غــــــزة المكلومة.. مؤامرةٌ بحجم أُمَّـة

موقع أنصار الله ||مقالات ||زياد الحداء

الحديث عن غزة وما يحصل فيها من مأساة كبرى وانتهاك لإنسانية الإنسان والبشر جميعاً حديث أكبر مما نتخيله، فالموضوع ليس عبارة عن إحصائيات تسرد في وسائل الإعلام بل هو عبارة عن أرواح تزهق ودماء تسفك وتسال على قارعة كُـلّ طريق وتحت أنقاض مبانٍ تهدم لتكون أشبه بقبور جماعية لسكانها، ومستشفيات تحولت من أماكن لبث الأمل وإحياء النفوس إلى جحيم ورعب خيم عليه شبح الموت الجماعي، حَيثُ لم يفرق الموت بين المريض والطبيب المعالج، فإن قال أحدهم إن ما يحدث هناك جريمة ومأساة كبرى وأيًّا كانت ألفاظه في وصف ما يحصل فهي صادقة، فهذه هي غزة، حَيثُ بكى الجماد ونعى الشهداء أطلال منازل سويت بالأرض، في غزة، حَيثُ الأرض تحتضن سكانها.

ولكن لنتوقف قليلًا ولننظر قليلًا فيما هي الأسباب التي أَدَّت إلى هذا الإفراط في القتل الذي وصل إلى حَــدّ التطهير العرقي، وما هي الدوافع والمغريات التي دفعت اليهود إلى اقتراف كُـلّ هذا الفساد في أرض الله وبحق عباده، وخَاصَّة المسلمين الذين قال عنهم إنهم خير أُمَّـة أخرجت للناس، وإنهم من شرفهم الله بهذا الدين وكتابه المهيمن على سائر الكتب، ورسولهم الذي جعله سيداً لرسله جميعاً.

لا بدَّ من وجود أسباب مغرية أَدَّت إلى ما يحصل اليوم من إجرام وإسراف بالقتل ومن استقواء الكفار وعلوهم في الأرض، مقابل ذل واستكانة وتيه هذه الأُمَّــة؛ فهي أحداث ليست عابرة وليست صدفة أَو وليدة يومها، بل هي نتاج مئات السنين من المؤامرات والتخطيط والعمل على إخراج هذه الأُمَّــة من الواجهة، وتجريدها من كُـلّ عناصر القوة بكل معاني القوة حتى القوة الوجدانية والشعور بالعزة؛ فقد سعى اليهود الأعداء إلى تجريد الأمة منها كي يتسنى لهم تنفيذ ما يرمون إليه في أوساط هذه الأُمَّــة فهم يسعون إلى:

الحيلولة بين هذه الأُمَّــة وبين مسؤوليتها في إقامة العدل في أرض الله، وتبليغ دين الله الذي يتميز بعالميته إلى كُـلّ أقطار الأرض، كي يكون ديناً حاكماً في حياة البشر، كي ينعم البشر بما يقدمه من خير في الدنيا والآخرة، لذلك فاللوبي الصهيوني يسعى إلى محاربة هذا الدين؛ لأَنَّه يمثل تهديداً مباشراً له ولاستمرار بقائه، لذلك هم حريصون جِـدًّا على ألَّا تقوم لهذه الأُمَّــة قائمة، وقد عملوا على إنشاء “إسرائيل” كغدة سرطانية لتحقيق ذلك، وحربها ضد الشعوب وخاصة الشعب الفلسطيني هي من هذا المنطلق، وفي حال انتصارها على المقاومة ونجاحها في القضاء على هذا التحَرّك المقاوم في الشعب الفلسطيني فَــإنَّها لن تقف عند هذا الحد، بل ستنطلق إلى من بجوارها من شعوب هذه الأمة لإذلالها وسلبها حريتها وكرامتها؛ فهذا هو عملها وهدف إنشائها أن تبقى الأمة تحت قوتها، وأن تبقى قوة مسلطة على هذه الأُمَّــة لإذلالها ومنع تحَرّكها.

السعي إلى الاستئثار بثروات وخيرات هذه الأُمَّــة فما تمتلك هذه الأُمَّــة من ثروات يعتبر شيئاً عظيماً جِـدًّا، خَاصَّة فيما يتعلق بالثروة البشرية والطاقة والمعادن واستخدامها في زيادة الهيمنة والسيطرة على العالم، وقد زرعوا لهم عملاء داخل جسد الأُمَّــة، وللأسف أنهم باقون على كراسي غالبية هذه الأُمَّــة ويقدمون ثرواتها على طبق من ذهب لأعداء هذه الأُمَّــة، ويقومون باستهداف وقمع كُـلّ تحَرّك صادق في أوساط هذه الأُمَّــة المغلوبة على أمرها، والتي فرطت هي أَسَاساً بنفسها وكرامتها وحريتها ومسؤوليتها الملقاة على عاتقها من قبل الله سبحانه وتعالى، المتمثلة في نشر دين الله وإقامة دينه ومنع مثل هذا الفساد أَسَاساً، وهي إنما أعطاها الله ما أعطاها من ثروات -وببركة دعوة أبونا إبراهيم، حَيثُ قال: (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)- إنما هو في إطار التسهيلات من الله سبحانه وتعالى، للقيام بهذه المسؤولية الكبرى، لكن ما يحصل شيء مؤسف ومذل ومخز بالنسبة لما هو عليه الحال في الأغلبية من الأنظمة العربية.

الحرص الشديد من الأعداء إلى السيطرة على موقع هذه الأُمَّــة الاستراتيجي والمهم جِـدًّا، والذي يمثل ركيزة أَسَاسية للسيطرة على العالم كموقع الأمة من الناحية الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية فهو يقع في وسط الكرة الأرضية ويهيمن على أهم المسطحات المائية التي هي مهمة في الجوانب العسكرية والاقتصادية، وقد راينا الأهميّة الكبرى التي يتميز بها موقع اليمن (بلدنا العزيز) في هذه الحرب وكم أزعج الغرب وأربك حساباتهم وخلط عليهم الأوراق وقلب عليهم الطاولة -كما يقال- فقد شكل تأثيراً كَبيراً عليهم وعلى اقتصادهم واقتصاد هذا الكيان اللقيط، وأدى إلى شلل شبه كامل في موانئ فلسطين المحتلّة، وأصاب اقتصاد الكثير من الدول المعتدية بعلل كبرى، وهذا أزعج العدوّ المحتلّ والغرب الكافر ودفعهم إلى حشد أساطيلهم وقوتهم العسكرية من معظم البلدان؛ فهم بقدر ما يخافون على اقتصادهم من التأثر يخافون أَيْـضاً من سقوط هيبتهم وسيطرتهم على هذه المنطقة الحساسة والمهمة بصنع القرارات والتحولات السياسية العالمية.

قد يعجبك ايضا