العراق مُدمى على صفيح الفتنة الأمريكية!
موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالرحمن الأهنومي
الأخبار التي تأتينا من بلاد الرافدين لا تسر أحداً ، إلاًّ من يحركون أحداثها ويستثمرون في تداعياتها ، وهم الاحتلال الأمريكي وأدواته في المنطقة ، العراق اليوم يقف على واحدة من أخطر المنعطفات المصيرية ، فمع تصاعد حدة التوتر الأمني إثر انفجار الأزمة السياسية بين الأحزاب العراقية ، وتحريك الشارع العراقي في مواجهات بينية تنذر بانقسامات خطيرة ونزاع مسلح لا يتوقع أحد آثاره ، تبدو الدولة العراقية مشلولة بعد تعليق أعمال مجالسها الثلاثة والتعليق عمل خطط له الأمريكيون مسبقاً ليكون اشتعال الشارع العراقي متوازياً مع الفراغ في مؤسسات الدولة.
وقد انفجرت الأحداث يوم أمس بشكل غير مسبوق مع إعلان مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي ما صب زيت اعتزاله على نار الشارع المشتعلة منذ أسابيع ، وبدا واضحاً من اطمئنان السفارة الأمريكية التي قالت إن الأحداث مقلقة في العراق لكن مقراتها آمنة ولا وجود لأي مخاطر أمنية عليها ، أمر يفسر بأن المستفيد من الدفع بهذه الأزمة السياسية المتدحرجة في العراق إلى الاشتباك الأمني المسلح في الشارع العراقي هو من يظهر مطمئناً إلى هذه الأحداث والإرهاصات وآمنا نحو نتائجها وانعكاساتها ولو كانت خطيرة فعلاً على الشعب العراقي العزيز.
وقد جاء التصعيد الذي انفجر بشكل غير مسبوق يوم أمس تتويجاً لأزمة بدأت منذ أشهر مع عجز القوى السياسية التي ربحت وخسرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عن التوافق على الحكم ، لكن ما زاد الأمور اشتعالا هو إشهار الزعيم الصدري لاعتزاله العمل السياسي ، وإغلاق مقرات التيار الصدري وتحريك الشارع الذي يشتعل منذ أسابيع ، واقتحام المتظاهرين للقصر الجمهوري بعد أيام من اقتحامهم لمقر البرلمان ، ولا يمكن لعراق الخير أن يخرج من محنته طالما بقي تحت الاحتلال الأمريكي والوصاية الأمريكية.
الأحداث الجارية والمتصاعدة في العراق تنذر بأن القادم مجهول بالنسبة للعراقيين، فمؤسسات الدولة العراقية علَّقت أعمالها بعد اقتحام مقراتها من المتظاهرين ، والانقسامات في الشارع بدت ملحوظة حينما بدأ الاشتباك بين القوى الأمنية والمتظاهرين في المنطقة الخضراء التي سقط فيها عشرات القتلى والجرحى ، الحال في العراق يُنذر بخطر انتقال الأزمة السياسية إلى نزاع مسلح لا يُبقي ولا يذر للعراق ولا للعراقيين شيئاً.
لا أحد يجهل بأن النزاع في العراق يحركه الاحتلال الأمريكي من معقله في المنطقة الخضراء ، لكن الجميع يجهل كيف سينتهي هذا النزاع المستفحل ، ويجهل الجميع أيضاً تأثيرات هذه النزاعات والانقسامات على مصير العراق واستقراره وأمنه ، المؤكد أن الجميع يعرف أن أمريكا ودولاً تعمل في المنطقة لصالحها عملت على تحويل العراق إلى كرات من النار المشتعلة تحقق لأمريكا ما تسعى إليه في هذا البلد العزيز والمليء بالثروات والكنوز.
من ينظر اليوم إلى المشهد العراقي وحالة الانقسام والأزمات المتداعية والاستقطابات والانهيارات وحالة الصدامات الأمنية في الشارع ، لا بد أن يستنتج بأن المؤامرة كبيرة جداً على العراق ، وأن المحرك الأمريكي وبالقدر الذي يعمل فيه على دفع الشارع إلى نزاع مسلح ، فقد دفع مؤسسات الدولة العراقية إلى الانهيار وعمل على أن تصل إلى مرحلة تعليقها لمهامها وقد حدث علَّق البرلمان أعماله ، ثم القضاء وحتى مجلس الوزراء علّق مهامه بعد اقتحام القصر الجمهوري ، ليبقى العراق بلا دولة وبشارع مشتعل بالنزاعات المسلحة.
هذه أمريكا التي ولغت كثيراً في الدم العراقي منذ احتلالها لهذا البلد العزيز في 2003م ، أمريكا التي قتلت ملايين العراقيين بالحرب وبالاغتيالات والتصفيات والجوع والأوبئة في سنوات احتلالها التي تمتد لحوالي عشرين عاماً، تسعى اليوم إلى مضاعفة أعداد الضحايا من العراقيين ومن القوات العراقية ومن القوات الأمنية وتقتل هذا بذاك لتبقي العراق تحت احتلالها ووصايتها.
لا ننسى بأن أمريكا التي قامت بتشكيل تنظيمات القاعدة وداعش وموّلتهما بالسلاح والأموال ووفّرت لهما البيئة الأمنية لاكتساح المدن العراقية ، فعلت ذلك ليبقى العراق ضعيفاً ولتسيل أنهر الدم بلا نهاية ، فكم قتلت وذبحت داعش وكم أحرقت من أجساد ودمرت مقدرات وزروعاً وثماراً وعاثت الفساد في عراق الخير لسنوات ، وما كاد العراقيون أن يتنفسوا الصعداء من خطر داعش التي جثمت عليهم بعد تضحيات جسيمة قدمها رجال الحشد الشعبي وحلفاؤه وقدمها الشعب العراقي العزيز ، حتى أعادتهم أمريكا لذات الدوامة من جديد ، لكن ما يبدو أن أعداد الضحايا هذه المرة سيكون مضاعفاً للأسف الشديد، وهو ما تريده أمريكا للعراق.
يمتلك العراق مقومات كبيرة جداً ومكانة عربية كبيرة وإضعافه هدف أمريكي عملت عليه أمريكا طويلاً وما زالت تعمل ، وما يحدث اليوم هو تقويض للعراق الذي يمتلك مقومات اقتصادية وسياسية وعملية وحتى عسكرية وأمنية كبيرة ، وتحويلها إلى منهوبات للأمريكيين الذين قتلوا ودمروا عاثوا الفساد الكبير في العراق منذ احتلاله بالقوة العسكرية ، لا تريد أمريكا عراقاً عربياً ولا تريده إسلامياً ولا تريده عراقاً معروفا ببلاد الرافدين وموسوماً بالخير ، بل تريده جغرافيا ممزقة في مهب الريح والفوضى.
ما يثير الأسف أن أمريكا التي اندحرت ذليلة من أفغانستان تحت ضربات طالبان وحدها ، ما تزال تعبث كل هذا العبث بالعراق ، والسبب هو أن الأحزاب والسياسيين يتصارعون بمعزل عن الاستحقاق الأهم للعراق في إخراج القوات الامريكية من العراق بشكل كامل ، وبمعزل عن قطع اليد الأمريكية عن العراق أيضا ، وبدا الجميع ضد الجميع والشارع في فراغ أزمة مشتعلة تحرك مفاعيلها أياد ليست خفية بل معلومة للجميع..ولا بد أن يخرج العراق من محنته بعون الله وقبل ذلك لا بد أن يكون السياسيون في العراق يدا واحدة وإلا سيبقى الحال ، كما تفرقت أيدي سبأ.