البُن الريمي.. صراعٌ من أجل البقاء!

||صحافة||

على ارتفاع 2900 متر عن مستوى سطح البحر، تربعت شجرة البن في جبال محافظة ريمة، لتكسوها خضرة دائمة، تتدلى منها درراً ثمينة، تعانقها السحاب وتقبلها السماء، لتجود بأنواع القهوة اليمنية.

قصة عشق أبدي بين جبال ووديان ريمة، وشجرة البن، لها تاريخ طويل، تحكيه قصص الآباء، وترويه حكاية الأجداد، عن شجرة البن في محافظة ريمة، التي أصبحت اليوم تصارع؛ مِن أجل البقاء.

مزارعون لا يكسبون ثمن جهدهم وعرقهم، رغم أن محافظة ريمة هي الثانية في إنتاج البن بعد محافظة صنعاء، وفقاً لكتاب الإحصاء الزراعي لسنة 2020م، حَيثُ بلغت كمية الإنتاج أكثر من 4000 طن.

وتدور هنا العديد من الأسئلة: لماذا تدنى سعر البن الريمي رغم جودته وبيئته المناسبة، وَما هو دور مكتب الزراعة بالمحافظة؟

أين دور الجمعيات التعاونية، وماذا عن دور وحدة البن باللجنة الزراعية والسمكية العليا؟

 

معاملات الحصاد

المزارع صادق منصور عباس – من مديرية الجعفرية يقول: إن زراعة البن في ريمة لها مئات السنين -لا يستطيع أن يحدّد تاريخه-، حَيثُ يوجد خشبة بن في منزلهم القديم في منطقة بني سعيد يزيد عمر هذا المنزل عن 300 عام من سمك الخشبة وهي لا تقل أَيْـضاً عن 100 سنة، موضحًا أنه يعمل بين البن منذ طفولته، وقد اكتسب الخبرة من والده، والذي توارثها عن جده، مؤكّـداً أن البن هو مصدر رزقهم، ويعتمدون عليه.

ويشير صادق إلى أن عملية القطف تتم بالأيادي عندما تكون ناضجة قبل الحصاد ويتم تجفيفها في أسطح المنازل، ثم تتم عمليات تقليب التربة وتسميدها بالسماد البلدي المحضر من مخلفات المواشي.

ويواصل قائلاً: كنا سابقًا نحصل على أكثر من 400 كيلو جرام بن وَعندما كانت الأمطار منتظمة النزول في المواسم وكنا نجني ثلاث مرات صيفي، وشتوي، وخريفي، مؤكّـداً أنهم الآن لا يصل المحصول إلى 300 كيلو في أحسن الأحوال، والسبب هو التغير في المواسم وقلة كمية الأمطار، بحيث أصبح الجني مرة واحدة في السنة، لافتاً إلى أن بعض الأشجار تنتج في السنتين مرة واحدة؛ بسَببِ قلة الأمطار، وعدم وجود خزانات أَو حواجز مائية.

ويشير إلى أن سعر الكيلو البن كان يباع بـ 1700 ريال، وبعدما تدخلت الدولة ارتفعت إلى 2400 ريال، مؤكّـداً عدم تعاون ودعم وتشجيع وعدم وجود توعية وإرشاد من قبل مكتب الزراعة، وَأن مزارعي البن في الجعفرية يعانون من شحة المياه، نظراً لقلة الأمطار، وانتشار الحشرات التي تضر بالأزهار وغياب التسويق والرقابة على التجار، حَيثُ يوجد في سوق علوجه اثنين تجار فقط يتحكمون بالأسعار، كذلك غياب التوعية والإرشاد بالطرق الصحيحة لعمليات القطف والتجفيف.

 

أُسلُـوب التجار

من جانبه يشير المزارع أحمد غالب الواقدي من أبناء مديرية الجعفرية بمحافظة ريمة إلى أنواع البن الريمي من حَيثُ الموسم، مؤكّـداً أنها ثلاثة أنواع، الأول صيفي وهو أجود أنواع البن، ويتم جنيه في نهاية شهر 6 إلى آخر شهر 7، والثاني خريفي ويتم جنيه في شهري 8 و9، ويأتي في الدرجة الثانية من حَيثُ الجودة، أما النوع الثالث فهو شتوي ويتم قطفه خلال أشهر الربيع وهو أقل جودة من النوعين السابقين.

