الكيان المؤقت وحتمية الزوال
موقع أنصار الله . تقرير | علي الدرواني
مع مرور الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، وما حملته من الدلالات والأرقام والإحصاءات والمحصلة الإجرامية للعدوان المتوحش على غزة، وباستذكار أبرز المجازر الوحشية طوال عام كامل، من مجزرة مستشفى المعمداني إلى مواصي خان يونس وما بينهما وقبلهما وبعدهما، التي يرتكبها الإسرائيليون بشراكة كاملة من واشنطن، تتعدى الدعم إلى المشاركة الفعلية بالجرم المشهود.
كانت تلك التفاصيل المهمة، حاضرة بقوة في مشهد الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، إلى جانب التفاصيل المتعلقة بفشل العدو وحضور المقاومة في غزة، وتوسع التصعيد في لبنان، ومع ذلك فقد كان اللافت هو الحديث عن زوال الكيان، وحتمية نهايته، لاسيما في حديث السيد القائد عبدالملك الحوثي، لن يغير منها أي مستوى من الإجرام الذي يذهب إليه كيان العدو: مؤكدا في ذات الخطاب أن “حتمية الزوال للعدو الإسرائيلي هي حتميةٌ من الثوابت الدينية، والتاريخية، والكونية، وهي لابدَّ أن تتحقق”.
وهنا نتوقف عند كل نوع من هذه الحتميات والثوابت:
الحتمية الدينية:
في القرآن الكريم توعد الله بني اسرائيل بنهاية سيئة، بعد افسادهم في الأرض مرتين، حيث جاء في سورة الإسراء:
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا.
فقد حملت هذه الآيات تهديدا خطيرا لبني إسرائيل، في كلا المرتين، وبعدها جاء التهديد، وإن عدتم عدنا، والذي يحتمل أن يتكرر أكثر من مرتين، لكن تخصيص المرتين ربما لأنهما على ما يبدو أكثر إفسادا، وأشد عقابا.
وإن كانت قد تضاربت أقوال المفسرين هنا عن المرتين، هل حصلت أو لا، أو حصلت الأولى وبقيت الثانية، إلا أن المبدأ الذي تشير إليه الآيات، هو علو بني اسرائيل، وقيام كيان قوي لهم، وممارستهم للإفساد، ثم نهايتهم الناتجة عن كل ذلك.
ويستفاد من هذه الآيات الكريمة، أن بني اسرائيل سيتعرضون لنكسة كبيرة، بعد أن يصلوا علوا كبيرا، ويكونوا أكثر نفيرا، وهي الحالة التي تصف كيانهم اليوم، وما هم عليه من القوة والعدة والعتاد، وكذلك الإفساد في الأرض، والذي عاقبته كما تنص الآيات، هو الوعد المفعول، وتسليط عباد الله أولي القوة والبأس الشديد، والذين يسوؤون وجوه بني اسرائيل، لتظهر عليها علامات الكآبة والذلة والهزيمة.
من جهة أخرى وفي ذات السياق فإن آيات أخرى، تدعو المؤمنين إلى الحذر من أهل الكتاب، وتعد بالنصر عليهم، في الآيات من سورة المائدة، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) الى قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56).
فالله سبحانه وتعالى، يوجه بعدم اتخاذهم أولياء، ويعد بالغلبة عليهم، وهذه حتمية يقينية، ووعد لا إخلاف له، مثل قوله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. وقوله: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.
فهزيمتهم إذن بنص القرآن حتمية، ونصر المؤمنين عليهم أيضا حتمية.
النبوءة التلمودية
حول زوال الكيان الاسرائيلي هناك نصوص من “العهد القديم” تشير إلى نفس المبادئ القرآنية التي تؤكد أن بقاء الكيان الصهيوني مرتبط بالإلتزام بالقيم الدينية والأخلاقية، وقد جاء في “سفر ميخا”: “اسمعوا يا رؤساء بيت يعقوب، وقضاة بيت اسرائيل، الذين يكرهون الحق، ويعوجون كل مستقيم، الذين يبنون صهيون بالدماء، وأورشليم بالظلم، ورؤساؤها يقضون بالرشوة، وكهنتها يعملون بالأجرة، … لذلك بسببكم تفلح صهيون كحقل، وتصير أورشليم خربا، وجبل البيت شواخ وعر”.
