الرئيس المشاط من جبهات القتال.. إمّا سلام مشرف أو مواجهة حاسمة

 

 

اسدل العام 2022 الستار على جملة من التطورات الإقليمية والدولية بيد أن الأزمة اليمنية ما زالت تراوح مكانها منتظرة نية حقيقية من قبل قوى العدوان تجاه الاستجابة لمطالب صنعاء المنطقية بإنهاء العدوان على اليمن ورفع الحصار، إذ شهد منتصف العام الفائت توقيع هدنة لمدة سته أشهر شملت وقف الأعمال القتالية وفتح المجال للجانب الإنساني من خلال فتح مطار صنعاء وإطلاق سراح الأسراء وتسهيل تدفق البضائع باتجاه ميناء الحديدة، وتسليم مرتبات الموظفين، وهو ما دفع قوى العدوان لمحاولة توظيف الملف الإنساني لتحقيق مكاسب وشروط تخص الجانب العسكري والميداني وهو الأمر الذي رفضته صنعاء وأصرت على فصل الملف الإنساني عن الملفات الأخرى واعتباره اختبار عملي لنية قوى العدوان ورغبتها في وقف العدوان والتدخلات في الشأن اليمني..

لقد كانت تجربة الستة أشهر من الهدنة مخيبة لآمال اليمنيين إذ استمرت قوى العدوان في المراوغة وتخلت كليا عن شروط الهدنة التي وافقت عليها في البداية منها تسيير رحلات جوية عبر مطار صنعاء إلى مصر بانتظام مخصصة لنقل المرضى اليمنيين وكذلك تسهيل دخول سفن الغذاء والوقود وعدم احتجازها في البحر، إضافة إلى تعنت دول العدوان ورفضها إطلاق سراح الاسراء ما يؤكد أن أهداف الهدنة بالنسبة لهم يجب أن تكون فقط من طرف صنعاء من خلال الامتناع عن تنفيذ عمليات عسكرية في العمق السعودي..

 

الأزمة الروسية الأوكرانية .. ومساعي تمديد الهدنة

لقد ألقت الحرب الروسية في أوكرانيا  بضلالها على الاقتصاد الغربي إذ تعاني أوروبا أزمة طاقة كبيرة بعدما تعرضت انابيب الغاز الروسية إلى أوروبا لعمليات تخريبية إضافة إلى امتناع روسيا عن توريد الغاز للدول الاوربية التي تدعم كييف بالأسلحة، وهو الأمر الذي تسبب بأزمة طاقة جعلت أوروبا تتجه نحو أسواق المنطقة لتعويض الغاز الروسي لذا كانت الهدنة في اليمن ضرورية لاستقرار أسواق النفط نسبيا في الدول الغربية لأن مواصلة العمليات العسكرية اليمنية باتجاه العمق السعودي وتركزها على البنية التحتية النفطية سيؤدي بدون شك إلى ارتفاع جنوني لأسعار النفط وهو ما لا تقبله أمريكا.. وهذا يفسر لنا الإصرار الأمريكي على تمديد الهدنة رغم تعنتها في الدفع باتجاه تنفيذ شروط الهدنة التي وقع عليها الطرفان..

 

الهدنة أو حرب مدمرة

من أسباب فشل الهدنة أن دول العدوان لا تنظر إليها كغاية في حد ذاتها لإنهاء عدوانهم الغير مبرر على الشعب اليمني وانتهاك السيادة اليمنية، بل ينظرون إليها كمحطة من محطات تحقيق أهدافهم التي شنوا لأجلها عدوانهم العسكري وهذا يفسره التصريحات التي أطلقها سفراء دول العدوان وكذلك المبعوث الأمريكي والتي كانت بمثابة تهديد مبطن لصنعاء بأن البديل عن القبول بتمديد الهدنة حرب مدمرة، وهذه المقاربة ليست سوى دليلا على رغبة أمريكية بتمديد هدنة بنفس الأسلوب التي انتهجته خلال الهدنة السابقة التي انتهت في 2 أكتوبر الفائت بعد أن مددتها صنعاء بجهود الوساطة العمانية لشهرين إضافيين دون تحقيق أي تقدم يذكر.

