الواقعُ المُــرُّ في المحافظات المحتلّة.. مسؤولون في خدمة العدوان
||صحافة||
تمضي السلطاتُ الحكوميةُ في صنعاء قُدُماً نحو البناء التصحيحي ومحاولة النهوض بمؤسّسات الدولة في كافة المجالات، فالنجاحُ الأمني والدفاعي وكذلك الاقتصادي لافت جِـدًّا، ولا سيَّما إذَا ما تمت المقارنة مع الوضع الحاصل في المحافظات اليمنية الجنوبية المحتلّة.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه حكومة صنعاء مع استمرار العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ إلا أن المواطن يلمسُ دولةً متماسكة في كافة الجوانب، وما العرض العسكري الأخير “وعد الآخرة” الذي تم في محافظة الحديدة مؤخّراً، إلا شاهد على وجود الدولة وهيبتها، وأن المليشيا هي تلك التي فضلت الارتماء في حضن العدوّ، وعاثت في الأرض الفساد.
وخلال السنوات السبع الماضية من العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، فشلت حكومةُ المرتزِقة فشلاً ذريعاً في إدارة المناطق التي تسيطر عليها في ظل الاحتلال، فالأمنُ غير مستتب، والوضع الاقتصادي منهار، والمواطنون يبكون حالهم ليلاً ونهاراً، متألمين من الحال الذي وصلوا إليه، في ظل التردي الأمني والاقتصادي المريب.
ويرى أُستاذ القانون الدولي، الدكتور حبيب الرميمة، أنه لا وجهَ للمقارنة بين الوضع في صنعاء والمناطق الواقعة تحت سلطة الاحتلال وحكومة المرتزِقة، مُشيراً إلى أن غالبيةَ الشعب اليمني، وكذا المراقبين على يقين تام بأن الأداء الفعلي لحكومة الإنقاذ الوطني أفضل بكثير من أداء حكومة المرتزِقة وأنه لا يمكن المقارنة بينهما، بل إن من يقبعون تحت سيطرة أدوات العدوان في المناطق المحتلّة يدركون جيِّدًا مدى فشل الحكومة العميلة الخائنة، لافتاً إلى أن صنعاء والقيادة السياسية تتميز بالتسليم المطلق للقيادة الثورية الموحدة، فهي تمتلك قراراً سياسيًّا مستقلاً غير خاضع للتبعية الخارجية.
ويبيّن الرميمة أن القيادة الثورية والسياسية تحمل مشروعاً وطنياً وقضية عادلة تشارك أبناء الشعب اليمني أتراحهم وأفراحهم، موضحًا دورَ القيادة الجوهري في مواجهة أعتى عدوان يحملُ كُـلّ مقومات القوة المادية الحديثة، واصفاً العدوان بالعالمي الذي لا مثيلَ له في التاريخ القديم والحديث.
ويشير إلى أن الشعبَ اليمني تحت ظل قيادته الثورية والسياسية استطاع إفشال كُـلّ مؤامرات العدوان ومخطّطاتهم الداخلية والخارجية، ودحر عدوانهم، لافتاً إلى أن الشعبَ اليمني يعمل بصبر وثبات، انطلاقاً من الاستشعار بالمسؤولية الدينية والوطنية في رَصِّ الصفوف والتلاحم لمواجهة العدوان، لافتاً إلى أن تحَرّكات الشعب اليمني شملت مختلف المجالات، وَأن المعادلات الاستراتيجية العسكرية التي فرضها أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه إن لم تكن هناك جبهات أُخرى تؤدي رسالتها في أحلك الظروف المعيشية.
