شهر رمضان المبارك: فرصة للعودة الجادة إلى الله والانفتاح على هديه
يأتي شهر رمضان المبارك كل عام ليكون محطة إيمانية وروحية وفرصةٌ مهمةٌ وعظيمةٌ في اكتساب الأجر والثواب، وفي الارتقاء التربوي، والروحي، والأخلاقي، والإيماني بشكلٍ عام، وفي التزود بالتقوى، وفرصةٌ عظيمةٌ للدعاء، ولذكر الله “سبحانه وتعالى”، وفرصةٌ عظيمةٌ ومهمةٌ لتقوية الروابط مع القرآن الكريم، وتعزيز العلاقة معه؛ لاكتساب الهداية، واكتساب الوعي، في مرحلةٍ الأمة الإسلامية فيها في أمسِّ الحاجة إلى الوعي، وإلى الهداية.
وهو شهر عظيم يجد المسلمون فيه الفرصة للعودة إلى الله والانفتاح على هديه بقلب صادق وإرادة قوية. إنه الشهر الذي يُعلي من قيم التقوى والصبر والتكافل، ويُعيد ترتيب الأولويات الروحية والأخلاقية في حياة الفرد والمجتمع.
في رمضان، تتجلى مظاهر العبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى من خلال الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وكذلك من خلال الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين. إنها لحظات تزكية للنفس وتطهير للقلب من شوائب الحياة الدنيوية، وفرصة للمسلمين ليعيشوا تجربة الإيمان العميقة ويشعروا بالتواصل الروحي مع خالقهم.
يُعد شهر رمضان أيضاً وقتاً للتأمل وللتفكير في معاني الحياة والغاية من وجودنا، وتجديد العزم على اتباع هدى الله والسير على نهجه القويم.
لنستغل الفرصة الربانية
نحن نعيش كأمة مسلمة في زمن مليء بالتحديات، ومليء بالصعوبات، زمن ساخن في كل شيء، زمن السرعة، زمن الضغط في كل شيء، الزمن الذي يضغط في واقع الحياة بشكلٍ كبير، الاغراءات، المخاوف، الأوجاع، الهموم… مشاكل كثيرة تترك تأثيرها ابتداءً على نفس الإنسان، وأمام هذه الضغوطات تحتاج النفس البشرية إلى أن تبقى زاكية، أن تبقى مطمئنة، أن تبقى قوية، أن تبقى متحمِّلة، أن تبقى متوازنة، تحتاج إلى مشاعر القرب من الله “سبحانه وتعالى”، الاتصال الروحي بالله “جلَّ شأنه”، ولذلك؛ مقامات الأنس بالنسبة للمؤمنين في خلواتهم بالذكر لله “سبحانه وتعالى”، في صلواتهم، في مناجاتهم، في أدعيتهم، في ذكرهم لله “سبحانه وتعالى”، هي المقامات التي يعيشون فيها أسعد اللحظات ، اللحظة التي يجلس فيها الإنسان المؤمن مناجياً لله “سبحانه وتعالى”، في مقام العبادة لله، في مقام الصلاة، في مقام الدعاء، في مقام الذكر، في مقام التضرع، مقبلاً إلى الله “سبحانه وتعالى”، بوجدانه، وشعوره، ولسانه، يناجي الله، يطلب منه المغفرة، يعتذر إليه من الزلات، والمعاصي، والذنوب، ويطلب منه أن يسامحه، وأن يغفر له، أن يعفو عنه، وفي نفس الوقت يشكو إلى الله همومه، يقدِّم إلى الله طلباته من واقع افتقاره وحاجته إلى الله “سبحانه وتعالى”، ومن موقع الثقة بالله، والتوكل على الله، والرجاء في الله “سبحانه وتعالى”، يعيش في تلك اللحظات مشاعر الأنس، الاطمئنان، أنني في هذه الحياة مهما واجهت من تحديات، وصعوبات، وهموم، ومشاكل، وإغراءات، ومخاوف، وتأثيرات، سأحتمي منها بالتجائي إلى الله، هو سندي، هو معيني، هو نصيري، هو ربي، هو ملاذي، إليه الجأ، به استغيث، عليه أتوكل، إياه أرجو، به أثق… وهكذا يترك هذا شعوراً عظيماً على نفسية الإنسان، ويحظى الإنسان- في نفس الوقت- يحظى من الله برعاية إلهية.
