“عدوان البيجر” الإجرامي خرق للمواثيق الدولية وتهديد لأمن التجارة العالمي
|| صحافة ||
على الرغم مما شهده النسق الدولي وفواعله من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والتي تُعنى بملفات القانون الدولي وحقوق الإنسان وغيرها، من تصاعد تصريحاتها المنددة بالجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني ومواطني قطاع غزة بشكل خاص، والمنطقة الشرق أوسطية بشكل عام، إلا أن هذه المنظمات، وفي مقدمتها الأمم المتحدة وأجهزتها الرئيسة، وقفت عاجزة أمام محاسبة هذا الكيان.
وذلك نتيجة لأسباب عدة، أبرزها الدور والموقف الأمريكي الداعم لجرائم هذا الكيان، وعدم وجود إرادة سياسية دولية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب من المسؤولين الصهاينة، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشركاؤه من اليمين العنصري على غرار وزير الأمن “إيتمار بن غفير” والمالية والاستيطان “بتسلئيل سموتريتش” ومن يسمى بوزير الثقافة “عميحاي إلياهو”، وهذا ما يجعلنا أمام سؤال ذي وجهين: الأول؛ ما هي أسباب استمرار الكيان “الإسرائيلي” بارتكاب هذه المجازر؟ والثاني؛ ما أشكال وأساليب هذه الجرائم المنتهكة لقواعد القانون الدولي ومبادئه الأساسية؟.
في ما حصل، منذ بدء العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة عبر إطلاق ما عرف بـ “السيوف الحديدية”، كان جليًا أنّ هذا الكيان بحكومته اليمينية سيمعن في ارتكاب المجازر والانتهاكات، والتي كان آخرها ما شهدته الأراضي اللبنانية من عدوان يتخطى إطار الحرب “السيبرانية”، ويصل إلى مرتبة الإرهاب الدولي المنظم، كونه وظّف التقنيات الحديثة لاستهداف العمق اللبناني وإحداث الفوضى من خلال العنف الإلكتروني الذي طال مدنيين. وهذا أدى إلى استشهاد 12 شخصًا وإصابة أكثر من 2800 لبناني ولبنانية.
هذا الإمعان كان نتيجة العديد من العوامل والظروف التي يمكن تلخيصها وفقًا للنقاط الآتية:
أولًا- الدعم المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل غير محدود، لهذا الكيان المغتصب، بمختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والقانونية وحتى الدينية. وهو ما جعل إدارة البيت الأبيض شريكة رئيسة في جرائم الكيان ضد الشعب الفلسطيني ودول المنطقة. إذ على الصعيد السياسي؛ قدمت واشنطن الغطاء السياسي لهذا العدوان بادعائها حقًا له بالدفاع عن أمنه، وحرصها على استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن لمنع أي قرار يدين جرائم الكيان أو ينهي عمليته العدوانية، وفي المجال العسكري؛ أغدقت إدارة جو بايدن على هذا الكيان كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة المدمرة، بما يفوق قيمته 35 مليار دولار، وأسهمت في تقديم عدة قروض لمنع انهيار اقتصاد هذا الكيان، ولوّحت باتخاذ تدابير عقابية وفرض العقوبات ضد المنظمات القانونية الدولية، وفي مقدمتها محكمتا العدل والجنائية الدوليتان، في حال تبني قرارات أو إصدار مذكرات اعتقال بحق المسؤولين الصهاينة، كما تبنت المسيحية الصهيونية المسوّغات الدينية لهذا الكيان لشرعنة ارتكابه هذه المجازر.
ثانيًا- ازدواجية المعايير التي ميزت السياسات الخارجية للدول الغربية، ولاسيما الأوروبية، في دفاعها عن حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي التي تبنتها بعد الحرب العالمية الثانية، ما جعل هذه المبادئ مجرد شعارات براقة وحصان طروادة تستخدمه مراكز صنع القرار في هذه الدول لتسويغ اعتداءاتها والتدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تناهض سياساتها فقط، كما حصل سابقًا في الأزمات السورية والليبية والعراقية، وما تشهده اليوم الأزمة الأوكرانية.
ثالثًا- عجزت المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، عن تطبيق ميثاقها التأسيسي في حل الأزمات والصراعات بالطرائق والوسائل السلمية والدفاع عن المدنيين وتطبيق المواثيق الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف الأربعة الخاصة بحماية حقوق الإنسان والاعتناء بالجرحى وصيانة حماية المدنيين في أثناء الحروب والأزمات. وهذا العجز يمكن ارجاعه لعدة أسباب، أبرزها افتقار هذه المنظمات للآليات الوسائل الخاصة بفرض مواثيقها، وخضوعها لابتزاز التمويل المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية، كما حصل مع وكالة “الأنروا” وتموضعها الجغرافي في الدول الغربية الداعمة لهذا الكيان.
رابعًا- المساواة في توجيه الإدانة للمجرم والضحية على حدٍ سواء، إذ كان بارزًا بعد عملية طوفان الأقصى هو توجيه الدول وكذلك المنظمات الدولية الإدانة لمسؤولي الكيان المغتصب، وكذلك لقوى محور المقاومة في فلسطين المحتلة ولبنان واليمن والعراق.