وفي “سفر حزقيال”: ” يا ابن آدم إن بيت إسرائيل لما سكنوا أرضهم نجسوها بطريقهم و بأفعالهم كانت طريقهم أمامي كنجاسة الطامث ، 36: 18 فسكبت غضبي عليهم لأجل الدم الذي سفكوه على الأرض و بأصنامهم نجسوها ، 36: 19 فبددتهم في الأمم فتذروا في الأراضي كطريقهم و كأفعالهم دنتهم ، 36: 20 فلما جاءوا إلى الأمم حيث جاءوا نجسوا اسمي القدوس إذ قالوا لهم هؤلاء شعب الرب و قد خرجوا من أرضه” .
وفي هاتين النبوءتين إن الدماء التي يسفكها بنو إسرائيل ستكون سببا في زوالهم، ونزول غضب الله عليهم، وهو يوازي ما عبر عنه أيضا القرآن الكريم، بالفساد في الأرض.
ومن تلك النبوءات، ما أورده “الحاخام شمعون بن يوحاي”، وهو أحد كبار الحاخامات اليهود في القرن الثاني الميلادي، وفيها: “يأتون من أرض بعيدة إلى جبل إسرائيل العالي ينقضون على الهيكل ويطفئون الأنوار ويعبرون فلسطين، ناشرين الدمار الكامل ولا يخلص إسرائيل، وكل من صودف طعن، وكل من وقع أخذ بالسيف، وكل من يتلو اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا يقتل، وسيهرب بنو إسرائيل حتى سهل أريحا، ثم يأتي أبناء أشور فيدمرون إسرائيل”.
وإن كانت نبوءة “بن يوحاي”، تشير إلى أبناء “آشور” أي العراق، فإن البعض يربطها بما حصل لليهود من بخت نصر، إلا أن المخاوف والقلق لا يزال يسيطر على قادة الكيان من تكرار الأمر من جهة العراق، وهذا يفسر العداء الشديد الذي يبديه الأمريكان والصهاينة للعراق وشعبها.
الحتمية التاريخية:
التاريخ اليهودي يسجل قيام مملكتين لليهود لم تعمر أي منهما أكثر من ثمانين عاما، ولهذا تبدو اليوم فكرة لعنة العقد الثامن تلاحق قادة ومجتمع الكيان، والعودة للتاريخ هو دأب قادة الكيان اليوم، فهناك علاقة بين مخاوف الكيان من تجاوز العقد الثامن انطلاقا من التاريخ اليهودي، بما يعبر عنه بلعنة العقد الثامن، التي أدت إلى انقسام مملكة داود وسليمان وانهيار دولة الحشمونائيم بحسب الرواية اليهودية، تلاحق كل قادة العدو، إذ سبق باراك وريفلين رئيسُ “الحكومة” السابق بنيامين نتنياهو، الذي قال، في تصريح نقلته صحيفة «هآرتس» عام 2017، إنه يتوجب على الكيان الاستعداد لخطر وجودي لكي تتمكن من الاحتفال بالذكرى المئوية لإقامتها. وأضاف: «مملكة الحشمونائيم اليهودية التي حكمت أرض كنعان قبل الميلاد بحوالي 140 عاماً لم تعمر لأكثر من 80 عاماً».
صحيح أن نتنياهو كان بهدف الدعاية لشخصه، بأنه صمام أمام الكيان، لكنه يعكس أيضا حالة القلق التي يعيشها ويشعر بها، والتي زادت عمقا مع طوفان الأقصى، والتخوف الكبير من وقف إطلاق النار، باعتباره هزيمة، ونهاية للكيان.
ومن هذه المنطلقات فإن الحرص على تمكين الكيان المؤقت لتجاوز العقد الثامن هي الشغل الشاغل لقيادات العدو ورؤساء حكوماته المتعاقبة، حيث يحرص كل “رئيس حكومة” على عدم الوصول إلى حرب أهلية في عهده وتجنّب الانهيار من الداخل كما حصل مع ممالك اليهود السابقة، معرباً عن خشيته من ذلك المصير.
