المفاوضات.. فرصةُ نظام الرياض أم نكبته؟
موقع أنصار الله ||مقالات ||منير الشامي
من الواضح أن النظام السعوديّ هذه الأيّام يعيش في حالةٍ أشبه ما تكون بحالة انفصام في شخصيته السياسية فهو من جهةٍ بات مقتنعاً تماماً بفشل الخيار العسكري الذي فرضه النظام الأمريكي عليه وأجبره على تنفيذه، وأنه الخاسر الأكبر في حال عودة الحرب إلى الاشتعال كما أنه أصبح يعي فعلاً أن الخيار الأفضل لخروجه من مستنقع الحرب على اليمن الذي غرق فيه لسنوات خلت لن يتحقّق إلا من خلال التفاوض المباشر مع سلطة صنعاء؛ ولذلك تحَرّك في هذا المسار خلال الشهور القليلة الماضية ودخل في مفاوضات بدت عليها الجدية نوعاً ما مع وفدنا الوطني وبرعاية عُمانية.
ومن جهةٍ ثانية فهو يرى نفسه عاجزاً عن تحرير نفسه من عباءة الغطرسة الأمريكية ليمتلك حريته في اتِّخاذ القرار المناسب للخروج من مستنقع الحرب على اليمن فهو واقع تحت تأثير قوتين متضادتين في الاتّجاه ومختلفتين في المقدار، القوة الأولى دوافعه لتحقيق مصلحته المتمثلة بوقف الحرب العدوانية وإخراج نفسه من مستنقعها، والقوة الثانية وتأثيرها أكبر من الأولى وتتمثل بقوة الضغوط الأمريكية والبريطانية عليه؛ بسَببِ تبعيته وخضوعه لسندان غطرستهما المتحكمة في قراره فهو يريد الخروج بماء الوجه لكنه لا يستطيع ذلك إلا بموافقة مسبقة من الأمريكي والبريطاني وهؤلاء مصالحهم في استمرار الحرب على اليمن ويريدون استمرارها، فوقفها يعني خسارتها للمليارات التي يجنياها من بيع أسلحتهم للسعوديّة وإيجار تكنولوجياتهم العسكرية البحرية والفنية والجوية، إضافةً إلى أن وقف العدوان يعني لهما عدم تحقّق الهدف المحوري من العدوان والمتمثل بأهداف المشروع الغربي الصهيوأمريكي في اليمن وفي المنطقة ونسف كُـلّ ما تم تنفيذه منها، وهذا هو السبب الرئيسي الذي حال دون الوصول إلى اتّفاق بين الطرفين المتفاوضين برعاية وفد سلطنة عمان الشقيقة، فأمريكا وبريطانيا تريدان التوافق بين الوفدين على إنصاف حلول لا على حلول كاملة ولذلك نشاهد أنه كلما حقّق الوسيط العماني خطوة نحو التقارب في الرؤى بين الطرفين تحَرّك الأمريكي والبريطاني بسندان غطرستهما لإرجاع مسار التفاوض خطوتين إلى الوراء.
وفي ظل هذا المناخ المتذبذب في أجواء المفاوضات يبدو أن العودة إلى مربع المواجهات العسكرية أقرب منه إلى الوصول إلى اتّفاق حقيقي لوقف العدوان أَو حتى لتمديد الهُدنة والدخول في هدنة جديدة، استمرار هذا المناخ يستنفد صبر قيادة صنعاء التي تملك قرارها وتملك الشجاعة الكاملة لتنفيذه، ومستعده لخوضه؛ لأَنَّها لن تقبل البقاء في هذا الحال من اللا سلم واللا حرب أكثر مما مضى وَإذَا ما اتخذت قرارها فلن تتراجع عنه حتى النهاية وإن تراجعت بعد اشتعالها فلن توقفها إلا بتنفيذ مسبق لجميع شروطها لسلامٍ دائم وفوري، ووقف الحرب في الحالتين السابقتين ليس إلا استسلاماً وإعلان هزيمة أمام العالم، وهو ما تهربت السعوديّة منه إلى المفاوضات الأمر الذي يجعلها بين خيارين أحدهما أثمن وأعظم فرصة تفتح أمامها إذَا استغلتها ستستعيد حريتها وعزتها وكرامتها واستقلال قرارها وامتلاك حرية قرارها ويتطلب أن تمتلك الشجاعة وتتخذ قرارها بحزمٍ وعزم وتوقع على اتّفاق يضمن خروجها بماء الوجه بعيدًا عن الإملاءات الأمريكية البريطانية.
أما الثاني ففيه نكبتها الأخيرة بأن تظل تراوغ تنفيذاً لإملاءات أسيادها حتى ترى قصف صنعاء لمنشآتها يستأنف نشاطه بوتيرةٍ لم تعهدها.. والخيار لها فماذا ستختار الفرصة أم النكبة.