هذه العوامل وغيرها؛ شجعت الكيان لارتكابه العديد من المجازر شهدها التاريخ السياسي الحديث لأول مرة أمام نظر ما يسمى المجتمع الدولي ومنظماته المتصدعة، في خرق لكل الشرائع الدولية، والتي سيسعى الكاتب للإشارة إليها:
- تهديد الكيان الصهيوني للأمن العالمي من خلال توسيع وتنويع أدوات الصراع والعدوان، والتي كان آخر صور هذه الجرائم ما ارتكبته قوات الاحتلال بقرار سياسي، ضد الشعب اللبناني، عبر تفجير لأجهزة “بيجر” الإلكترونية الخاصة بتلقي الرسائل والأرقام، بتفجير هذه التقنية من دون التمييز بين المدنيين وعناصر المقاومة، ولاسيما أنّ هذه التقنية تستخدم، بشكل كبير ومنتشر، بين المدنيين، وخاصة الأطباء. وهذا يصنف وفقًا للمادة القرار 2396 لعام 2017م، والصادرة عن لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي بأنه شكل من أِشكال الإرهاب المهدد للأمن الدولي عندما تلجأ دولة لنشر الذعر والعنف بين المدنيين في دولة أخرى، وانتهاك لأحد أبرز فقرات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م، والمتعلق بتهديد الأمن الشخصي للأفراد.
كما أن هذه الوسيلة تعد هي السابقة الأولى من نوعها في استخدام الحرب “السيبرانية” للأعمال العنفية، وقد تشكّل نموذجًا تحتذي به العديد من الدول لاستهداف دول أخرى، ولاسيما في الصراع الغربي مع الصين وروسيا، وستفرض على الدول المزيد من اتباع إجراءات وفرض الحماية، ولاسيما في المرافق الحيوية، مثل المطارات والموانئ والسكك الحديدية والمشافي وغيرها. كما أن تداعيات ومخاطر التهديدات الأمنية العالمية ستطال التجارة الخارجية للدول، سواء أكان ذلك من خلال توقف صفقات مبيع الأجهزة الإلكترونية، إلا بعد التأكد من خلوها من أي تهديد، أو من حيث التأكد من الجهة الموردة والمنتجة. وستفرض المزيد من القيود على هذه التجارة الدولية، نتيجة هذا الانتهاك الصهيوني، ما سيجعل منظمة التجارة الدولية والاتفاقات والتشريعات الدولية المنظمة لها، ولاسيما اتفاقية “جات” 1948م، وإعلان مراكش 1994م، في مهب الريح نتيجة الجريمة الصهيونية وتداعياتها الأمنية والقانونية والتجارية.
- عدم التزام الكيان الصهيوني بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وتعمد الإضرار بالمدنيين وممتلكاتهم، في العدوان على قطاع غزة والضفة الغربية واليمن وسورية وجبهة جنوب لبنان كما حصل أمس، وذلك في خرق فاضح للمادة “25” من اتفاقية لاهاي الثانية واتفاقية جنيف الثالثة اللتين تنصان على حظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والأماكن السكنية أو المباني المجردة من وسائل الدفاع أيا كانت الوسيلة المستعملة.
- إصرار الكيان الصهيوني على اتباع أسلوب نشر المجاعات، في خرق للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف المدنيين واستخدام تجويعهم كأسلوب حرب؛ واتفاقية جنيف الرابعة “البروتوكول الإضافي الأول” التي تنص على السماح بمرور شحنات الإغاثة الإنسانية وحمايتها وتيسير مرورها.
- سعي حكومة نتنياهو لتنفيذ الهدف الصهيوني الأكبر المتمثل بالتهجير القسري للشعب الفلسطيني، وهو ما يحظره “البروتوكول الإضافي الثاني” لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي تحرم إصدار أوامر بالنزوح القسري للسكان المدنيين لأسباب تتعلق بالنزاع.
أشكال وأوجه المجازر السابقة، وغيرها من ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية الارهابية، واستهداف المنشأت الصحية والطبية واعتقال النساء والأطفال والتفنن بأساليب تعذيبهم، وتوظيف الوسائل التكنولوجية لنشر العنف الدموي والفوضى والرعب، وغيرها من أبشع صور الانتهاكات، تحصل أمام أنظار هذ المجتمع الدولي ومنظماته التي تسابق في نشر تخوفاته وذرف دموعه عما يحصل، من دون أي إجراءات رادعة للحد من الجرائم الصهيونية..
لذلك السؤال: هل سيتحمّل هذا المجتمع تباعات وتداعيات احتمال انفجار الأوضاع في هذه المنطقة؟ وإلى متى سيبقى بارعًا في ارتداء قناع الإنسانية الذي انتهكه مرات عديدة لتحقيق مصالح بعض دوله ودفاعه العاهر عن هذا الكيان؟.
العهد الاخباري: محمد نادر العمري