الترويجُ الغربي لمفهوم وصورة التنمية

‏موقع أنصار الله || مقالات ||إبراهيم محمد الهمداني

لقد غابت التنميةُ عن واقعنا شكلاً ومضموناً، ولم تتجاوز التنمية المستوردة من العالم المتحضر؛ كونها وسيلةَ هدم وتدمير للمجتمعات، استهدفتها في صميم تدينها، وفي مصدر قوتها، وأَسَاس عزتها ورفعتها، فخرجت بذلك عن دائرة التأييد والحفظ والعون الإلهي، وحُرمت البصيرة والبركة، وسُلبت العزة والمنعة، وسقطت في مستنقع الربا، فاستحقت حرب الله ونقمته وعذابه، ونالها مقته وخذلانه وغضبه، وأصبحت رهينةَ أعدائها، وضحية حكامها، وأسيرة أوهامها، باستمرار تداعيات صمتها عن الحق، وتغاضيها عن ردع حكامها.

وهي بذلك تفتح باب العقوبات الجماعية على الأجيال اللاحقة؛ التي لن تجد أمامها سوى نفوس دنيئة، واقتصاد منهك بديون تصاعدية إلى ما لانهاية، الأمر الذي يحتم عليهم الخضوع لاستعمار اقتصادي قذر، يعمل على استعبادهم تحت مسمى التنمية، بينما الحقيقة، كما يقولُ الشهيدُ القائد: «ليس هناك تنمية، لا في واقع النفوس ولا في واقع الحياة. وإن كانت تنمية فهي مقابل أحمال ثقيلة تجعلنا عبيداً للآخرين، ومستعمرين أشد من الاستعمار الذي كانت تعاني منه الشعوب قبل عقود من الزمن. التنمية من منظار الآخرين: هو تحويلنا إلى أيدٍ عاملة لمنتجاتهم، وفي مصانعهم، تحويل الأُمَّــة إلى سوق مستهلكة لمنتجاتهم، أن لا ترى الأُمَّــة، أن لا يرى أحد، وليس الأُمَّــة، أن لا يرى أحد من الناس نفسَه قادراً على أن يستغني عنهم؛ قوته، ملابسه، حاجاته كلها من تحت أيديهم، هل هذه تنمية؟. فنحن نقول: نريد التنمية التي تحفظ لنا كرامتنا، نريد نمو الإنسان المسلم في نفسه، وهو الذي سيبني الحياة، هو الذي سيعرف كيف يعمل، هو الذي سيعرف كيف يبني اقتصاده بالشكل الذي يراه اقتصاداً يمكن أن يهيئ له حريته واستقلاله، فيملك قراره الاقتصادي، يستطيع أن يقف الموقف اللائق به، يستطيع أن يعمل العمل المسئول أمام الله”.

(الشهيد القائد: ملزمة: اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً)

عملت القوى الاستعماريةُ على ترويج وتسويق وهم الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، في أوساط الشعوب التي كانت ترزح تحت وطأتها، وتعاني ويلات الاستبداد والقمع والامتهان، علاوة على غياب أدنى معايير الحياة الكريمة، في اشتراطاتها الإنسانية، التي يجب أن يوفرها المستعمِر للمستعمَر، ولهذا كانت ثورات الشعوب ضرورة قصوى فرضتها معطيات ذلك الوضع، وتداعيات الحالة الاستعمارية المهيمنة بمنطق الحديد والنار، التي مارست من خلال عامل القوة دوراً مزدوجاً متناقضاً، ظاهره أبوية استعلائية، تسلب الشعوب سيادتها واستقلالها، وحقها في الديموقراطية وحكم نفسها، وتحديد علاقاتها بمحيطها، تحت مبرّر جهلها وتخلفها، وافتقارها لمشروعها الحضاري الخاص، وباطنه أطماع المستعمر في مزيد من الهيمنة والنفوذ، ونهب الثروات والخيرات، واستغلالها لتعزيز وتقوية التموضع الاستعماري.

ولذلك يجب أن تبقى تلك الشعوب تحت وصاية وحماية وهيمنة القوى الاستعمارية، صاحبة المشروع الحضاري التقدمي، لتمارس بحقها لصوصية واضحة الصلف والقبح، تسلب الشعوب خيراتها وثرواتها ومقدراتها، وتستنزف كُـلّ مقومات نهضتها وتقدمها، وُصُـولاً إلى القوة البشرية، التي تتحول إلى أيدٍ عاملة – آلية – في مصانعه ومشاريعه وشركاته، وتتحول البلدان المستعمرة إلى أسواق مفتوحة لمنتجاته، ليضيف إلى تدمير الجهود والقوة البشرية، تدمير الاقتصادات المحلية في مختلف صورها، حاضراً ومستقبلاً.

وحاصل ذلك كله أن الاستعمار العسكري، الذي أوهم الشعوب بأنه قد خرج من الباب، ومنحها حريتها واستقلالها – متفضلاً وممتناً عليها بذلك – وأنه قد غادر مقام السيطرة والاستبداد والهيمنة، معترفا بحق الشعوب في الحرية والسيادة والاستقلال، قد استطاع بذلك تسويق الخديعة والحيلة، التي منحته الفرصة الذهبية، ليعود من نافذة الصداقة، ومسميات النديِّة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ليمارس أبشع صور الاستعمار، من خلال تموضعه الجديد، وثوبه الحضاري المغلف بحماية ورعاية حقوق الإنسان، وتقديم العون والمساعدة لكل محتاج، والارتقاء بالمجتمعات النامية والمتخلفة إلى مصافه الحضاري.

 

قد يعجبك ايضا