ولأن شهر رمضان المبارك أفضل الشهور وأيامه من أقدس الأيام فيه يضاعف الله الأجر ويزيد في البركة وقد أكتسب هذا الشهر الفضيل قداسته من قداسة القرآن الكريم الذي نزل فيه وبالتالي الأجر فيه مضاعف وفيه ليلة واحدة تساوي في أجرها وفضلها ألف شهر ولذلك من المهم أن يسعى الإنسان المؤمن لاستغلال هذا الشهر الفضيل ليجدد علاقته مع الله سبحانه وتعالى وأن يعالج بعض العادات الخاطئة التي اكتسبها طوال العام، وأن يتلافى القصور في أداء مسؤوليته في هذه الحياة فشهر رمضان بكله شهرٌ مبارك، وهو فرصةٌ مهمةٌ وعظيمةٌ في اكتساب الأجر والثواب، وفي الارتقاء التربوي، والروحي، والأخلاقي، والإيماني بشكلٍ عام، وفي التزود بالتقوى، وفرصةٌ عظيمةٌ للدعاء، ولذكر الله “سبحانه وتعالى”، وفرصةٌ عظيمةٌ ومهمةٌ لتقوية الروابط مع القرآن الكريم، وتعزيز العلاقة معه؛ لاكتساب الهداية، واكتساب الوعي، في مرحلةٍ نحن فيها في أمسِّ الحاجة إلى الوعي، وإلى الهداية.
أهمية الانفتاح على هدى الله والانتفاع به
شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن، شهر الهدى وشهر الفرقان وحتى نستفيد من هذه المحطة الربانية يجب علينا أن ننفتح بقلوبنا وعقولنا على هدى الله سبحانه وتعالى يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في محاضرة [مديح القرآن ـ الدرس الأول] : ((ـ مسألة الهداية، تأتي الهداية العامة هذه التي تعني: الإرشاد، إرسال الرسل، إنزال الكتب. هذه التي يسمونها: الهداية العامة، الإرشاد. لكن يهدي لنوره قضية ثانية، مطلوب أن الإنسان نفسه هو يتسبب لهذه من جهة الله، يهتم، يصغي، يتفهم، يرجو الله، يدعو الله أن يهديه. {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} هذا مثل، نور على أرقى درجة تتصوره، نور على أرقى درجة في محيط مظلم.)) ويضيف ((الإنسان هو لازم أن يكون عنده اهتمام بأن يفتح صدره، يصغي، يستمع باهتمام حتى يستفيد. وإلا ستنتهي القضية في الأخير إلى أنه لا يعد ينفع في واحد شيء على الإطلاق. ليس هناك شيء أعظم من كتاب الله، القرآن الكريم. إذا واحد لا يتفهم، لا يعد ينفع فيه شيء نهائياً، أيّ شيء كان.))
ويقول في [الدرس السادس ـ سورة البقرة]: ((أنت المهمة بالنسبة لك حتى تكون تعرف وتزداد معرفة تتوسع معارفك هو أن تستمع، تستمع، هذه أيضاً من الرحمة الإلهية: أن يقدم للإنسان ما يجعل معارفه واسعة ما يجعله حكيماً في رؤاه في تصرفاته في مواقفه في تقييمه بطريقة سهلة أيضاً، تذكَََّر فقط، تفهََّم، اصغ، استمع)).
ويوضح في ( الدرس التاسع ـ سورة البقرة) أن : ((هدى الله سبحانه وتعالى يقدم بالشكل الذي يكون واسعاً جداً المطلوب هو: أن تتفهم، ولأنه قضية معينة، قد تكون في مرحلة معينة، في وقت معين ليست هامة، متى ما أصبحت هامة سيأتي بيانها، سيبينها. التساؤلات عندما يعود الإنسان نفسيته على التساؤلات، لا. عود نفسك على أن تتفهم أكثر، وتصغي أكثر، وتسمع أكثر.))
ومن الخسارة على الإنسان في هذا الشهر المبارك يضيع الفرصة الإلهية المتاحة أمامه لينال فضل الله وعطائه الواسع من خلال الابتعاد عن هدى الله والاهتمام بالمضيعات من الملاهي كمتابعة المسلسلات والاعتكاف على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الليل واضاعة النهار في النوم ((من أخطر الأشياء على الإنسان أن يتعود حالة من اللامبالاة تجاه ما يسمعه من هدى الله، وأن يصبح ما يسمعه من هدى الله مجرد كلام عادي، لا يتأثر به، ولا ينتفع به، ولا يغير في واقع نفسه فيدرك جوانب القصور والنقص لديه، ويدرك جوانب ذات أهمية كبيرة عليه أن يهتم بها فيتحرك على أساس الاهتمام بها.))
إذا زاغ الإنسان عن هداه، لا يرضى يتفهم، يزيغ قلبه، ويعيش في الظلام، وفي الضلال؛ لأن الإنسان قد هو يعتبر في حالة فسق، أنت خرجت {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} يخرجون؛ لأنه ماذا؟ يقدم الشيء على أرقى مستوى، قدم هداه إلى عباده على أرقى مستوى، يصطفي رسلاً على أرقى مستوى، ينزل كتباً ويقول فيها: هدى، نور، شفاء، تبيان.. الخ، ومع هذا ما زلت غير مهتم!.
وقد ضرب الله مثلا للإنسان الذي لم يعد يبالي بهدى الله سبحانه وتعالى ولا يهتم بشر الدواب قال سبحانه وتعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}(الأنفال:22,21) شر الدواب كلها، أسوأ الحيوانات كلها، الإنسان الذي لا يستبصر بهدى الله، لا ينتفع بهدى الله، لا يتأثر بهدى الله، لا يصلح في واقعه، ويغير في واقعه، ويتلافى جوانب القصور لديه، عندما يسمع هدى الله هو أسوأ من كل الحيوانات، أسوأ في واقعه من أي حيوان من الحيوانات، هذا حاله عند الله، هذه مكانته عند الله {كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}. حالة خطيرة على الإنسان أن يتعود وأن يتعامل مع هدى الله سبحانه وتعالى ومع توجيهات الله سبحانه وتعالى ومع التوجيهات والتعليمات من قرناء الهدى الذين يتحركون بالأمة في إطار مشروع القرآن الكريم وفي إطار منهج الله سبحانه وتعالى أن يتعاطوا ويتعودوا على أن يكونوا مجرد مستمعين لا عاملين..!
فمن المهم العودة الجادة إلى هدى الله سبحانه وتعالى وعلينا أن ندرك أن أول شيء مهم في تعاملنا مع القرآن الكريم هو: العلم بقدْرِه, بقدر القرآن الكريم عند الله, وعظمه عند الله. عندما نفتح المصحف, ونبدأ نقرأ نكون مستشعرين لأهمية هذا الكلام, أهمية القرآن الكريم, أولاً: أنه كلام الله, وفي نفس الوقت أن هذا الكلام هو عظيم القدر عند الله سبحانه وتعالى, لا يأتي واحد يقلب المصحف مثلما يقلب أي كتاب آخر, نستشعر هذا في أنفسنا, في أذهاننا.
لأن الإعراض عن القرآن الكريم, أن عدم الاهتمام به من أول سماعه, تفهمه, وتنطلق على أساسه. إذا لم تكن هكذا يحصل ضلال, يحصل رجس, يحصل إدبار, القرآن يدبر عنك, يحصل عمى, يحصل أشياء رهيبة جداً!. لأن القرآن هو كتاب هداية, يهدي الناس إلى صراط مستقيم, إرشاد لهم, إرشاد واسع بسعة الحياة كلها, وكل شئونها, وكل مجالاتها, والأزمنة كلها على تعاقبها إلى يوم الدين. اعتبره كتاباً واسعاً أعظم من سعة الحياة.
ولذلك روي عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): حديث هام يصف أهمية القرآن الكريم: فعن أمير المؤمنين عليٍّ “عليه السلام” قال: قال رسول الله “صلى الله عليه وآله”: ((ألا إنها ستكون فتنة))، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحَكَمُ ما بينكم قلت: وما المخرج منها؟ قال: ” كتاب الله، كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار، قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره، أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا} [الجن: ١] هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم “)).
ومن هذا الحديث يتبين لنا عظمة القرآن الكريم وحاجتنا للعودة إليه والانفتاح بوعي عليه خصوصا ونحن نعيش زمن الفتن والمؤامرات الرهيبة من قبل أعداء الأمة اليهود والنصارى وفي ظل ضعف امتنا وهوانها لقد تكبدت الأمة خسائر كبيرة على المستوى التربوي، على المستوى المعنوي، على المستوى العملي، نتيجة ابتعادها عن كثير من مفاهيم القرآن الكريم، يجب العودة إلى القرآن الكريم عودة واعية صادقة للاستفادة من عطاءه المعنوي، وهدايته الشاملة، ورؤاه الحكيمة؛ ولأن ذلك يحقق للأمة العودة الصادقة إلى الله العزيز الحكيم خير الناصرين خصوصا ونحن نعيش هذه الليالي والأيام المباركة ليالي وأيام شهر رمضان شهر القرآن.. فلنستغل هذه الفرصة لما فيه نجاتنا في الدنيا والآخرة..