الانهيار من الداخل:
كما تبين في العنوان السابق، فإن الكثير من المراقبين يؤكدون على أن زوال “إسرائيل” قد يكون بأسباب داخلية، وهذا ما طفحت به الصحافة الصهيونية طوال بضع السنوات الأخيرة، فهذا “تامير باردو”، الرئيس السابق لجهاز “الموساد”، يؤكد في محاضرة بكلية “نتانيا” أنه “بينما كثر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق إسرائيل، فإن التهديد الأكبر يتمثل بنا نحن الإسرائيليين، بظهور آلية تدمير الذات التي جرى إتقانها في السنوات الأخيرة، تمامًا مثل أيام تدمير الهيكل الثاني؛ مما يستدعي منَّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة، لأن إسرائيل تنهار ذاتيًّا. صحيح أنها غنية وميسورة، لكنها ممزقة ونازفة، والمخاطر لا تنقضي، وبعد قليل ستعمل آلية الإبادة الذاتية المتمثلة في الكراهية المتبادلة”.
أما “نفتالي بينيت”، رئيس “الوزراء” السابق فقد أكد للإسرائيليين “أن الدولة تقف أمام اختبار حقيقي ومفترق طرق تاريخي: إما استمرار العمل، أو العودة للفوضى، لأنها تشهد اليوم حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار، ومرة أخرى نواجه جميعًا لحظة مصيرية، فقد تفككت إسرائيل مرتين في السابق بسبب الصراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمرها 77 عامًا، والثانية 80 عامًا، ونعيش الآن حقبتنا الثالثة، ومع اقترابها من العقد الثامن، تصل إسرائيل لواحدة من أصعب لحظات الانحطاط التي عرفتها على الإطلاق”.
وحيث أن التاريخ يسجل أن زوال مملكة بني إسرائيل كان بأسباب داخلية، فقد أرجع ذلك كثير من المؤرخين المعاصرين مسألة زوال الكيان المرتقب أيضا لأسباب داخلية، لا سيما مع الخلافات السياسية التي عصفت بالكيان مؤخرا، ولا تزال تلقي بظلالها على الوضع الداخلي، ويسجل مراقبون أن نتنياهو يهرب من تلك الخلافات إلى الاستمرار في الحرب الطويلة، ليقدم نفسه لليهود كقائد منقذ، ودائما ما يحدثهم عن الخطر الوجودي الذي يتهددهم، وبهذا الخطاب يكتسب الكثير من التأييد الداخلي الصهيوني، لكنه على كل حال تأييد موضعي، بمعنى أنه متربط فقط بحالة المواجهة للمقاومة في غزة، أو في لبنان، ولا ينسحب التأييد على بقية الملفات الداخلية، الأمر الذي يترك الباب على مصراعيه للخلافات الداخلية، بل ربما تكون أكثر عمقا، وأكثر حدة وتأثيرا في حال توقف الحرب، لا سيما إن كانت صيغة وقف إطلاق النار، تتضمن بنودا تثبت حق المقاومة في غزة أو لبنان في مطالبها، وهو الأمر الواضح حتى هذه اللحظة، إذ لا يبدو جيش العدو قادرا على الحسم، بالطريقة التي تعطي نتنياهو نصرا مطلقا.
الزوال بفعل خارجي:
طوفان الأقصى وجه ضربة قوية للكيان هزت وجوده، وعرضته للزوال ، لولا التدخل الغربي، والأمريكي خصوصا، والدعم الذي حصل عليه الكيان بشكل غير محدود، ساهم في حماية الكيان من السقوط، وقد عبر عن ذلك الرئيس الأمريكي جوبايدن، أثنا حملته الانتخابية ومناظرته مع ترامب، وسباقهما ومنافستهما في دعم الكيان، وإظهار الدعم الكامل له، حتى قال : “لقد منعت انهيار إسرائيل، وحيمتها من السقوط”، في تعبير واضح عن حالة الكيان مع طوفان الأقصى، وعليه فإن وقف الدعم الامريكي والغربي للكيان يعني حتما زوال “إسرائيل”، التي لا تقوى على البقاء دون الدعم الخارجي.
إن مرور عام على طوفان الأقصى لا يعني بأي حال من الأحوال أن الكيان قد تجاوز خطر السقوط، بل من الواضح أنه لا يزال يعاني من هذا الخطر، الذي تعبر عنه تصريحات قادة الكيان عن الحرب الوجودية، ورفض وقف إطلاق النار، لأنه ببساطة يعني هزيمة “إسرائيل”.
هذا الشعور المدعوم بمآلات العدوان الإسرائيلي على غزة، على مدى عام كامل، وعودة المقاومة إلى شمال غزة، ونقل جيوش العدو الإسرائيلي لفرقه العسكرية من الجنوب إلى الشمال، مرة أخرى، ومحاولة حصار مخيم جباليا، كما تثبت عودة الصواريخ إلى “تل أبيب” ومستوطنات ما يسمى غلاف غزة، أن المقاومة فعلا لا تزال بخير، وأن أهداف نتنياهو من الحرب لم يتحقق أي منها.
الأسبوع الماضي نشرت وسائل إعلام صهيونية استطلاعا للرأي داخل الكيان، وكان 61 بالمائة لا يشعرون بالأمان في الكيان، و86 بالمائة غير مستعدين للعيش بالمستوطنات ما يسمى غلاف غزة، بعد انتهاء الحرب، 41 بالمائة يقولون إن ثقتهم بالجيش الصهيوني تضررت، فيما 35 بالمائة يعتقدون أن الكيان خسر الحرب مع حماس.
وهذه الأرقام توضح أن مستقبل الكيان في مهب الريح، وأن ما يقوم به نتنياهو المجرم ما هو إلا محاولات لإقناع المستوطنين بالأمن، بعد استشهاد قادة المقاومة، في غزة ولبنان لا سيما باستشهاد نصر الله، الذي جعل منه المجرم النتن بداية لمرحلة جديدة لتغيير المنطقة، وهي مرحلة لا مكان لها إلا في أوهامه.
إن مغامرات الكيان وقادته المجرمين، بتوسيع نطاق الحرب والعدوان ليشمل جبهات متعددة، كفيلة بإسقاط الكيان، وإشعال المنطقة والإقليم بالحرب، لن يكون إلا سببا في زواله، وما أكدته الضربة الصاروخية الإيرانية، الوعد الصادق 2، إلا رأس جبل الثلج، لو تدحرجت لمسحت الكيان عن بكرة أبيه.
التصعيد في لبنان ومعادلات نصر الله:
دخل حزب الله في عمليات إسناد المقاومة في غزة، على مدى عام كامل، وطرد سكان المستوطنات شمال فلسطين المحتلة، وأرهق العدو الاسرائيلي، وعطل الحياة شمالا، كما أدخل الكيان في حالة استنزاف طويلة، قبل أن ينفذ معادلات حساسة لإيلام العدو الاسرائيلي، إلى أن جاءت جريمة البيجرات، واغتيال قادة حزب الله، وصولا إلى السيد نصرالله، رضوان الله عليه، ما بعث حالة من النشوة لدى مجرمي الكيان، للدخول في حرب مباشرة وتصعيد بري مع لبنان.
توقفت عمليات حزب الله على الخط الذي كان مرسوما قبل استشهاد أمينه العام، كما أكد على ذلك نائبه الشيخ نعيم قاسم، في خطابيه الأول والثاني، لينتقل العمل العسكري محلة إيلام العدو كما سماها سماحة الشيخ قاسم، في خطابه الثالث، وهي مرحلة كما شرحها في خطابه، تشمل وصول الصواريخ إلى كل الشمال، وحيفا وما بعد بعد حيفا، هناك في غوش دان، عمق الكيان، إلا أنها حتى هذه اللحظة لم تصل بعد إلى مرحلة المعادلة الحجرية، إن صحت تسميتها ، والتي تحدث عنها سماحة أمين عام حزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه.
