حاشيةُ المسؤول وأهميتُهم ودورُهم في عهد الإمام علي للأشتر
موقع أنصار الله ||مقالات ||د. يوسف الحاضري
لاحظنا خلال الدروس التي يلقيها السيد القائد عبدالملك الحوثي -حفظه الله- مع بداية شهر ذي الحجّـة والتي انطلق من عهد الإمام علي -عليه السلام- لمالك الأشتر عندما ولَّاه أمر مصر وأعمالها، كيف أن هناك في العهد تركيز بشكل كبير ومكثّـف ومتكرّر على موضوع (حاشية المسؤول والمقربون)، سواءٌ أكانوا مدراء مكاتب أَو نواباً أَو وكلاء أَو مستشارين أَو غيرهم، بحيث شملت جميع زوايا الحاشية واتّجاهاتهم النفسية والفكرية والعملية وَأَيْـضاً وجدنا كيف يقف السيد كَثيراً عند هذه النقاط من منطلق أن غالبية ما يؤثر على المسؤول هم الحاشية أَو ما أسماهم الله في القرآن (الأقربون) سواء أقربون بقرابة النسب أَو بقرابة المنصب والمكانة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أنفسكُمْ أَو الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) وفي هذه الآية دلالة على أن المسؤول يجب أن يكون هو المسيطر والمتحكم والموجه على الحاشية وليس العكس وهذا لا يتأتى إلَّا عندما يكون المسئول متقياً لله وواعياً وفاهماً لكل شئون مسؤولياته وواجباته فيكون هؤلاء مساندين له مساندة إيجابية غير أن تقريبهم بشكل عشوائي أَو دون أن يتمثل توجيهات الإمام علي في العهد فَـإنَّه سيشكل له حاشية تجره للظلم والفساد ثم للفشل والانهيار ومن هنا سأذكر كيف تعاطى السيد في هذا الجانب من العهد نفسه وبشكل موجز وذلك كالتالي:-
– الجانب العملي: (أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّة أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ) وهذه تتطابق جملةً وتفصيلا مع الآية التي ذكرت أعلاه بألا يكون المسؤول حصانة للحاشية فيجعل ذلك الحاشية تتحَرّك بدون وعي وبلا أدنى خوف من الله فتظلم وهي تثق أن هناك من سيحميه فيكون وزر هذه المظالم بدرجة رئيسية على المسؤول ثم على الظالم وهؤلاء سيسقطون تحت حرب الله كما وضحه العهد (فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزعَ وَيَتُوبَ).
– الجانب النفسي: (وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّة، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّة يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَا الْعَامَّةِ) والسخط هو حالة نفسية تتطور إلى فكرية ثم عملية وهنا نبه الإمام علي (كما شرحها السيد عبدالملك) بأن يكون نظرته للأعمال ما تكون فيها رضا للرعية فإن كان أَيْـضاً فيها رضا من الخَاصَّة (الحاشية) فهذه شمولية الإيجابية والنجاح، أما إذَا حصل تضارب بين رضا وسخط الحاشية مع رضا وسخط العامة فليترك حاشيته على جنب وينظر لرضا العامة وسخطهم ويتعامل مع الأوضاع بما يرضيهم ولا يسخطهم من منطلق أن المسئولية هي خدمة للعامة خَاصَّة أن الحاشية في هذه الحالة تنظر للأمر بمنظارها الشخصي الذاتي ثم وضح العهد نتائج هذه الرؤية أنها هي من تجعل المجتمع متماسكا وهم الجنود وقت العسرة والصابرون وقت البلاء بل أن وضعنا في اليمن وضح للجميع كيف كانوا هم الجيش (المجاهدون) وهم البنك (الإنفاق في سبيل الله والقوافل المُستمرّة) وكيف شاهدنا خَاصَّة وحاشية الأنظمة السابقة أين يتواجدون اليوم في الخارج تاركين اليمن لمصيرها وآلامها (وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلأعداء، الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّــة، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ).
