمات وجهه، احتوانا بعصارة تجاربه التي صبها علينا مثل العذب الزلال الصافي الذي تشربناه.
اليوم يا شهيدنا وقائدنا امتلأت جبهات الشرف واكتظت برجال الله من كُـلّ قبيلة يمنية والتحقوا يا سيدي بمسيرتك بقناعة تامة، وتحملوا كُـلّ المشاق ووهبوا أرواحهم رخيصة في سبيل الحق، في سبيل إعلاء كلمة الله التي صدحت بها أنت، واعتليت يوماً ما المنابر مجاهراً بها أمام قوى الطواغيت.
أتدري -سيدي الشهيد- أين أضحى مصير علي عبدالله صالح؟!
وعلي محسن الذي توحش وأثخن بإجرامه؟!
وكلّ من كانوا يحاربون مشروعك كيف أصبح توجّـههم أَو أية أرض باتوا فيها؟!
لا أخفيك القول إن معظم من التحقوا بمسيرتك الشريفة -أيها الشهيد والقائد العظيم- استوحوا من هذا المشروع قيماً وَمبادئ كانت قد بدأت تتراجع في مجتمعنا اليمني كالمروءة والنخوة والشموخ والعز والالتزام، وكذلك غاب عن وعينا الجمعي أهميّة الرجوع للقرآن الذي بات مهجوراً، ومسيرتك عرفتنا كيف نتدبر في الآيات ومعانيها وملازمك علمتنا التفسير المنطقي الذي خالف تفسير الوهَّـابيين المليء بالثقافة المغلوطة التي حشو رؤوسنا بها في مناهجنا الدراسية.
أحببنا في مسيرتك العودة للتراث وللأدب، عشقنا زوامل الليث وقصائد معاذ وغيرهم؛ لأَنَّها تحكي الشموخ والعز والأصالة والرفعة.
أتدري -سيدي القائد- لقد عرفنا رجالك حتى في حربهم ذوي مبادئ وأخلاق قرآنية، وهل تدري أنهم يصنعون الصواريخ؟!
أمرٌ لم نكن نتخيله!!
أمور كثيرة –يا قائدنا- استجدت وروحك هي من ترافقها ومن تبعث فيها الحياة والقوة من بعد الله جلّ في علاه.
اليوم –يا سيدي الشهيد- انقلبت كُـلّ الموازين وبعد شهر واحد سيكتمل العام الثامن من عدوانهم، وفي الأعوام السبع الفائتة حدث العجب العجاب.
نم قرير العين -سيدي الشهيد- نم قرير العين.
وعذراً على ثرثرتي هذه لم تكن إلا من وحي تأملي للأحداث ودهشتي مما يحدث وكيف أن الأنصار أعيوا العالم وأضحت قوتهم أكبر مما يتصوره الكثيرون، فكم حالوا بين العدوان وبين وصوله إلى مراده بل إن كُـلّ تحَرّك من العدوان يزيد الأنصار نصراً وعلواً.
أعرف -سيدي الشهيد- أنك مطلع على كُـلّ الأحداث وأنت مطمئن القلب تحيا في النعيم الأبدي.
إلى روحك كُـلّ السلام.