“التهديد القادم من الشرق” معضلة صهيونية لا حل لها

 

موقع أنصار الله . تقرير | إسماعيل المحاقري

في اليمن كما في غزة ولبنان، لم يغيّر العدو الإسرائيلي سياسته العدوانية، ولا أساليب تدمير البنى التحتية المدنية التي تتسق مع خصائص جرائم الحرب ضد الإنسانية؛ في محاولة لتأليب الشارع اليمني ضد قيادته وقرار الوقوف مع الشعب الفلسطيني، وهو ما لم ينجح ولن ينجح بأي حال؛ لجهل هذا العدو بمركزية القضية الفلسطينية ومكانتها في الوجدان اليمني، وواجب الدفاع عن الأقصى والمقدسات الذي ينطلق فيه اليمنيون من مبادئ وقيم دينية وإنسانية تحت قاعدة “أن تكون إنساناً وأن تكون مسلماً وعربياً يجب أن تقف مع غزة”.

لا أحد ينكر حقيقة الدعم الأمريكي الغربي اللامحدود لكيان العدو الإسرائيلي ومستوى إمكانات هذا الكيان وداعميه العسكرية وكذلك التكنلوجية، رغم ذلك فكل محاولات فرض معادلة الردع لإعاقة اليمن عن نصرة غزة فشلت، ولن تتحقق مهما كانت التحديات والإغراءات، وهذا هو الموقف الرسمي المعلن المدعوم بمسيرات مليونية أسبوعية في عموم المحافظات. وعلى نقيض أوهام الصهاينة صنعت الصواريخ والمسيرات اليمنية بعملياتها شبه اليومية -منذ بداية الشهر الحالي- على “تل أبيب” معادلة رعب في أوساط المستوطنين لتعزز بذلك حقيقة سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على “مبادئ الردع والإنذار المبكر والقدرة على الحسم”.

الصمود والقدرات اليمنية يحطمان “الردع” الصهيوني

إذا كان العدو الإسرائيلي يبحث عن تحقيق النصر المطلق من جرائم حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة فهو يبحث عن تحقيق الردع لإخماد جبهة الإسناد الفاعلة من خلال قصف الأهداف المدنية في اليمن، وهو ما فشل في تحقيقه وتكريسه حتى مع الإعلان عن الذهاب إلى معركة أوسع ضد من يسمونهم “الحوثيين” بالتنسيق الكامل والتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى في المنطقة، والتناوب على قصف المقصوف نظراً لصعوبة الهجوم عن بُعد بتكرار عالٍ.

التوقعات الصهيونية -وكذلك الأمريكية- تشير إلى أن المعركة ضد اليمن مكلفة ومحفوفة بالمخاطر، وستكون طويلة الأمد. ومع زيادة الضربات اليمنية في البحر، فإن استعادة ثقة كبريات شركات الملاحة الدولية ضرب من المستحيل، والأثر من ضربات العمق الصهيوني يتجاوز حالة القلق والخوف الدائمة لدى المستوطنين إلى التأثير على الرحلات الجوية في “مطار بن غوريون”، إذا قررت شركات الطيران الأجنبية التوقف عن الرحلات أو قررت عدم استئناف الرحلات إلى “تل أبيب”، وهو ما قد ينتهي إلى تثبيت معادلات جديدة لصالح اليمن (المطار بالمطار والميناء بالميناء).

 

الاستعانة بـ”ثاد” الأمريكية يؤكد
سقوط “مبدأ الحماية والإنذار المبكر”

في الأسابيع الأولى من العدوان على غزة كانت الحاجة الصهيونية للتدخل الأمريكي المباشر ضرورية في المسرح البحري لرفع الحصار اليمني عن الموانئ المحتلة وحماية سلاسل إمدادات العدو التجارية. وفي ظل الفشل في توفير الحماية المنشودة ومع ارتفاع معدل القصف على “تل أبيب” أضحت الحاجة لهذا التدخل أكثر من ضرورية لتوفير الأمن لملايين من المستوطنين الذين يتزاحمون ليل نهار أمام بوابات الملاجئ خوفا من الصواريخ والمسيرات اليمنية.