ويضيف: “ففي الوقت الذي كان الأبطال يضعون الخطط في ميدان المعركة لصد مجنزرات العدوان، كان هناك أبطال يصدون عدواناً من نوع آخر، في الجبهة الأمنية لإرساء الأمن والاستقرار، وتوفير المشتقات النفطية والغاز، وفي الجبهة الاقتصادية لمنع انهيار الاقتصاد والريال، وفي الجبهة الإعلامية لمواجهة الحرب الناعمة، وفي القبيلة لبث روح التآخي والتآزر ومنع الثارات، وفي السياسة لرفع مستوى الانتظام الوظيفي ومخرجاته، وفي الجبهة الرقابية للحفاظ على المال العام، وفي القضائية بوضع بعض الحلول التي تسهم في استمرار المسار القضائي، وفي الحقوقية لكشف جرائم العدوان ووحشيته أمام المجتمع الدولي وتعرية المنظمات المتواطئة معه وازدواجية معاييرها”.
ويواصل: “وفي الجبهة الزراعية بوضع الرؤى وتنفيذ المشاريع التي تسهم في تنشيط الجانب الزراعي الذي كان قد وصل إلى مرحلة اليأس، وغيرها من الجبهات، كُـلّ هذه الجبهات مارست عملها عبر الأجهزة الحكومية، مؤكّـداً أن الجانب العسكري يشهدُ تفوقاً كَبيراً عن الجانب المدني من حَيثُ الإعداد والتنظيم وتطوير القدرات التصنيعية، إلا أن الجانب المدني في المقابل يخطو خطوات جيدة.
ويبين أن شبابَ ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر لم يرثوا دولة بمفهوم الدولة كما هو حال كثير من الدول، كمصر، والجزائر، وتونس حتى يبدأوا من حَيثُ انتهى الآخرون، وإنما ورثنا سلطةَ نفوذ وتقاسم مصالح حزبية وشخصية محكومة ومقيدة بخطوط خارجية لا تتعدى المصالح السعوديّة والبريطانية والأمريكية.
ويعتقد الرميمة أن تقييمَ الأداء الحكومي الفعلي لحكومة الإنقاذ في صنعاء بغض النظر عن إخفاقاتها ونجاحاتها هو مرهون من حَيثُ المبدأ بالاستكمال الفعلي لبقية المؤسّسات الدستورية العليا من خلال استكمال المقاعد الشاغرة في مجلس النواب وإعادة تشكيل مجلس الشورى بما يتوافق ونص الدستور من حَيثُ العدد، وبما يحقّق مهامه وأهدافه من حَيثُ قانون إنشائه وإيجاد إطار مؤسّسي تنظيمي ناجع يحقّق استقلال السلطة القضائية استقلالاً حقيقيًّا، وكذا الموائمة بين قوانين الأجهزة الحكومية المركزية وقانون السلطة المحلية وإزالة التعارض بينهما.
النموذجُ الأنجعُ لصنعاء
بدوره، يقول عميد كلية التجارة بجامعة صنعاء، الدكتور مشعل الريفي: إن صنعاء تميزت بالأداء العسكري الذي حقّق الصمود وأفشل مخطّطات العدوان الخارجي، كما حقّق خطوات استثنائية في بناء القدرات العسكرية الذاتية سواءً في الجانب البشري أَو التسليح والصناعات الحربية رغم الحصار الشديد، مؤكّـداً أنه كان بحق نموذج النجاح الأبرز لحكومة الإنقاذ والقيادة الثورية.
ويضيف “الأداء في الجانب الأمني في المجمل ناجح وتمكّن من الحفاظ على الاستقرار وتماسك الجبهة الداخلية والحيلولة دون وقوع الحوادث المزعزعة للأمن الداخلي، وما زالت المنظومة الأمنية في حالة بناء مُستمرّ وبحاجة إلى العديد من الخطوات الإضافية المؤسّسية وإلى المزيد من الإصلاحات الإدارية، مؤكّـداً أن حكومة صنعاء تبنت نظاماً لتحصيل الإيرادات فعالاً وأكثر انضباطاً وتعززت الإيرادات الذاتية بموجبه وتراجعت ظاهرة التهرب الضريبي وَالزكوي وتم الحد من مشكلة ضعف التحصيل”.
ويبين أن “دور حكومة الإنقاذ الناجح في الحفاظ على قيمة الريال اليمني في مواجهة سياسية الإغراق والمضاربة التي تتبعها الحكومة الموالية للتحالف والتي كان الغرض منها تدمير قيمة العُملة الوطنية وإحداث انهيار اقتصادي داخلي يسهم في ضعف الجبهة الداخلية وخلق الاضطرابات التي تؤدي إلى إضعاف جبهة التصدي للعدوان”.
ويسرد الريفي بعضَ أوجه القصور لدى حكومة الإنقاذ الوطني والتي ينبغي الالتفات لها ومعالجتها قائلاً: “لم تقم الحكومة بالدور المطلوب في حَـلّ مشكلة أجور ومرتبات موظفي الدولة المنتظمين في تشغيل المرافق الحكومية، والذي كان لهم الدور النضالي والجهادي في إفشال مخطّطات العدوان المتمثلة في تعطيل وظائف الدولة عبر الحصر المالي ونقل البنك المركزي لعدن، حَيثُ كان وما يزال من الممكن توظيف أكثر من الفرص الإيرادية لتحقيق تمويل لصرف منتظم لمستوى محدّد من المرتبات والأجور”.
ويضيف “ما زالت الاختلالات في الإدارات المحلية وأجهزة السلطة المحلية في المحافظات قائمة وما زالت تلك الاختلالات تتسبب في مستوى ضعيف وغير مرضي للأداء الحكومي لأجهزة السلطة المحلية في أغلب المحافظات”.
ويذكر الريفي أن العديد من التعيينات في المواقع الإدارية الحكومية مفتقرة لمعايير الكفاءة واستمر الجمود في مراجعة الأداء حائلاً دون إحداث تغيرات مناسبة.
وعن بعض القطاعات الخدمية والحيوية كالكهرباء والصحة، يعتقد الريفي أن سلطة صنعاء لم تحقّق مستوى أداء مُرْضٍ، سواء في الجانب الإشرافي على الكهرباء التجارية الخَاصَّة والمستشفيات الخَاصَّة أَو في جانب إعادة إنشاء وتوسيع محطات وشبكة الكهرباء العمومية وتعزيز خدمات المرافق الصحية العمومية، مبينًا أن قطاع التعليم العام لا يزال يعاني من اختلالات خطيرة تعطل وظيفته كقطاع يبني وينمي قدرات أهم موارد في البلد وهو المورد البشري، وَأن الجانب الإشرافي على الأسواق والأسعار وجودة السلع والخدمات ضعيف ولا يرقى للمستوى المطلوب في ظل تحديات المرحلة الراهنة.
ويقول الريفي: “مقابل النجاح في جانب الإيرادات العامة ينتظر أن يلمس المواطنون ثماره في تطور وتحسين الخدمات العامة ومرافق البنية التحتية مع مراعاة احتياجات الانفاق العسكري اللازم لمواجهة العدوان بالتأكيد”.
وعن الأداء العملي لحكومة المرتزِقة، يؤكّـد الريفي أن إنجازاتها بالمجمل تصب في خدمة أهداف التحالف التدميرية والتخريبية والمهدّدة لوجود اليمن كدولة ومجتمع، منوِّهًا إلى أن جميع قرارات تلك الحكومة تأتي وفق إملاءات دول التحالف ووفق مخطّطاتها المتدرجة من مرحلة لأُخرى، وهو ما جعل تلك الحكومة مُجَـرّد أدَاة بيد دول التحالف تتخذ من القرارات ما يصب في توسيع نفوذ دول التحالف في المحافظات المستولى عليها وتمكين القوى السياسية والعسكرية التابعة لها وتكريس واقع التجزئة والتقسيم والتشطير.
ويشير الريفي إلى أن حكومةَ المرتزِقة شرعنت لكل جرائم دول التحالف بحق اليمن عبر القصف وما أنتجه من مجازر وضحايا بشرية ودمار في الممتلكات والمنشآت والمرافق العامة والخَاصَّة وكذلك عبر الحصار وسياسة التجويع والإفقار وتدمير دعائم الاقتصاد اليمني ومعيشة المواطنين وعلى رأسها نقل البنك المركزي لعدن وَما تلاه من إصدار نقدي مفرط للغاية لا يتناسب مع الإنتاج المحلي ولا مع رصيد البلد من النقد الأجنبي وتم استخدام الإصدارات النقدية المهولة في المضاربة وشراء العملات الأجنبية؛ بهَدفِ تحقيق ثروات وموارد مالية على حساب القُدرة الشرائية للريال اليمني والدخول الحقيقية لليمنيين.
ويلفت إلى أن الحكومة المدعومة من التحالف مكّنت من بسط دول التحالف لسيطرتها العسكرية والاقتصادية على الجزر اليمنية والموانئ والسواحل والمياه الإقليمية، وعلى مصادر الثروة النفطية والغازية.
ويجزم الريفي أن حكومةَ المرتزِقة لم تقدم أيَّ شيء بالمقابل لليمنيين، فلا كهرباءَ ولا مياه ولا خدمات صحية ولا صرف للمرتبات ولا بناء ولا صيانة لمرافق البنية التحتية، ويظهر الوضع الخدمي والاقتصادي أسوأ بكثير في مناطق سيطرتها مقارنة بالمناطق المحاصرة من قبل دول العدوان والتي تديرهُا بإمْكَانات شحيحة نسبياً حكومة الإنقاذ والقيادة الثورية.
أداةٌ تنفيذية بأيدي دول التحالف
من جهته، يؤكّـد الدكتور أحمد الصعدي، أن هناك اختلافاً جوهرياً بين حكومة صنعاء وحكومة المرتزِقة، من حَيثُ الإمْكَانيات المادية والأداء العملي في الواقع، مُشيراً إلى أن حكومة المرتزِقة لديها كافة الإمْكَانيات المادية والسياسية لكي تقوم بوظائفها في مختلف الجوانب فهي تسيطر على الموارد الرئيسة لليمن وتتمتع باعتراف إقليمي ودولي ولديها عدد هائل من كوادر الدولة ومن جهة أُخرى هي سلطة صورية ليس لديها من صلاحيات فعلية إلا ما تمنحها دول العدوان وفي المقدمة منها السعوديّة والإمارات.
ويؤكّـد أن دول العدوان لا تريدُ إلا سلطةً هشة تابعة تفعل فقط ما تؤمر به وهو ما دفع تلك السلطة لتنمية الفساد ونهب الثروات وتدمير المؤسّسات الحكومية التي تسيطر عليها.
ويلفت إلى أن وضعَ حكومة الإنقاذ تماماً عن حكومة المرتزِقة؛ وذلك كون سلطة صنعاء مبعدة عن أهم موارد اليمن وغير معترف بها إقليمياً ودوليًّا وتعاني من حصار خانق.
ويرى الصعدي أن سلطةَ صنعاء تجاوزت كُـلّ المعوقات المفتعلة من تحالف العدوان وحقّقت نجاحات باهرة في مجالات أَسَاسية هي الدفاع والأمن سواء في مجال العامل البشري تحشيداً وتأهيلاً وتنظيماً أَو في مجال التصنيع العسكري.
ويرى أن نجاحات صنعاء في الجانب الأمني والعسكري يشهد بها العدوّ قبل الصديق وعن المؤسّسات المدنية يؤكّـدُ الصعدي أن النجاحاتِ متواضعةٌ في بعض المجالات ومعدومة في البعض الآخر، مُضيفاً بالقول: “بل إنَّ الخمولَ أخذ يَدُبُّ في جسد الإدارة المدنية إلى الحد الذي يجعلُني أرى أن اللجنة الثورية التي عملت في أقسى الظروف كانت أكثرَ فاعلية وتميزت باليقظة وسرُعة الحركة واجتراح الحلول للعديدِ من المشاكل المعقَّدة التي كانت تنشأ فجأةً.
صحيفة المسيرة