الرغبة الأمريكية في تمديد الهدنة ليس بهدف وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن الذي تسبب بكارثة إنسانية لامثيل لها على وجه الأرض بل بهدف الهروب من ضغط أزمة الطاقة العالمية وكذلك التحضير للصراع الانتخابي ، ولو كانت أمريكا ترغب في تحقيق سلام في اليمن لما سعت لإجهاض التفاهمات التي حصلت بين صنعاء والرياض وهذا ما صرح به رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط خلال فعالية تدشين مدونة السلوك الوظيفي بأن “الدور الأمريكي خبيث وخطير وهو من لا يريد تجديد الهدنة” مشيرا إلى أن “مشاورات الهدنة كانت قد وصلت إلى مستوى تفاهم جيد إلى أن وصل المبعوث الأمريكي إلى المنطقة وأفشل هذه الجهود”..

 كيانات بديلة

فشل قوى العدوان عسكريا في اليمن وتنامي التطور العسكري لصنعاء لدرجة فرض معادلة اشتباك جديدة استطاعت من خلالها هز كيانات البترودولار وهددت فعليا المصالح الأمريكية في المنطقة وهو الأمر الذي شكل تحديا كبيرا لقوى العدوان فلا هي استطاعت مواصلة عدوانها بنفس الخطة التي ارادت، ولا هي استطاعت الخروج من المأزق اليمني ولو بالحد الأدنى من أهداف عدوان الذي أنفق عليه المليارات من الدولارات وحركت من أجله دولاً بأكملها في مواجهة ما يصفوه بجماعة وليست دولة..

وكمحاولة لإيجاد مخرج مقبول ذهبت قوى العدوان خاصة النظامين الإماراتي والسعودي بالاتجاه لتصوير العدوان على اليمن بأنها حرب أهلية يمينة وتقديم أنفسهم كوسطاء ولتحقيق هذا المعادلة اتجه النظامان لتأسيس كيانات متناقضة وكل كيان موكل بدولة معينة فبينما يتبع فصيل “الانتقالي” وجزء من الدواعش والجماعات التكفيرية إضافة لطارق عفاش وأدواته لدويلة الإمارات اتجهت السعودية لتأسيس كيان خاص بها عبارة عن بقايا حزب الاصلاح وهذه الاستراتيجية التي تتبعها دول العدوان في محاولة تصوير الصراع الحاصل على أنه شأن يمني محلي، وهذا ما أشار إليه تقرير نشره مركز مالكوم كير ـ كارنيغي بأن أبو ظبي والرياض سعت لإنشاء هذه الكيانات لتصوير نفسها خارج حلبة الصراع وفي محاولة لنسيان ما حدث خلال السبع سنوات الماضية من قصف جوي وبحرب وغزو بري ….إلخ وهذا يفسره ـ حسب ما يذهب إليه التقرير المشار إليه آنفا ـ سعي النظام السعودي للتركيز على وقف الهجمات اليمنية على الأراضي السعودية فقط..

غير أن هذا المنحى لا يبرر عجز النظام السعودي عن تحقيق أي هدف على الأراضي اليمنية وبالتالي فإن تخليه عن المرتزقة والجماعات التي مولها منذ منتصف القرن الماضي بات شرطاً من شروطا صنعاء لوقف الهجمات على الداخل السعودي فصنعاء اليوم لم تعد صنعاء الأمس التي يغيرها الفتات فصنعاء اليوم باتت تمتلك قوة عسكرية رادعة عجزت عن مواجهتها أحدث الترسانة الامريكية..

مصير الهدنة..