ويقول المزارع غالب إن سعر البن في أحسن الأحوال 2500 ريال إذَا كان عامي يعني مخزون لفترة لا تقل عن سنة، وأقل سعر مع البورة وخَاصَّةً الشتوي 1800 إلى 2000 وبالذات لما يكون جديد، مؤكّـداً أن أسباب تدني أسعار البن الريمي يرجع إلى أُسلُـوب التجار، حَيثُ يتم شراء الكيلو البن الشاقح (الجاف) والذي ناقص شقاح بنفس السعر، وهو ما دفع المزارعين إلى الإسراع في بيع البن قبل أن يجف، موضحًا أن مزارعي البن ينقصهم التوعية والإرشاد، وتوفير المبيدات.

ويذكر الواقدي أهم المشاكل الرئيسية التي يعاني منها أغلب مزارعي البن، وهي عدم توفر مياه الري وخُصُوصاً في موسم الفشع شباط وأذار، بالإضافة إلى عجزهم عن استصلاح الأراضي الزراعية التي يزرع فيها البن؛ لأَنَّ بناء وتشييد المدرجات مكلف جِـدًّا.

بدوره محمد داوود الوليدي من أبناء مديرية الجعفرية والذي يعمل في شراء البن من المزارعين وبيعها من التجار في صنعاء، يقول إن جودة البن في ريمة تختلف من منطقةٍ إلى أُخرى، مؤكّـداً أن جودة البن الريمي تنافس جودة البن الحرازي والمطري، لكن تجار الجملة في صنعاء يبخسون الثمن عندما يعرفون أنه من ريمة.

ويشير الوليدي إلى أنه يشتري البن من المزارعين بحسب جودته، وطريقة القطف، نافياً ما قيل إن التجار يشترون البن بسعر واحد سواء البن الطري أَو الجاف.

 

دور الجمعيات

وعلى صعيدٍ متصل يقول رئيس جمعية الجعفرية لمنتجي البن، أحمد حيدر غالب: إن الجمعية حديثة النشأة، ولا تزال في مرحلة التأسيس، مؤكّـداً أن الجمعية لديها خطط وبرامج إرشادية وتوعوية وتنموية وتسويقية ستعمل على تنفيذها قريباً.

ويوضح أن مزارعي البن في ريمة يحتاجون إلى تشجيع وتعاون معهم بما يضمن التوسع وتحسين جودة البن، مؤكّـداً أن سبب رخص أسعار البن الريمي هي:

– تعرض البن للجفاف؛ بسَببِ قلة الأمطار وعدم وجود خزانات وسدود للمياه، حَيثُ يعتمد المزارعون على مياه الأمطار.

– الممارسات الزراعية الخاطئة؛ بسَببِ قلة التوعية والإرشاد.

– تعرض المنتج للآفات الزراعية.

– غياب السياسة التسويقية، حَيثُ يتم الشراء بسعر واحد سواءً المنتج ذي الجودة العالية، أَو الجودة الأقل، وهو ما يجعل المزارع لا يهتم بمعاملات ما قبل وما بعد الحصاد كون السعر واحدا.

– عدم تسويق البن الريمي باسم المنطقة أسوة بالبن الحرازي أَو الفضلي، أَو الصعفاني أَو الخولاني.

ويطالب رئيس جمعية الجعفرية بتفعيل الدور الرقابي على المنتج الرديء، وإيجاد سوق خاص بالبن الريمي، ومكافحة الآفات الزراعية، وتقديم الإرشادات الزراعية للمزارعين.

 

تجار الجملة

وفي السياق يشير هاني نزار وهو تاجر بن في صنعاء، إلى أن أسباب تدني سعر البن الريمي يعود إلى التدني في جودته؛ بسَببِ الطرق الخاطئة في عمليات قطف وتجفيف البن هو ما يفقده جودته، مبينًا أن سعر الكيلو من البن الريمي 2500ريال، مُشيراً إلى أن البن الريمي لا يصدَّر للخارج إلا كميات قليلة جِـدًّا، نافياً أن التجار يشترون البن الريمي بسعر واحد سواءً المنتج ذي الجودة العالية، أَو الجودة الأقل.

أما الأخ فاضل القطوي – مزارع وتاجر بن من أبناء مديرية الجبين فيقول: إن البن الريمي لا يقل جودة عن البن الحرازي أَو غيره، مُشيراً إلى وَجود عدة عوامل تؤثر على جودة البن منها ما يتعلق بمزارعي ومنتجي البن ومنها ما يتعلق بالتجار.

 

ويوضح العوامل المتعلقة بالتسويق وهي:-

1- عدم وجود جمعيات زراعية تعمل على تسويق المحصول.

2- عدم وجود وكالات أَو شركات استثمارية لشراء وتصدير البن بالمحافظة.

3- معظم التجار يقومون ببيع البن في صنعاء ويضطرون للبيع بأي سعر لعدم توفر مكان لتخزين البن وكثر المصرفات.

ومن العوامل المتعلقة بمزارعي ومنتجي البن كالآتي:-

1- عدم وجود ثقافة زراعية لدى معظم المزارعين نتيجة الغياب التام لدور الجهات الرسمية وغير الرسمية سواء كان مكتب زراعة أَو جمعيات.

2- عدم اتباع معظم المزارعين للعملية الصحيحة عند جني المحصول أَو نقله أَو تجفيفه.

3- ممارسة بعض المزارعين لعملية الغش وبيع البن قبل تجفيفه بالشكل المناسب.

4- حالة الفقر تدفع بعض المزارعين إلى جني المحصول قبل نضوجه.

أما التاجر أحمد علي الحوري وهو من كبار تجار البن من أبناء محافظة ريمة، فيقول إن البن الريمي لا يقل جودة عن بقية أنواع البن اليمني، لكن؛ بسَببِ الممارسات الخاطئة من قبل المزارعين وعدم تجفيفه بالطرق الصحيحة هو ما يفقد البن الريمي جودته، مُضيفاً أن مزارعي البن الريمي يحتاجون إلى توعية وإرشاد حول الطرق والممارسات الصحيحة لعملية قطف وجني وتجفيف البن.

ويوضح أن سعر الكيلو البن الريمي ما بين 2200 إلى 2600 ريال ولا يقل عن سعر البن الحرازي الذي متوسط سعر الكيلو ما بين 2700 إلى 3000 ريال، مؤكّـداً أن البن الريمي يباع في خارج اليمن باسم البن اليمني أَو الحرازي، نافياً ما يتم الترويج له بأن التجار يبخسون المزارعين ويستغلونهم، ولا أَسَاس له من الصحة.

ويطالب الحوري الجهات المعنية بمحاربة تهريب البن الخارجي ومصادرة أية كمية تتواجد في المحلات أَو البقالات أَو السوبرات، مُشيراً إلى أن البن الخارجي هو سبب تدني أسعار البن اليمني بشكلٍ عام.

 

مركَزُ أبحاث البن

الدكتور أحمد المعلم، مدير المركز الوطني لأبحاث البن، من جانبه يشير إلى أن البن اليمني كان كله بمستوى جودة البن الريمي، مؤكّـداً أن البن الريمي كان يمثل النسبة الأعلى في أشهر ماركة تداولتها اليمن في الأسواق الخارجية، منوِّهًا إلى أن إستار بكس تتعامل مع هذه الماركة منذ عشرات السنين وهو البن الصنعاني الذي لا يزال يباع بهذه الماركة حتى الآن في الأسواق الأمريكية.

ويوضح الدكتور المعلم أنه خلال العشرين عاماً الماضية تم التركيز على البن القريب من صنعاء من قبل الجهات العاملة في مجال دعم محصول البن وهو ما أحدث تغييرا إيجابيا جوهريا لصالح مختلف البن القريب من صنعاء وفي تعز وفي المحافظات الجنوبية، منوِّهًا إلى أنه لم يكن هناك في السابق ما يعرف اليوم بالبن المتخصص الذي تم الوصول إليه في كثير من المناطق ما عدا ريمة.

ويشير إلى أن البن الريمي إلى اليوم لا يزال بناً تقليدياً، وأنه إذَا ما تم الاهتمام به ووصول التقنيات الحديثة لتتبع سلاسل القيمة فيه سيكون بُنًّا متخصصا، موضحًا أن مزارعي ريمة لا يزالون إلى اليوم يتعاملون بالطرق التقليدية لتجفيف البن، ولا يهتمون بالحصاد للثمار الناضجة، بل إن الغالبية العظمى تحصد البن في أطوار ناضجة وغير ناضجة، وهذا يؤثر تماماً على مستوى جودته، لافتاً إلى أن هناك نماذجَ من المزارعين تمكّنوا من الوصول إلى مستويات راقية من البن عندما اتبعوا سلاسل القيمة الجيدة وأجادوا معاملات ما بعد الحصاد.

ويضيف أن من ضمن الأسباب تفاوت النسب بين الأنماط الوراثية فهناك نسبة عالية في البن الريمي لصالح البن التفاحي، ومن المعروف أن البن التفاحي يثمر على مدار العام وهذه ميزة تجهد الشجرة وتقلل من جودة البن، وكذلك استغلال التجار الذين لا يزالون يتعاملون مع البن الريمي كالسابق بالرغم من تحسن جودة البن الريمي في السنوات الأخيرة، وهذا استغلال ظالم لجهود وعرق المزارعين، والدليل أن البن الريمي لا يوجد في السوق وإنما يخلطه التجار مع البن الممتاز ويسمونه باسم البن الممتاز، إما حرازي أَو حيمي أَو مطري.

ويشير رئيس المركز الوطني لأبحاث البن إلى أن رفع سعر البن الريمي يتطلب قيام مزارعي ريمة أَو جمعياتها ببيع منتجها إلى تجار من ريمة باسم البن الريمي وهذه حماية لنفسها من استغلال التجار، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي بين المزارعين وأن يلتزموا باتِّخاذ كُـلّ الممارسات التي يتبعها المزارعون في مناطق رائدة وسيصبح البن الريمي ماركة عالمية بإذن الله تعالى.

 

وحدة تسويق للبن

وفي سياق الموضوع يشير مدير مكتب الزراعة بمحافظة ريمة المهندس إبراهيم التكروري، إلى أن المكتب قام بإنشاء مدارس حقلية إرشادية لتوعية وإرشاد مزارعي البن بالممارسات الصحيحة لمحصول البن، بالإضافة إلى النزول الميداني والمتكرّر إلى أسواق بيع البن وضبط التجار الذين يقومون بشراء المنتج قبل الاستواء.

ويضيف التكروري أنه تم تعيين وحدة تسويق رسمية تتعامل مع التاجر المحلي على مستوى المديرية والعزلة، وتم وضع خطة موحدة للتسويق تقضي بأن يكون التسويق عن طريق ثلاثة تجار فقط؛ بهَدفِ سهولة التعامل مع جهة واحدة، مؤكّـداً أن الإنتاج والسعر تحسن قليلًا، منوِّهًا إلى أن محافظة ريمة تختلف عن بقية المحافظات فلها ثمانية مخارج غربية وشرقية وهو ما أعاق ضبط بيع البن، حَيثُ يتم إخراج البن من عدة منافذ، وَأن وحدة التسويق حديثة النشأة وهي بحاجة إلى ترتيب حقيقي يضمن المساواة والعدالة بين كُـلّ المنتجين وضبط الجودة وتحديد آلية التسويق الداخلية.

ويوضح مدير عام الزراعة بمحافظة ريمة أن الصعوبات التي تواجه محصول البن في ريمة هي احتكار تجار البن من أبناء المحافظة وَعدم وجود منافسة عادلة بينهم، ولا يوجد منافس لهؤلاء التجار من خارج المحافظة، وعدم قدرة المكتب أَو الجمعيات الدخول كمنافس لهؤلاء التجار لعدم توفر السيولة المالية.

ويقول التكروري إنهم في المكتب يعملون حَـاليًّا على بناء قدرات المجتمع والمتخصصين في دعم وتوعية المزارعين بالممارسات والمعاملات الزراعية الصحيحة، داعياً وسائل الإعلام للقيام بدور التوعية بأهميّة شجرة البن وضرورة تنميتها والحفاظ عليها، وتوعية المزارع باتباع الطرق الصحيحة وعدم الغش الذي يضر بجودة وسمعة البن الريمي.

 

دور وحدة البن

رئيسُ وحدة البن في اللجنة الزراعية والسمكية العليا، محمد القاسمي، يوضح أن دورهم في الوحدة هو توعية وتأهيل المزارعين بالأساليب والطرق الحديثة للمعاملات الحقلية ومعاملات ما قبل وما بعد الحصاد؛ بهَدفِ إنتاج محاصيلهم بجودة عالية، وكذلك حث التجار على الالتزام بمعايير الجودة عند الشراء وتحديد السعر.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا