عملية كسر الحصار الثانية..اتساع بنك أهداف الضربات الموجعة
موقع أنصار الله || مقالات || إبراهيم محمد الهمداني
عشرة أيام فقط، هي المدة الزمنية الفاصلة، بين عملية كسر الحصار الأولى، ونظيرتها الثانية، لكن هذه المدة الزمنية – رغم قصرها – كانت مكتظة بالأحداث المتسارعة، والتحولات المتصاعدة، وحافلة بكمٍ هائل من المتغيرات، على المستويين السياسي والاقتصادي، حيث تصدرت الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، كل اهتمام وعناية الرأي العام العالمي، خاصة بعد ظهور أولى تداعياتها، على المستوى الاقتصادي، وارتفاع أسعار النفط، إلى مستويات غير مسبوقة، وما بين أزمة سياسية – تنذر بحرب عالمية وشيكة – وأزمة اقتصادية – تحمل نذر مجاعة واسعة النطاق – استطاعت ماكينة الإعلام الإمبريالي، تحويل أنظار العالم نحو تلك الأزمات المفبركة، والمخاوف والتهويلات المصطنعة، بهدف تمرير المشاريع والمخططات الاستعمارية في المنطقة، واستكمال مشاريع التطبيع والتركيع، بمختلف الوسائل والطرق، الأكثر إجراما وقبحا وتوحشا، وممارسة حروب الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي الكامل، وإخماد صوت الشعوب المقاومة، في غمرة ضجيج الأزمات المفتعلة، دون أن يسمعها أو يعلم عنها أحد شيئا، في ظل انشغال شعوب العالم، بمتابعة مجريات الأزمات العالمية، التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن معها.
مما لا شك فيه أن الشعب اليمني، المقاوم للعدوان والحصار، كان – وما يزال – الشغل الشاغل، والهم الثقيل، والكابوس المؤرق للقوى الإمبريالية، التي جعلته في رأس قائمة أولوياتها، وسعت للقضاء عليه، قضاءً مبرماً، بمختلف الطرق والوسائل الإجرامية، بعد أن عجزت عن تحقيق ذلك، من خلال ما يسمى تحالف العدوان، بكل إمكاناته اللوجستية والعسكرية والمادية والمالية والإعلامية، وبعد أن أخفقت كل مخططاتها، وسقطت كل رهاناتها، وتفككت معظم تحالفاتها، وهو ما جعلها تلجأ إلى تشديد الحصار على الشعب اليمني، وتمعن في الحيلولة دون حصوله على أدنى مقومات وضروريات الحياة، وبالتالي وضعه – من خلال استراتيجية التجويع – أمام خيارين؛ فإما التركيع والاستسلام، وإما الموت الجماعي البطيء جوعا.
تصاعدت تداعيات ومخاطر الحصار الإمبريالي المشدد، الذي منع منعا باتا، وصول سفن الغذاء والدواء والمشتقات النفطية، إلى المواطن اليمني، رغم خضوعها لعمليات التفتيش، والإجراءات التعسفية، وحصولها على التصاريح، والموافقة الأممية للدخول، لتمارس قوى تحالف العدوان – مسنودة بالأمم المتحدة وأمريكا – قرصنة قذرة، باحتجاز تلك السفن، مرة أخرى، دون أي مسوغ أو سند قانوني، سوى العنجهية والكبر وعقدة الفرعنة.
انعكست مخاطر الحصار على حياة الشعب اليمني، الذي يعاني أوضاعا اقتصادية مأساوية، بسبب نقل البنك المركزي، وانقطاع المرتبات، ونهب الثروات الوطنية، من قبل قوى العدوان ومرتزقتها، الأمر الذي جعل الشعب اليمني، على مشارف أسوأ وأبشع كارثة إنسانية، نظرا لعجز المواطن عن الحصول، أو تأمين لقمة عيشه، وعجز المؤسسات الحكومية الخدمية – وخاصة المستشفيات – عن القيام بدورها، وإغلاق معظمها أمام أشد الفئات احتياجا لخدماتها، وخاصة مرضى السرطان، والفشل الكلوي والغسيل الكلوي، وحاضنات الأطفال وغيرها، بالإضافة إلى الارتفاع المهول، في أسعار المواد الغذائية والخدمية، وارتفاع كلفة المعيشة، بشكل جنوني، وهو ما لن يستطيع المواطن اليمني تحمله على أي حال.
ذلك وغيره، جعل عملية كسر الحصار الثانية، ضرورة حتمية، لابد من تنفيذها والقيام بها، في إطار حق الدفاع عن النفس، المكفول في مختلف الشرائع والقوانين، وهو ما أكده السيد القائد – عبدالملك بدرالدين الحوثي – حفظه الله، مخاطبا ومحذرا قوى العدوان، بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي، بينما شعبنا العزيز يموت بسبب حصاركم وعدوانكم، كما أكد رئيس الوفد الوطني المفاوض، الأستاذ محمد عبدالسلام، على ضرورة فصل الملف الإنساني، عن ملف المفاوضات السياسية، وأن رفع الحصار عن الموانئ والمطارات، وتسهيل وصول الغذاء والدواء وضروريات الحياة، وتسهيل سفر المرضى للعلاج في الخارج، أولوية قصوى، وحق إنساني، لا يقبل المزايدة أو المقايضة أو المساومة عليه، غير أن قوى العدوان السعوأمريكي، صمَّت آذانها، ومضت في افتعال جلبة عالمية، لتوظف ضجيج مسرحية الحرب الروسية الأوكرانية، في إصمام آذان شعوب العالم، عن أنين الشعب اليمني، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، الأمر الذي جعل فخامة الرئيس مهدي المشاط، يكرر التحذير لتلك القوى الاستعمارية، إن هي استمرت في تجاهل مأساة الشعب اليمني، وصمَّت آذانها عن سماع معاناته، فإن الشعب سيسمعها زئيره، وهو ما حدث فعلا، بعد ساعات معدودة، من إلقاء ذلك الخطاب التاريخي، ليسمع العالم من خلال عملية كسر الحصار الثانية – بمراحلها الثلاث – زئير الشعب اليمني، الذي لن يتوقف، حتى يملأ ويصم أسماع العالم.
تزامنت هذه العملية مع عدد من الأحداث، والتحولات الاستراتيجية، المحلية والإقليمية والعالمية، تراوحت في مستواها العالمي، بين الترويج للحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط، والتلويح بأزمة الغذاء، والمجاعة العالمية، بينما في الخفاء، يتم إعادة تدوير الإسلام السياسي، وتوظيف الجماعات الإسلامية المتطرفة، في هذه الحرب، بالتزامن مع السعي الحثيث، إلى استقطاب الأنظمة الحاكمة العربية والإسلامية، وتقسيمها على طرفي الصراع العالمي، ليتم بعد ذلك نقل الحرب من أوروبا، إلى المنطقة العربية (الشرق الأوسط)، خدمة لمشروع هيمنة الكيان الصهيوني.
وعلى المستوى الإقليمي، تزامنت هذه العملية مع العملية العسكرية الإيرانية، التي استهدفت مقر الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، في أربيل/ العراق، وما يحمله ذلك الحدث من تداعيات عميقة وشاملة، إضافة إلى الاختراقات السيبرانية الإيرانية المتكررة، لمواقع مؤسسات حكومية سيادية، وشخصيات سياسية إسرائيلية، وما لذلك من معاني هشاشة وضعف الكيان الصهيوني الغاصب، كما تزامنت مع زيارة الرئيس السوري – بشار الأسد – لدويلة الإمارات، بالإضافة إلى عملية الإعدام الجماعي، التي نفذها النظام السعودي بحق معارضيه، من معتقلي الرأي، بينهم (٤١) معتقلا من منطقة القطيف، واثنين من الأسرى اليمنيين، وما أعقب ذلك من حالة السخط والغليان الشعبي، ضد ذلك النظام المجرم، وخاصة في القطيف والمنطقة الشرقية، ويمكن القول إن هذه العملية كانت الرد الأمثل، والجواب الكافي والشافي، لدعوة النظام السعودي، الحكومة اليمنية في صنعاء، إلى حوار يمني يمني، في العاصمة السعودية الرياض، برعاية مجلس التعاون الخليجي، حيث تحضر المملكة السعودية – المتزعمة العدوان – كوسيط في هذه المفاوضات، في محاولة – غاية في السفاهة والاستكبار – للتنصل عن جرائمها وعدوانها وحصارها، بحق أبناء الشعب اليمني.
وعلى المستوى المحلي، تزامنت عملية كسر الحصار الثانية، مع نجاحات محور المقاومة في اليمن، في إفشال التصعيد العسكري، الذي قاده تحالف العدوان السعوأمريكي، في عدد من الجبهات، أهمها جبهتي مأرب وحرض، وإفشال مخططات الاستهداف الأمني، والقبض على خلية التفجيرات والسيارات المفخخة، التي أدارتها ورعتها المخابرات السعودية، وإفشال مخططات الحرب الناعمة والطابور الخامس، ومحاولات استغلال السخط الشعبي – الناتج عن حصار المشتقات النفطية وتداعياته – لتفجير الوضع داخليا، وإسقاط الهجمات الإعلامية المعادية، المؤججة لمشاعر الجماهير، وغير ذلك من الانتصارات المتوالية، والتقدم المتصاعد، بقوة وثبات.
إضافة إلى ما تميزت به عملية كسر الحصار الأولى، تميزت هذه العملية بفوارق هائلة، في صورة القوة المتصاعدة، والقدرة العالية، والدقة الفائقة، لتلك الضربات، علاوة على اتساع مروحة الأهداف – جغرافيا – وتنوعها، لتشمل أهدافا نوعية جديدة، وتجاوز الأهداف المعلنة، إلى أخرى مضمرة، ذات قيمة استراتيجية عالية، بقيت طي الكتمان، إلى الوقت المناسب، كون الوجع المضمر، أكثر إيلاما ووطأة، على النظام السعودي وأسياده، وهو ما تفصح عنه تصريحات وزارة الطاقة السعودية، التي تراوحت ما بين الاستنجاد بالقوى الاستعمارية، من ما أسمته ضربات الحوثي الباليستية، وأن تلك الضربات تستهدف مصادر الطاقة العالمية، وما بين إخلاء مسئوليتها، عن تفاقم أزمة النفط، وعجزها عن تلبية احتياج القوى الاستعمارية، التي لم تؤمن لها الحماية اللازمة، وهو ما يؤكد طبيعة النظام السعودي الوظيفي، في خدمة القوى الاستعمارية ومشاريعها الهدامة، بينما لا تربطه – كنظام حاكم – أدنى صلة مع الوطن الذي يحكمه، والشعب الذي يستعبده.
حملت عملية كسر الحصار في نسختها الثانية، تحولات جذرية عميقة وكبيرة، على كافة المستويات والأصعدة، فعلى مستوى طبيعة واستراتيجية الفعل العسكري، تمت العملية على ثلاث مراحل؛ بمعنى أنها شغلت مسارا زمنيا، امتد عدة ساعات، ولم تكن مجرد ضربة خاطفة، استغلت ثغرة ما، وتحيَّنت فرصة نادرة، وإنما توالى تكرار الفعل، في فترات زمنية متلاحقة، وهو ما يعكس القدرة الفائقة، والتمكن الشامل، والتفوق الاستخباراتي، وامتلاك القوة، ليس لتوجيه ضربات ناجحة فحسب، وإنما لخوض حرب واسعة النطاق والزمن، مضمونة النتائج، محسومة الخيارات، بينما يظهر في الجانب المقابل، العجز الدفاعي السعودي، والفشل الاستخباراتي الأمريكي، وهزيمة التحالف الإمبريالي المخزية المهينة، وانكسار قوى الهيمنة، وسقوطها سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وهو ما أفصحت عنه هذه العملية، في مراحلها الثلاث – في نطاقها الزمني الواسع – وأهدافها الكبيرة والكثيرة، المعلنة والمضمرة، في نطاقها الجغرافي الأوسع، حيث شملت حوالى أحد عشر هدفا معلنا، توزعت ما بين منشآت أرامكو للنفط والغاز، في الرياض وجدة وينبع وخميس مشيط وجيزان، ومحطة تحلية المياه في الشقيق، ومحطة كهرباء ظهران الجنوب، ومطارات دولية في أبها وخميس مشيط، بالإضافة إلى مواقع حيوية في سامطة، ناهيك عن الأهداف الحيوية الحساسة، المسكوت عنها.
ونظرا لطبيعة الإطار الزمني للعملية – في مراحلها الثلاث المتوالية – فقد ظهر الناطق الرسمي، باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، ببيانين متواليين، أولهما؛ عن المرحلتين الأولى والثانية، وثانيهما؛ عن المرحلة الثالثة، مؤكدا على عدد من النقاط، غاية في الأهمية، بالنسبة لطبيعة التطورات التقنية والاستخبارية العسكرية، مقابل طبيعة التحولات المفصلية، في تاريخ الصمود ومقاومة العدوان ومشاريع الهيمنة، وعلاوة على القيمة التاريخية، التي حملتها هذه العملية، ووثقها بيانيها، فإن هناك نقاطا لابد من توثيقها، وطرحها بين يدي المتلقي، نظرا لما تحمله من توصيف وتحليل لطبيعة التحول والتطور الاستراتيجي، في مسار مقاومة العدوان والهيمنة الاستعمارية، وهي:-
١- إن القوات المسلحة اليمنية، قادمة – بعون الله – على تنفيذ عمليات عسكرية نوعية، لكسر الحصار الظالم، ستشمل أهدافا حساسة، لم تكن في حسبان العدو.
٢- إن القوات المسلحة اليمنية، تعلن امتلاكها إحداثيات متكاملة، ضمن بنك أهداف خاص، يضم عددا كبيرا من الأهداف الحيوية، قد تُستهدف في أي لحظة.
٣- إن القوات المسلحة تجدد تحذيرها للعدو السعودي، بأنها بدأت بالفعل في توجيه ضربات مركزة، وفق بنك الأهداف الخاص بعمليات كسر الحصار، وأنها لن تتردد في توسيع بنك الأهداف في المرحلة المقبلة.
وهذه النقاط تحمل أهمية تاريخية كبيرة، وتحمل أيضا رسائل هامة لتحالف العدوان، والقوى الاستعمارية الكبرى، والكيان الصهيوني الغاصب، ويجب أن يقفوا أمامها بجدية كبيرة، ومسئولية حقيقية، لأن تجاهل تلك الرسائل، ينذر بعواقب وخيمة وقاسية عليهم، فهي ليست مجرد كلام، للاستهلاك الإعلامي فقط، وإنما هي في موضع الفعل والتنفيذ، وفي تلك التحذيرات من النصح، أكثر مما فيها من التهديد، وهو ما يعني صراحة، أن الأمر أصبح أكبر من السعودية وتحالفها، والإمارات وتطبيعها، وهو ما يحتم على أمريكا – وأخواتها – تحمل مسئوليتها الكاملة، عن هذا العدوان، وتعلن تدخلها المباشر – وليس أمامها سوى خيارين – إما لإعلان إيقاف العدوان، وبالتالي تحمل ما يترتب على ذلك، وإما لقيادة العدوان – مجددا – بنفسها، دون وساطة العملاء، وبالتالي تحمل تداعياتها، على كافة المستويات، وفي السياق ذاته، هناك رسائل غير مباشرة، إلى الكيان الصهيوني الغاصب، أن عليه انتظار القادم من اليمن، في كلا الحالين.