ونظرا للإخفاق المتكرر للدفاعات الجوية الإسرائيلية متعددة الطبقات في اعتراض المسيرات والصواريخ فرط صوتية؛ تم الإعلان عن تفعيل نظام الدفاع الجوي الأمريكي “THAAD”، لأول مرة في اعتراض صاروخ أطلق من اليمن على الكيان الصهيوني.

ونظام “THAAD” هو نظام دفاع جوي متقدم تم تطويره بواسطة شركة لوكهيد مارتن لصالح وزارة الحرب الأمريكية لاعتراض الصواريخ الباليستية في المرحلة النهائية من رحلتها، أي عندما تكون في طريقها إلى الهدف. وما يميز النظام الأمريكي على الورق هو قدرته على العمل داخل الغلاف الجوي وخارجه، لكن هذه الميزة لم تكن مقنعة وذات جدوى في أدائها العملياتي في الأراضي السعودية حتى تحل معضلة الصهاينة، إذ تعرضت المنشآت النفطية الأكثر حيوية في العالم لضربات أدت في “خريص وبقيق” إلى وقف نصف إنتاج المملكة من النفط، وهو ما أحدث اضطرابا في سوق الطاقة العالمية.

مبدأ “القدرة على الحسم” بعيد المنال في اليمن

 

ما أقره الأمريكي من صعوبة التأثير على اليمنيين وفشل قوى الغرب في الحد من قدراتهم يصدقه الإسرائيلي، ويتعاطى معه، مع الاعتراف بالتطور اليمني التكنلوجي في ما يخص الصواريخ والمسيرات واختلاف التهديد اليمني عن أي تهديد آخر.

 وفي حديث الخبراء العسكريين الصهاينة في عدد من القنوات والصحف العبرية ما يؤكد حقيقة عدم قدرة “تل أبيب” على الحسم في اليمن، وأن عمليات القصف اليومية تذكّر بأن القضية كلها بعيدة عن أن تنتهي.

يدرك العدو الإسرائيلي أيضا أن التضاريس الجغرافية تخدم اليمن، لذلك فهو لا يفكر -بالمطلق- بتحريك جيوشه لاحتلال منطقة هنا أو هناك، فتعقيدات الجغرافيا أفشلت تحالف العدوان السعودي الأمريكي على مدى عقد من الزمن، وأسقطت امبراطوريات على امتداد التاريخ، وفي حرب الصواريخ والمسيرات طوّع الإنسان اليمني هذه الجغرافيا لتكون عامل تحصين مثالي عبر حفر الأنفاق في بطون الجبال؛ ليتم استخدامها مواقعَ لتصنيع الأسلحة وتخزينها بعيدا عن قدرة العدو على استهدافها.

حرب السنوات الماضية استفاد منها المقاتل اليمني في فهم استراتيجيات المواجهة وتكتيكات المناورة والتخفي واستخدام الأسلحة عابرة الحدود، مع العلم أن المواجهة كانت أصعب لناحية الأعداد الكبيرة لأسراب طائرات تحالف العدوان السعودي الأمريكي من السعودية والإمارات والمغرب وغيرها من الدول، ولناحية قرب المسافة حيث لا يستغرق وصول الطيران الحربي من القواعد السعودية إلى الأجواء اليمنية سوى ربع ساعة بخلاف الوقت الذي تحتاجه طائرات العدو الإسرائيلي والجهد المضاعف لشن غارات محدودة رغم مشاركة 100 طائرة معادية، وهذا ما يمكن استنتاجه من العدوان الدعائي الأخير.

التركيز على تصنيع أنواع محددة من الأسلحة كالمسيّرات والصواريخ المجنحة والبالستية -بما فيها الصواريخ فرط صوتية- يؤكد وجود أدمغة يمنية قادرة على تطويع التكنولوجيا بما يلبي احتياجات الميدان ويواكب التطورات التي تضمن كسر تفوق الأعداء.

قد يعجبك ايضا