الصراعُ العربي الإسرائيلي بين الخيانة وأمريكا.. هل من نهاية؟
موقع أنصار الله ||مقالات||حسام باشا
لم يَكُن صراعُ الأُمَّــة الإسلامية والعربية مع الصهيونية، على مدى 7 عقود، مُجَـرّد نزاع سياسي أَو جغرافي، بل كان صراعًا حضاريًّا وإنسانيًّا، يتجاوز زمانه ومكانه، يمس أعمق ما في الإنسان العربي المسلم من دين وأخلاق وإنسانية.
ففي هذا الصراع، تتصارع قوى الحق والباطل في مواجهة تاريخية وحاسمة، قوامها أرض وشعب فلسطين، المسلوب حقه في أرضه وسيادته، المنهوب مقدساته وثرواته، المضطهد شعبه، بفعل الغزو والتهجير والاحتلال الصهيوني.
لا شك أن أمريكا هي القوة الداعمة والمؤسّسة لإسرائيل منذ ظهورها على خارطة العالم وحتى الآن، فهي أول دولة اعترفت بهذا الكيان بعد ساعات قليلة من إعلانه عام 1948م، وهو الإعلان الذي جاء نتيجة لمخطّط صهيوني استعماري يهدف إلى بناء “وطن قومي لليهود” على حساب شعب عربي أصيل، وهي التي وقفت إلى جانب العدوّ الإسرائيلي في مشروع التقسيم الذي نزع من فلسطين 56 % من أرضها لصالح المستوطنات الصهيونية عام 1947م وهي التي مدت إسرائيل بالأسلحة والدعم السياسي والاستخبارات في كُـلّ حروبها ضد الأُمَّــة وجرائمها بحق أهلنا في فلسطين.
ولم تكتفِ أمريكا، طوال 75 عاماً من النكبة، بدور المساندة والتأييد فحسب، بل شاركت في العدوان على فلسطين والأمة الإسلامية والعربية، فهي التي قادت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وهي التي أصدرت الأوامر بالهجوم على مصر وسوريا عام 1967م، وهي التي منحت إسرائيل الضوء الأخضر لغزو لبنان عام 1982م، وهي التي تحمي “إسرائيل” من الإدانة والعقوبات في مجلس الأمن بالفيتو المتكرّر.
ولكن لماذا تفعل أمريكا ذلك؟ ما هي المصلحة التي تربطها بهذه الكيان المحتلّ؟ ما هو المبرّر الذي يجعلها تعادي شعوب المنطقة العربية والإسلامية؛ مِن أجل إسرائيل؟ هذه هي التساؤلات التي يجب أن نطرحها على أنفسنا، خُصُوصاً بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارته الأخيرة لتل أبيب عن ولاءه الأعمى للكيان الصهيوني، قائلاً بصراحة: “لو لم تكن إسرائيل موجودة لخلقناها من العدم”.
فهل هو حب للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، كما تدعي واشنطن؟ بالتأكيد لا، فإسرائيل وأمريكا تتشاركان في ازدراء هذه المبادئ، وتخالفانها يوماً بعد يوم، ففي فلسطين تمارس إسرائيل سياسات القتل والاعتقال والتهجير والحصار والاستيلاء على الأرض والماء والثروات، وتفرض نظام الأبارتهايد (التمييز العنصري) على الفلسطينيين سواءً في الضفة الغربية أَو قطاع غزة أَو داخل ما يسمى الخط الأخضر، وتنفذ سياسة التهويد والتزوير للحقائق التاريخية والدينية في القدس المحتلّة، وتحاول تغير معالمها وهُــوِيَّتها.
إذاً، ما هو المحرك الحقيقي لهذه التضامن؟
الجواب ليس سهلاً، بل يشمل مجموعة من العوامل المختلفة والمتشابكة، التي تجعل من إسرائيل شريكاً استراتيجياً لأمريكا في المنطقة، فإسرائيل هي عين أمريكا المفتوحة على مصالحها في المنطقة، وأذنها المستمعة إلى المعلومات الأمنية والاستخبارية والتجسسية عن الأوضاع في الدول الإسلامية والعربية، وذراعها الممدودة لتعزيز نفوذها وتحقيق أغراضها، سواءً بالتدخل العسكري أَو بالضغط الدبلوماسي، وحتى بالمشاركة في معاهدات التطبيع، كما أن إسرائيل هي أغلى زبون للأسلحة والتكنولوجيا الأميركية، وأولى مستفيد من المساعدات المالية والعسكرية التي يصادق عليها الكونغرس الأميركي بمقتضى قانون تفويض الدفاع.
ولكن هذه العوامل لا تكفي لشرح حجم وقوة التضامن الأمريكي مع إسرائيل، فهناك عامل آخر أكثر خطورة وأقل ظهورًا يلعب دورًا حاسمًا في تحديد موقف أمريكا من إسرائيل، وهو عامل اللوبيات الصهيونية التي تهيمن على مفاصل السلطة في أمريكا، فهذه اللوبيات تستغل نفوذها في البيت الأبيض، والكونغرس، والبنتاغون، والسي آي أيه، والإف بي آي، والسي إن إن، وغيرها من المؤسّسات الهامة لخدمة مصالحها الصهيونية، مما يجعل من أمريكا أدَاة طائعة لتنفيذ سياساتها الاستعمارية ضد حقوق وأرض الشعب الفلسطيني وكرامة وسيادة الأُمَّــة الإسلامية والعربية.
أمام هذه المؤامرات المتلاحمة ضد قضية فلسطين، والدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني، كان من المفترض أن تكون الأُمَّــة العربية والإسلامية صفاً واحداً في دعم فلسطين، التي هي قضية الأُمَّــة كلها، ولكن ما حصل هو عكس ذلك تماماً، فقد وجدت الأُمَّــة نفسها محاصرة بحكام خانوا قضية فلسطين، وحاربوها بكل ما أوتوا من قوة، بدلاً من أن يقفوا إلى جانبها بجدية وإخلاص، فهؤلاء الحكام انسلخوا عن انتمائهم للإسلام وعن هُــوِيَّتهم وجذروهم التاريخية، منذ خضعوا لإرادَة أمريكا، وقاموا بتطبيع علاقاتهم مع العدوّ الإسرائيلي في خيانة فجة لحقوق الشعب الفلسطيني.
ولعل أبرز مظاهر هذه الخيانة هي سلسلة المعاهدات التي تم توقيعها بين بعض الدول العربية والكيان الإسرائيلي، ابتداءً من معاهدات كامب دافيد بين مصر وإسرائيل عام 1979م، مُرورًا باتّفاقية أسلوا عام 1993م الذي وقعته منظمة التحرير مع إسرائيل، وُصُـولاً إلى معاهدة وادي عربة بين الأردن والكيان عام 1994م، وانتهاءً وليس آخراً بمعاهدات إبراهام بين الإمارات والبحرين والسودان والمغرب وإسرائيل عام 2020م.
كما يتجلى هذا الخِذلانُ في موقف المؤسّسات والمنظمات العربية والإسلامية عن دعم قضية فلسطين، مثل: جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، لم تظهر أيٌّ منهما أيَّ تضامن أَو تآزر أَو فعالية تجاه مصالح الأُمَّــة والتحديات التي تواجهها.
إن هذا الصراع سيرحل على طول التاريخ، فالحق سيرجى على رؤوس المظالم، والعدل سيرفع رأسه عاليًا، والتحرير سينتصر على الاحتلال، فلا يمكن أن يكون هناك سلام مع من اغتصب أرضنا، ولا يمكن أن نقبل بالذل والهوان، ففلسطين هي أرضنا، وشعبها هو شعبنا، وقضيتها هي قضيتنا.