تعرض لتعذيبٍ وحشيٍ.. تفاصيل جديدة حول استشهاد القيادي أبو عرة بسجون العدو الإسرائيلي
موقع أنصار الله – متابعات – 8 صفر 1446هـ
كشف أسير خرج حديثا من سجون العدو الإسرائيلي لأول مرة، تفاصيل عملية الاغتيال والقتل المقصود الذي تعرض له القيادي في حركة حماس الشيخ الأسير مصطفى أبو عرة على أيدي وحدات خاصة إسرائيلية اقتحمت عليه الغرفة التي كان يتواجد بها مع مجموعة من الأسرى في سجن “ريمون” وضربه ضربا مبرحا وفي مناطق حساسة، الأمر الذي أفضى إلى وفاته بعد نحو أسبوع على الحادثة.
وقال الأسير المحرر -الذي طلب عدم ذكر اسمه إن الحادثة -التي وقعت قبل خمسة أيام من اعلان استشهاد الشيخ في 26-7 الماضي-كانت على مرأى ومسمع كل من تواجد في تلك الغرفة وعددهم 12 أسيرا، حيث اقتحمت قوة القمع المكونة من نحو عشرين جنديا صهيونيا مدجنين بالسلاح والعتاد الغرفة، واعتدوا علينا جميعا، لكنهم سرعان ما تركونا وركزوا هجومهم على الشيخ، فيما كنت على مسافة لا تبعد عنه سوى ثلاثة أمتار، واستطيع رؤيته بوضوح، بحسب قدس برس.
يتابع “احاط بالشيخ مصطفى ما لا يقل عن عشرة صهاينة، وانهالوا عليه بالضرب والركل المتواصل على كافة انحاء جسمه، وبالكاد استطاع أن يحمي رأسه بعد أن وضعه بين أقدامه بوضعية السجود، وكان يصرخ من شدة الألم، لكنهم كانوا يزيدون من عدوانهم كلما استنجد بالله، حيث كان يكرر “يا الله… يا الله”… وفي لحظة حمله أحدهم ورفعه للأعلى ثم رماه بكل قوته على الأرض، ليهجم عليه الآخرون بالركل وهم يلبسون البساطير العسكرية -المصنوعة مقدمتها من الحديد- على وجهه ورأسه وصدره”.
يصف الأسير المحرر المشهد أنه وحشي بامتياز: “اعتقلت لمدة 11 سنة في سجون العدو الإسرائيلي على فترات متباينة، وتعرضنا لهجمات مرعبة واصيب منا العشرات، لكن كل ذلك يهون أمام ما جرى للشيخ أبو عرة. كان يضربونه بكل حقد بهدف القتل أو على أقلها إحداث عاهة مستديمة له. لا يمكن أن ينجو الشيخ من هكذا هجوم”.
مرت الدقائق ثقيلة جدا وبطيئة، ولم يتمكن أحد من الأسرى أن يتفوه بكلمة واحدة، بل أن معظمهم جلس القرفصاء ووجهه للحائط، وكان هناك عناصر يقفون فوق رؤوسهم، وأي حركة تصدر من أي أسير تعني أنه سيلقى مصيرا مشابها.
في لحظة ما، رفع الراوي رأسه ينظر تجاه الشيخ، الذي قارب على فقدان الوعي، يقول “حمله ثلاثة من الصهاينة وقذفوه تجاهي، وأنا بشكل عفوي، رفعت يدي لمحاولة لقفه. لكنهم وبشكل فوري عاجلوني بالضرب الجنوني على رأسي وعيني اليمنى، فوقعت على الأرض إلى جانب الشيخ الذي كانت انفاسه ونبضات قلبه تتسارع.
بعد نحو خمس ساعات على الاعتداء، تحامل الشيخ على نفسه وحاول الوقوف للوضوء، لكنه فجأة صرخ صرخة تشي بألم كبير، وقال لي إنه يشعر بنغزة شديدة في خاصرته وأخرى من جهة القلب. فلما رفعت عنه ملابسه لأفحص إن كان هناك أي جرح أو ما شابه، صعقت مما رأيت، فقد كان جسده أزرقا وهناك تجمعات دموية في أكثر من مكان، وكاد يفقد الوعي من جديد. “هنا استجمعنا قوانا وحاولنا الحديث مع أحد السجانين، فهذا يعد ضربا من الجنون، ويعرض الأسير أو الأسرى في الغرفة أو حتى في القسم جميعه للعقاب. وبعد أخذ ورد استمر لأكثر من ساعتين، وافقوا على نقله للمستشفى. خرج الشيخ وهو يودعنا وكأنه كان يعلم أنه لن يعود. طبعت قبلة على رأسه، فأصر أن يقبلني هو وبالفعل قبّل رأسي وعيني التي كانت منتفخة جدا من شدة الضرب، وخرج يجر نفسه جرا.
طيلة الأيام التالية انقطعت أخبار اشيخ تماما، حتى وصل الخبر المشؤوم فجر الجمعة باستشهاده. يقول الأسير المحرر “جن جنوني، وبقيت حتى الإفراج عني لا أتكلم مع من حولي إلا للضرورة، فالفراق كان صعبا والحدث جلل، لكننا نترحم على رجل قل نظيره، فقد شبّ على الجهاد والدعوة وشاب عليهما، وفارق هذه الدنيا وهو على البيعة لله ورسوله”.
قطة مهمة، يؤكد عليها الأسير المحرر وهي دحض رواية الاحتلال أن الشيخ مات بسبب الاهمال الطبي. يقول “صحيح أن الشيخ يملك سجلا مرضيا، فهو متقدم في السن. لكن الشهادة لله أنه كان رياضيا ويمارس التمارين السويدية يوميا، حتى أنه كان احيانا يمازحني بقوله “إذا بدك بحملك وبركض فيك”.
ويختم بقوله “قد يعتقد البعض أنني أقص عليه قصة فيلم شاهدته أو كتاب قرأته. لكنها الحقيقة المرة التي يعيشها أسرانا. ارتقاء 22 شهيدا في السجون ليس أمرا عفويا أو صدفة، بل سياسة ممنهجة تركز على قتل واغتيال الرموز السياسية والأسرى المؤثرين والبارزين.
قصته مع الاعتقالات
واعتقلت قوات العدو الإسرائيلي الشيخ في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقبلها كان مقرراً له جولة علاجية لأمراض في الدم والجلد، إضافة لكونه يعاني أمراضاً مزمنة في القلب والغضروف وتضخماً في الطحال، وهذا جعله يتردد كثيراً على الأطباء والمستشفيات، لكنه عندما اعتقل تعرض كما الأسرى كافة لممارسات وانتهاكات فظيعة، منها الضرب والإهانة من دون الالتفات إلى سنه ومرضه.
كل هذا كان ضمن مشروع مخطط ومدروس من العدو الإسرائيلي لاغتيال الشيخ، تقول عائلته “لم نكن نعلم عنه شيئاً، سواء عن مكان احتجازه في أي سجن، أو عن وضعه الصحي لأكثر من شهرين بعد اعتقاله، وكانت كل المعلومات تصل إلينا من أسرى محررين رافقوه المعاناة والمكابدة، وكلهم كانوا يعلموننا أن وضعه الصحي في تراجع، وأن إدارة السجون لا تهتم له ولا لغيره”.
وسرقت سجون العدو الإسرائيلي من الشيخ سنين طويلة، على مدار تسعة اعتقالات في العقود الثلاثة الماضية، وفي إحداها جرى إبعاده إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني برفقة 415 من قيادات حركتي حماس والجهاد الاسلامي عام 1992.
وبدأت رحلة الاعتقالات عام 1990، ثم الإبعاد إلى مرج الزهور، وتتالت بعدها الأحداث، حيث اعتقل مرات عديدة، وللأسف اعتقل مرات عدة أيضاً في سجون السلطة الفلسطينية، آخرها في مثل هذه الأيام من العام الماضي، لدى جهاز الأمن الوقائي، ولم يفرج عنه إلا بعد نقله إلى المستشفى. وحورب الشيخ في رزقه وعمله وجرى التضييق عليه كثيراً، لكن ذلك كله لم يثنه عن العمل الدعوي وعن الجهر بآرائه الوحدوية ودفاعه عن نهج المقاومة وتمسكه به حتى مات على ما هو عليه.
وبرز اسم الشيخ مصطفى أبو عرة خلال العقدين الأخيرين بصفته أحد أبرز قياديي حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة، وقد كان أحد الناطقين باسمها، خاصة في شمال الضفة الغربية، وكان من المتصدرين دوماً في جنازات الشهداء ومسيرات الأسرى.