هذه المعادلة التي أشار إليها في مقابلة مع قناة المنار، وهو يحمل خريطة فلسطين المحتلة، ويشير بإصبعه الشريفة على أهم مناطق الكيان، بمساحة تقارب 1200كم مربع ، تضم أهم المنشئات الحكومية والاقتصادية للكيان:
“من ناتنيا إلى أشدود بعمق عشرين كلم وطول 60 إلى 70 كلم. ماذا يوجد هنا من أهداف؟
أولاً جزء كبير من المستوطنين الإسرائيليين موجود في هذه المنطقة، النصف أو أكثر بقليل بحسب الإحصائيات… يوجد في قلب هذا المستطيل كل مراكز الدولة الأساسية، الحكومة ومراكز المكاتب “الحكومية” ووزارة “الحرب” وقيادة “الجيش” ورئاسة “الأركان” ومطار “بن غوريون” الدولي ومطارات داخلية وقواعد “سلاح الجو” ومنشآت عسكرية تحوي أسلحة غير تقليدية، ولديهم أيضاً مصانع بتروكيماويات ومصانع نووية، وأيضاً ميناء “تل أبيب” وأشدود، ومراكز الصناعات العسكرية، وتجمعات الصناعات المدنية، والمراكز التجارية الأساسية، والمراكز المالية الرئيسية “بورصة إسرائيل”، ومحطات إنتاج الكهرباء الأساسية ومحطات تحويل الكهرباء الرئيسية، ومحطات استقبال وضخ الغاز، ومحطات معالجة وتحلية المياه، 90 بالمئة من المراكز الأساسية للكيان موجودة هنا، وأيضًا مصافي تكرير النفط وحاويات النفط كلها موجود في هذه المنطقة”.
المهم في هذه المقابلة، أنها لم تكن مجرد حرب نفسية، ولا عملية ردع فقط، بل كانت أبعد من ذلك، لأن العدو الإسرائيلي حينها كان يهدد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، فقال السيد نصرالله، إن العصر الحجري هو استهداف تلك الأهداف في عمق الكيان، والأهم، أن القدرة العسكرية لحزب الله كانت حينها جاهزة: “ونحن لسنا مضطرين لتوزيع صواريخنا إلى الجنوب جنوب فلسطين ولا أي أماكن أخرى، يتكفل بالشمال نوع من الصواريخ، وبقية الصواريخ بدل أن نستنفذها في الشمال نذهب بها إلى هذا الشريط الساحلي. هل يستطيع الكيان أن يصمد ويتحمل؟ هنا العصر الحجري، من سيرجع الآخر إلى العصر الحجري؟”.
بهذه الأسئلة الواضحة نختم النص المقتبس من تلك المقابلة التاريخية، لنعود إلى ما يجري اليوم، عندما تحدث السيد نصرالله، كان حينها يتحدث عن جبهة حزب الله فقط، ولم يكن في باله، على ما يبدو، أن تكون غزة في قلب المعركة، ويكون الكيان وجيشه في حالة من الاستنزاف، والانهاك، ولم يكن مطروحا حرب متعددة الساحات، لا من اليمن ولا العراق، ولا حتى إيران، واليوم كل المعطيات تقول إن الأمر بالنسبة للكيان هو في أسوأ حالة، والمقاومة لم تعد مجرد حزب الله، بل هي محور متكامل بوحدة الساحات.
الخلاصة:
إن زوال الكيان، ليس مجرد فكرة، بل هو شعور عميق لدى مجتمع وقادة الكيان، ومع مرور الزمن تترسخ كحقيقة ثابتة لا تقبل التغيير، وتصرفات الكيان، وتهور قادته، كلها تقود إلى النهاية المحتومة، فتعدد الجبهات التي تواجه الكيان، من غزة ولبنان واليمن والعراق وإيران، والخلافات الداخلية، وعدم قدرة الكيان على تحمل الحروب الطويلة، ونتيجة عوامل أخرى ، وبدرجات متفاوتة، لكنها جميعا تصب في خانة العد العكسي لزوال الكيان المجرم، ولن تنفعه واشنطن ولندن، عندما يحين أمر الله، الذي يرونه بعيدا ونراه قريبا.