– الجانب الأخلاقي: (وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ) فلا يمتلك هذه الصفة إلَّا سيء الأخلاق متتبع العورات وهو الذي يزين الباطل للمسؤول ويفتح له أسلحة دنيئة لا دينية للمسؤول في مجابهته للعامة فيحيطه بالباطل في وقت أن الحق لا يمكن أن يستخدم سلاح الباطل مهما كان كون الحق لا يعوزه القوة حتى يلجأ لمثل هذه الأساليب.
– الجانبُ الديني: (ولا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ، وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ، وَلاَ جَبَاناً يُضعِّفُكَ عَنِ الاُْمُورِ، وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ) وهذه الرؤية واضحة وبينه وغالبًا تكثر عند المستشارين والمدراء الماليين وَأَيْـضاً مدراء المكاتب؛ كون نظرتهم تكون مادية بحتة وَأَيْـضاً ذات حسابات شخصية ويتملكهم كما وضحَه الإمام علي (سوء الظن بالله) وما ينبغي أن يكون المسؤول محاطاً بأمثال هؤلاء.
– الجانب التاريخي أَو ما يسمى عصرياً (السيرة الذاتية): حَيثُ قال (شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأشرار قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ، فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً، فَإِنَّهُمْ أعوان الاَْثَمَةِ، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ،) وهذه من أهم وأعمق النقاط التي يجب أن تتجلى في القائد الناجح الواثق بالله؛ لأَنَّ غالبية المسؤولين الجدد يجدون فيمن يسمون (أصحاب الخبرة) القوة والثقة في نجاحهم حتى وإن كانوا ذو مسيرة فاسدة وظالمة فهذه الرؤية رؤية ضعف وهشاشة ولا ينبغي أن تتواجد في المسؤول العلوي المسلم الحقيقي فالتوكل على الله سيجعله يجد الأفضلَ من الشرفاء كما وضحه الإمام في سرده لهذا الجانب (وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ وَآثَامِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ، وَلاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ) والنتائج تشمل توفيق الله وتطهير عملك من أي إثم يقدمون عليه وَأَيْـضاً سيكون هؤلاء (أُولئك أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً) عكس ما هم عليه السابقون لذا جاء التوجيه المباشر للمسؤولين بقوله (فَاتَّخِذْ أُولئك خَاصَّة لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلاَتِكَ).
– الجانب الاستشاري القرآني السليم والمتمثل في قول الحق في وجه المسؤول (ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لأَوْلِيَائِهِ) فهؤلاء هم من سيقودونك للنجاح في مهامك وتحملك لأمانة المسؤولية وَأَيْـضاً النجاة في الآخرة من عذاب الله.
– حماية الجانب النفسي للمسؤول: (وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَ يُبَجِّحُوكَ بِبَاطِل لَمْ تَفْعَلْهُ)؛ لأَنَّ ذلك سيحمي نفسية المسؤول من التجبر والتكبر والذوبان في التسبيح بحمد ذاته والسبب (فَإِنَّ كَثْرَةَ الاْطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ، وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ) لذا يكون هناك حماية متبادلة من قبل المسؤول لنفسية حاشيته ومن قبل الحاشية على نفسية المسؤول وهنا تكتمل الرؤية القرآنية للمسئول وحاشيته.
– التزود المُستمرّ بالتقوى (وَأكثر مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَافَثَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإقامة مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ) وهذه الرؤية تتمم نفسية وتوجّـهات المسؤول بحيث يتم تذكيره من وقت لآخر وإعادته إلى صوابه وتثبيت قدمه من ألا تزل وتنحرف؛ لأَنَّ هذه الأصناف دائم التذكير بالله والتخويف من عقابه وما دونها من أصناف تحيط المسؤول بالدنيا وزينتها وكيفية الوصول إليها وفي هذا الانحراف.
المؤمل أن يقوم المسؤولون بتطبيقها أولاً لأجل أنفسهم والذي يسعى كُـلّ مسؤول للنجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة وثانياً لأجل الأمانة التي تحملوها كمسؤولية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحملها كما ينبغي إلَّا من أقام هذه الأركان وتحَرّك بهذه الرؤى.