جبهة حرض- حيران.. المقبرة المفتوحة للسعودية ومرتزقتها ” الحلقة الثانية “
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالرحمن الأهنومي
كان لنا شرف زيارة المجاهدين في جبهة “حرض- ميدي” خلال أيام العيد المبارك، ليبقى الشرف كل الشرف لمن حاز فضيلة الجهاد في جبهات الكرامة والدفاع عن اليمن شعبا وأرضا ووجودا وعقيدة وهوية، ولا أسعد من أولئك المجاهدين الذين يطوون لياليهم والأيام في جبهات الجهاد والاستشهاد مرابطين ثابتين يذودون عن الشعب اليمني ويصدّون تحالفاً فيه الغرب والشرق عربا وعجما واحتشدوا على هذا الشعب العظيم، سعيا لاستعباده ونهب ثرواته واحتلال أراضيه.
جبهة حرض – ميدي – حيران، واحدة من أكبر شواهد الفشل والغرق السعودي، التمدد الفوضوي لمرتزقة العدوان في رمال مترامية الأطراف والمساحات واحدة من الإنجازات العسكرية التي أنجزها تحالف العدوان السعودي الأمريكي العشريني طيلة سبعة أعوام في هذه الجبهة العتيدة بقوة الله، إنها من أوضح الدلائل التي تشير إلى ورطة السعودية في الحرب على اليمن والغرق في مستنقع طويل.
تعتبر هذه الجبهة من الجبهات الحدودية الساخنة، فمنذ اليوم الأول للعدوان على اليمن عمدت مملكة العدوان السعودية إلى حشد الألوية والمرتزقة والدبابات بالآلاف لما أسمته “تحرير محافظة حجة”، غير أنك اليوم وبعد سبعة أعوام لا تكاد ترى في هذه الجبهة غير بقايا خردة الأطقم والمدرعات والدبابات التي دمرها المجاهدون، وبقايا جثث المرتزقة الذين قتلوا ودفنوا في هذه الصحارى، ودمار هائل في المنازل والمصالح والمنشآت والطرق، وأرض محروقة بالطائرات والمدافع والدبابات الغازية.
تاريخياً كانت ميدي – حرض هي أرض سهلة للغزوات السعودية لكونها أرضاً مفتوحة ليس للمدافعين فيها أي تحصينات جبلية، يتفوق فيها سلاح الطيران والدبابات والمدرعات على سلاح المقاتل المجرّد، ولهذه العوامل اعتقدت مملكة العدوان السعودية أن من السهل تحقيق انتصارات سريعة فيها وعلى مقربة من حدودها، غير أنها وبعد سبعة أعوام تجد نفسها غارقة في مساحات مترامية بجيوش مأجورة وبمرتزقة مستأجرين من السودان ومن اليمن ومن بلدان أخرى موزعين بين الحواجز الترابية يحتمون بها من بسالة وبأس المجاهدين.
في حرب الثلاثينيات بين اليمن والسعودية، تعرضت ميدي وحرض وأغلب تهامة للاجتياح من الجيش السعودي ، ومن حقائق تلك الحرب أن فيصل بن عبدالعزيز – الذي اجتاح تهامة من ميدي إلى الحديدة – كان يتقدم بقواته على البر خطوة بخطوة مع القوات البحرية البريطانية على الماء، حتى وصل إلى الحديدة في 5 مايو وكان في استقباله قائدا السفينتين “بنزنس” و “انتربرايز”، اللذان كتبا في تقاريرهما في ما بعد، أن تدابير فيصل كانت فعالة جدا، وذلك في محاولة منهما لرفع معنويات الأمير السعودي ، وكان فيصل – آنذاك- يستعد لمهاجمة الجبال وصولا إلى صنعاء، فوصلته أوامر عبدالعزيز بن سعود الأب:” لا تذهب فهذه الجبال ليست بأرض للغزوات السهلة يا فيصل” ، بمعنى أن تهامة هي أرض الغزوات السهلة فقط دون الجبال الحصينة.
وعلى العكس، فما أثبتته جبهة ميدي – حرض – حيران في هذه الحرب أنها ليست أرضاً للغزوات السهلة أيضا، بل مقبرة للغزاة ومحارق لجيوشهم، فقد اقتحم المجاهدون أراضي سعودية وطوّعوا الأرض لغزواتهم على مملكة العدوان السعودية ، وجعلوا من الصحراء مستنقعاً للسعودية تغرق فيه كل يوم، لقد أعادت جبهة ميدي- حرض كتابة تاريخ كامل ليس لحروبنا مع الجار المتغطرس، بل لتاريخ الحروب كلها حينما صارت الأرض المفتوحة والسهلة مصيدة للغزاة ومقبرة للجيوش الجرارة والدبابات والمدرعات ، وتحوّلت الصحراء إلى جبال عتيدة وحصينة أمام اجتياحات عسكرية مدججة بأكثر من ثلاثين ألف غارة وبعشرات الألوية وبآلاف الدبابات والمدرعات الحديثة ، وبإسناد أحدث طيران، وبأحدث الأسلحة؛ أحرقت السعودية الحجر والشجر في حرض وميدي وحيران ومستبأ وبني حسن وأحالتها إلى مدن وقرى ميتة ومناطق غير آهلة بالسكان، مرتكبة أبشع جرائم الحرب الجماعية، كي يتسنى لها الاجتياح.. وحين حاولت المرة الأولى صدمت بما لم يكن في الحسبان، ثم صدمت محاولاتها للمرة الألف بجدار يمني حصين وشديد البأس قوامه مجاهدون يمنيون يؤمنون بأن القوة لله وحده وبأسلحة وإمكانات متواضعة مقارنة بما لدى العدو من أسلحة وإمكانيات، وفِي أرض تجعل من طبيعتها الصحراوية والمفتوحة سهلة لغزوات الجيوش المدججة بالطيران والدبابات وغيرها.
تعتبر جبهة حرض- ميدي وحيران ومستبأ، من أهم الجبهات بالنسبة للسعودية، فهي متلاصقة بالحدود مع مملكة العدوان السعودية، وتمتد من ميدي إلى حرض وحيران ومستبأ، هذه جبهة واحدة من خمسين جبهة في اليمن، يواجه فيها المجاهدون تحالفا من عشرين دولة تتشارك في الحرب على اليمن، يستنفر كل إمكانياته علاوة على ما يمتلك من جيوش وإمكانيات ومرتزقة ومأجورين جلبهم لغزو اليمن واحتلالها والسيطرة عليها ، بالإضافة إلى استخدامه أحدث الأسلحة وأفتكها وأحدث التقنيات من طائرات ودرونز بلا طيار وصواريخ ومدفعية وتكنولوجيا وأقمار واستخبارات وأموال هائلة كذلك.
زرت هذه الجبهة أكثر من مرة، لم يتغير شيء يذكر فيها غير تضاعف عدد الغارات واتساع خارطة الورطة السعودية في رمالها وخبوتها المترامية، تستطيع السعودية الادعاء بأنها أحرزت تقدمات طيلة سبعة أعوام، لكن ليس باستطاعتها إلغاء حقيقة أن حربها الفاشلة قد أودت بها في مستنقع خطير، لقد صارت جبهة حرض- ميدي – حيران خازوقا لمملكة الرمال والنفط، لا يمكنها الفكاك منه عبر الفرار ولو إلى جهنم.
مؤخرا زجّت مملكة العدوان السعودية بألوية عديدة في ما أسمتها معركة تحرير حرض، انتهت تلك المعركة بانتكاسة مدوية، إذ فرّت حشود المرتزقة مسافات تصل إلى عشرات الكيلو مترات في تلك الصحارى المترامية بعدما كانوا قد سيطروا عليها سابقا، قبل ذلك كانت السعودية قد زجت بحشود جرّارة تصل إلى عشرات الآلاف إن لم تكن مئات الآلاف من المرتزقة اليمنيين ومن المستأجرين السودانيين في حروب هذه الصحارى، كلها انتهت بالفشل الذريع وبالمَقَاتِل الكبرى التي تعرضت لها جيوش الارتزاق والعمالة في هذه الجبهة.
سبعة أعوام انقضت من عمر هذه الجبهة، التي شهدت تحولات وأحداثاً كبيرة، لكنها في المجمل تلخص الورطة السعودية، وتعرّف اليمن من جديد بأنها مقبرة الغزاة والمرتزقة والجيوش الجرارة والدبابات والمدرعات والجنجويد.
قبل سنوات، زرت هذه الجبهة والتقيت بالمجاهدين فيها، الذين ينجزون ملاحم يمنية خالدة في الدفاع عن شعبهم وأرضهم وبلادهم، ربما كانت هذه الجبهة هي الأكثر اشتعالا وسخونة عن غيرها، بالغت السعودية كثيرا وهي تتحدث في الأعوام السبعة عن “معارك تحرير حرض وحيران وغيرهما”، لنسأل السعودية: إلى أين وصلت هذه المعارك؟ حاجز ترابي شيّده المرتزقة في أطراف حيران قبل ثلاثة أعوام انهار في غضون ساعات حينما شن المجاهدون عملياتهم الهجومية خلال المعركة الأخيرة التي أرادت مملكة العدوان خلالها السيطرة على مدينة حرض، وكما ذهبت كل معارك احتلال حرض أدراج الرياح، فقد استحالت المعركة الأخيرة إلى هزيمة مدوية للسعودية ومرتزقتها بعد فرارهم إلى مواقع ما قبل ثلاثة أعوام.
وما عجزت فيه السعودية – بجيشها أولاً الذي لم يعد له أثر في هذه الجبهة فقد سحبت جنودها إلى الموسم واستبدلتهم بمرتزقة ومأجورين، ثم بجيوش من المرتزقة اليمنيين ثانياً، ثم بمجاميع مجنّدة من جماعات داعشية وغيرها ثالثاً، ثم بالجنجويد رابعاً – عن اجتياح بضع كيلومترات في حرض وما جاورها طوال سبعة أعوام، فإنها ستعجز عن ربع معشار ذلك في ما تبقى من عمرها.
لقد تعرضت هذه الجبهة لأكثر من 30 ألف غارة جوية طيلة سبعة أعوام، وطوال الوقت لا ينفك طيران الأواكس الاستطلاعي والطيران الحربي بأنواعه، في ساعات المعارك أو خارجها؛ يحلق فوق رؤوس المجاهدين مترصدا كل حركة وكل سكون سعياً لاستهدافهم واستهداف حتى من يفر هرباً منهم، حيث المقاتل الفرد في هذه الجبهة وغيرها تُشن عليه غارة جوية بل وغارات جوية كاملة، وهو ما لم يحدث في كل الحروب التي يعرفها الناس.
أكثر من ثلاثين ألف غارة جوية يمكن لها أن تسقط بلدا بأكمله، لكنها لم تحسم للسعودية جبهة واحدة، هي جبهة حرض وميدي طيلة سبعة أعوام، ولا نصف جبهة ولا حتى أقل من ذلك، فلا تزال السعودية عاجزة وغارقة وجيوشها ومرتزقتها يفرون كالجرذان في الصحارى المفتوحة، كما حدث – مؤخرا – في معارك حرض وحيران.
ستهزم السعودية الباغية في هذه الجبهة، كما في غيرها، وستثبت هذه الحرب حقيقة أن المجاهدين أهدروا كرامة جيوش عشرينية، ومرغوا أنوف ألوف المرتزقة والمأجورين في صحارى هذه الجبهة، وكسروا حروبا تشارك فيها أعتى القوات الجوية في العالم والمنطقة، الأمريكية والسعودية والإماراتية، وأسقطوا أحلام السعودية أرضاً وطوحوا بأوهامها التي بنت عليها شن الحرب على الشعب اليمني العظيم.
ولا مبالغة في استغراب معجزات هؤلاء المجاهدين المدفوعين في بسالتهم بعدالة القضية وبالإيمان والثقة بالله، فلتسألوا السعودية أين هي حدود سيطرة مرتزقتها في هذه الجبهة؟، وأين ذهبت بجيشها الذي لم يعد يشارك في غزواتها هنا؟ إلى أين تذهب السعودية في هذه الصحارى المترامية بعد سبعة أعوام؟ كم سنوات إضافية ستحتاجها لإحراز شيء في هذه الجبهة وغيرها، وهي التي تتراجع وتنهزم أمام أبطال الجيش واللجان الشعبية لعشرات الكيلو مترات؟.