21 سبتمبر… اليمن بِلا آل سعود!
موقع أنصار الله ||مقالات || بندر الهتار
اليمن حديقة خلفية. على هذه القاعدة كان آل سعود يتعاملون مع اليمن بعد نهاية عهد الملكية عام 1962 واستطاعوا بمؤامراتهم أن يقفوا بوجه كلّ الأصوات الوطنية التي ترفض الهيمنة السعودية، وأبرز تجليات ذلك كان اغتيال المشروع الوطني باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي عام 1977.
ما بعد عهد الرئيس الحمدي كان ينسجم تماماً مع ما يطلبه آل سعود، بعد تعزيز السيطرة على الجيش والقبيلة معتمدة على إبراز شخصيات بعينها وتهميش أخرى، وأيضاً السلطة الدينية من خلال العمل على نشر الوهابية ومحاربة الفكرين الزيدي والشافعي.
لم تكن السعودية لتحتمل بروز مشروع وطني يعارض هيمنتها، وكانت تقف بالمرصاد أمام الشخصيات الوطنية التي لم تنسجم معها، ونفّذت عبر أذرعها سلسلة اغتيالات بحق كثير من تلك الشخصيات، منها جار الله عمر الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني عام 2002.
بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 نهض السيد حسين بدر الدين الحوثي ليحذر من مغبة مشروع أميركي يستهدف اليمن والمنطقة تحت ذريعة محاربة الإرهاب. والسيد حسين كان شخصية معروفة من خلال حضوره السياسي بعد مشاركته في تأسيس حزب الحق وفوزه بمقعد في مجلس النواب العام 1993 ومن خلال حركته الفكرية المناهضة للوهابية. وهذا لم يرق للسعودية، فدفعت بنظام علي عبد الله صالح لشنّ حرب شعواء تقضي على السيد حسين ومشروعه الفكري والوطني.
استشهد السيد حسين وانتهت الحرب الأولى، غير أنّ السعودية والنظام في صنعاء أدركا أنّ حركته الفكرية ومشروعه الوطني لا يزال حاضراً في محافظة صعدة، وشنوا حروباً جديدة على أنصار الله، اضطرت السعودية أن تشارك بشكل مباشر في الحرب السادسة عامي 2009 2010 بعد فشل الجيش اليمني في حسم المعركة، وكانت الصفعة مضاعفة مع العجز عن تحقيق أيّ من أهداف الحرب.
مع تعاظم قوة أنصار الله، لم تكن مؤامرات آل سعود قد انتهت حتى جاء موسم ما عُرف بـ «الربيع العربي» والخروج الشعبي الكبير الذي طالب بتغيير نظام علي عبد الله صالح، فرأت السعودية أن تحتوي الحراك الشعبي وأن تعيد إنتاج النظام من خلال مبادرة للحلّ السياسي عرفت في ما بعد بـ «المبادرة الخليجية»، أدّت إلى صعود هادي رئيساً واعتمدت مبدأ المحاصصة في الحكم بين حزب علي عبد الله صالح وأحزاب المعارضة على رأسها حزب الإصلاح كفرع لـ «الاخوان المسلمين» في اليمن.
ورغم مشاركة أنصار الله في الثورة الا أنهم إلى جانب عدد من القوى الثورية رفضوا المبادرة الخليجية، واعتبروا أنّ الثورة لم تكن ضدّ شخص الرئيس بقدر ما كانت ضدّ منظومة فساد متكاملة وضدّ هيمنة سعودية أميركية على حدّ سواء. بينما اعتقدت السعودية أنّ إقصاءها أنصار الله وإشغالهم في ما بعد بحروب استنزاف داخلية وتحريك الأوراق العسكرية والقبلية والتكفيرية بوجههم، سيجعلها ترسم مستقبل اليمن بالكيفية التي تريدها.
ظلّ أنصار الله يشتغلون بالتوازي بين الاستمرار في الثورة، وبين الانتصارات العسكرية التي يحققونها في أكثر من محافظة، وفي 18 آذار/ مارس 2013 وعلى قاعدة الترحيب بمبدأ الحوار الداخلي، قرّروا المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني رغم أنه انبثق عن المبادرة الخليجية، وقد حاولت السعودية وأذرعها السياسية إبعادهم عن الحوار بعد اغتيال أهم كوادرهم الدكتور أحمد شرف الدين والدكتور عبد الكريم جدبان.
لم تكن السعودية ترغب بحوار وطني يمني يمني بقدر ما كانت تهدف إلى تمرير مشروعها من خلاله، وتجلّى ذلك عند محاولة تمرير مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم دون اعتبارات منطقية عدا أنها تلبّي رغبة أميركية في إطار مشروع تفتيت المنطقة، وفي إطار التضييق على عمق أنصار الله في إقليم طائفي محاصر ومحيط ملتهب.
لم يكن من السهولة تجاوز رفض أنصار الله لمشروع تقسيم اليمن، لكن الإصرار والتسرّع الذي كان يغلب قرارات آل سعود جعلهم يوعزون إلى أذرعهم السياسية والعسكرية بفتح مزيد من الجبهات لإشغال أنصار الله، وكانت النتيجة أن تضاعفت قوة أنصار الله العسكرية ووصلت سيطرتهم إلى محافظة عمران التي تبعد 45 كم من العاصمة صنعاء، وهنا انحسرت الخيارات أمام النظام السعودي مع فقدان نفوذه في محافظات يمنية مهمة.
في 30 تموز/ يوليو 2014 أعلنت الحكومة اليمنية رفع الدعم عن المشتقات النفطية وهو ما تسبّب في زيادة أسعارها بنسبة 100 وبالتالي زيادة أسعار بقية المواد، الأمر الذي لاقى سخطاً شعبياً واسعاً كان أنصار الله في مقدّمتهم، ووفرت لهم فرصة قيادة ثورة جديدة لإسقاط منظومة الفساد. ونجحت الثورة بعد حراك شعبي كبير وفعّال استمرّ خمسين يوماً حتى نجاحها في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 بعد أن سيطر أنصار الله على العاصمة صنعاء، ومساء ذلك اليوم تمّ التوقيع على اتفاق السلم والشراكة برعاية أممية، ولاقى الاتفاق ترحيباً دولياً واسعاً من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، وبقي هادي في منصبه وتمّ تشكيل حكومة جديدة بعد ذلك.
كان ذلك اليوم بمثابة سقوط الهيمنة السعودية من صنعاء، وعملت السعودية مع الولايات المتحدة على ضرب الثورة بعملية عسكرية مباشرة استمرّ التحضير لها لأشهر، فأوعزت إلى هادي وحكومته بالاستقالة وإحداث فراغ في مؤسسات الدولة تمهيداً لقرار الحرب الذي أعلنه عادل الجبير من واشنطن في 25 آذار/ مارس 2015 تحت ذريعة إعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب.
قبل العدوان، كانت السعودية قد تلقت تطمينات من قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي من خلال مبعوث شخصي إلى المملكة بأنّ اليمن لا يشكل أيّ تهديد لجواره، وسيسعى لعلاقات قائمة على الاحترام المتبادل، لكن المعضلة تكمن في هدف استقلال القرار الذي رفضت قيادة الثورة المساومة عليه.
اليوم وبعد عام ونصف العام من العدوان المتواصل، لا يبدو أنّ آل سعود قد وفروا وسيلة لإعادة هيمنتهم على اليمن، ولكن دون جدوى، ولسوء حظهم أنهم يبحثون عن منقذ يخرجهم من مستنقع الحرب وتفادي الآتي المجهول.