انتهت الهدنة فعليا وبقيت محاولة دول العدوان في المراوغة والمرواحة في ذات اللامبالاة فلا هي صرفت مرتبات موظفي الجمهورية من النفط والغاز الذي تنهبه، ولا هي رفعت الحصار الجوي والبحري عن اليمن، لذا كان أمام صنعاء خيار وحيد هو الخيار العسكري  لوقف نهب النفط اليمني الذي تنهبه دول العدوان مستغلة الهدنة وتحويل عوائده إلى بنوك أبو ظبي والرياض، وهذا الأمر كان من الصعب على صنعاء أن تقف متفرجة لناقلات النفط العملاقة وهي تنهب النفط من الشواطئ اليمنية في وقت يطالبها موظفي الجمهورية بدفع مرتباتهم المتوقفة منذ نقل العدوان البنك من صنعاء إلى عدن.

لقد اكدت صنعاء عبر المجلس السياسي الأعلى باعتباره أعلى سلطة ممثل للشعب اليمني عن رفضه لاستمرار حالة اللا سلم واللا حرب لأن بقاء الحصار ونهب الثروة اليمنية دون رادع يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الشعب اليمني وكرامته..

 صنعاء ترد على تحشيد دول العدوان

وكمؤشرات جديدة من مؤشرات تعنت قوى العدوان هو  تحشيدها العسكري في المناطق الجنوبية فإلى جانب التحشيدات العسكرية للمرتزقة فإن وفود أمريكية وفرنسية وبريطانية تقوم بزيارات متكررة لمحافظات جنوبية منها عدن وحضرموت وشبوه إضافة إلى لقاءات عسكرية أمريكية بقيادات المرتزقة ، كذلك الدعم العسكري المتواصل لفصائل المرتزقة وإنشاء الوية جديدة وتنفيذ دورات تدريبية، والأهم من ذلك هو سعي قوى العدوان لإنشاء قواعد عسكرية في مناطق عديدة في المحافظات الجنوبية المحتلة إضافة إلى عسكرة البحر الأحمر، وتوقيع اتفاقيات مع مرتزقتهم لنهب حقول النفط لشركات وهمية تابعة لهم.. هذا على المستوى المحلي.

أما على المستوى الدولي والإقليمي لقوى العدوان فقد نفذ وزير الخارجية الأمريكي زيارات متكررة للمنطقة منها زيارات سرية للسعودية إضافة إلى قيام وزير الداخلية السعودية بزيارة تركيا والجزائر والدفع بمصر لتبني مهمة أمن البحر الأحمر وهو ما يؤكد نوايا قوى العدوان وهذه التحركات المتسارعة تأتي بعد انتهاء موسم كأس العالم في قطر.

أيضا استضافت الرياض قمة عربية صينية تأتي بعد لقاءات سعودية صينية وأنباء عن توقيع النظام السعودي صفقة شراء مسيرات صينية ونظام دفاع جوي موجه ضد الطيران المسير وسبق واشترى النظام الإماراتي نظام دفاعي صهيوني مخصص  لمواجهة الطائرات المسيرة..

وأمام هذا النشاط العدوان كان ظهور رئيس المجلس السياسي الأعلى بمعية قيادات عسكرية رفيعة في جبهات عسكرية في المحافظات الجنوبية منها جبهة الحشا بالضالع وجبهة كرش بلحج إضافة إلى مدينة تعز وجبهة البرح خلال زيارة تفقدية قام بها والذي اعتبره البعض بمثابة رسالة عسكرية لقوى العدوان أن صنعاء تراقب تحركاتكم وتحسب لها الف حساب ..

المؤشرات الحالية تؤكد أن قوى العدوان ستحاول الضغط سياسيا وعسكريا على صنعاء للقبول بتنازلات لتمديد الهدنة واغراقها في مسلسل دموي مشابه للصراع الليبي وهذا ما لا يمكن أن تقبله صنعاء مهما كان الثمن وقد أكد الرئيس المشاط خلال جولته الأخيرة إلى الجبهات المذكورة أن العدو ما زال يتربص ويحيك المؤامرات.. قائلاً: نحن ننتظر عودة الحرب في أي وقت وجاهزون لها..

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا