احتمالات وقف الحرب في غزة وتأثيراته على اليمن
موقع أنصار الله . تحليل | أنس القاضي
465 يوماً من الصمود الفلسطيني منقطع النظير، رغم المجازر الصهيونية حتى هذا اليوم ارتفعت حصيلة حرب الإبادة إلى 46 ألفاً و584 شهيداً، و109 آلاف و731 جريحاً.
برغم هذه المجازر، وقيام سلاح الجو الصهيوني بمحو مدن من غزة وتسويتها بالتراب، وعبور جنازير الدبابات الإسرائيلية على كل بوصة في تراب قطاع غزة إلا ان المقاومة مستمرة، وفي هذا اليوم 13 كانون الثاني يناير 2025م لاتزال المقاومة الفلسطينية صامدة، وفي هذا اليوم أعلن العدو عن مقتل 5 من جنوده في القطاع. فيما لايزال الإسناد اليمني مستمراً ففي مساء هذا اليوم أعلنت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عمليتين عسكريتين بصواريخ ومسيرات استهدفت مواقع حيوية إسرائيلية في منطقة يافا.
الصمود العسكري الفلسطيني واستمرار المقاومة الفلسطينية في استهداف العدو، وإعادة فصائل المقاومة الفلسطينية جميعها، أعادت تجنيد الشباب وصناعة الأسلحة، وإطلاق الصواريخ على مستوطنات “غلاف غزة” وعلى المستوطنات في القدس، وعجز العدو عن استعادة أسراه، هذا الواقع الملحمي الفلسطيني الذي صنعته المقاومة الفلسطينية، هو من سوف يصنع السلام في غزة، والاسناد اليمني المستمر والمتصاعد الضاغط على العدو، وهو ما يدفع العدو إلى المفاوضات مع المقاومة، ومن البديهي لو كان قادراً على تحقيق أهدافه ما دخل المفاوضات أصلاً وهذه من بديهيات العلوم السياسية.
تشير معظم التصريحات الفلسطينية والصهيونية والأمريكية والتسريبات الإعلامية اليوم إلى تقدم كبير في المفاوضات غير المباشرة التي تجري في الدوحة بين المقاومة الفلسطينية والجانب الصهيوني، كما ظهرت اليوم تأكيدات من الأطراف الوسطاء (قطر، مصر، والولايات المتحدة)، وتصريحات مصادر مسؤولة وشخصيات رسمية خلال اليومين الماضيين، على أن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة بات وشيكاً، قبل صعود الإدارة الأمريكية الجديدة في العشرين من هذا الشهر.
لكن الاتفاق يواجه عراقيل داخلية في الجانب الإسرائيلي في أوساط الحكومة وفي أوساط “الكنيست” من القوى الأشد تطرفاً داخل النخبة الصهيونية المتطرفة في طبيعتها، نجاح الاتفاق سيكون له تأثير مباشر على تهدئة الأوضاع الإقليمية، بما في ذلك في البحر الأحمر، مما قد يعزز مساعي السلام في اليمن؛ فحرب الإبادة الصهيونية في غزة هي مصدر التوترات الأمنية في المنطقة من أكتوبر 2023م.
رغم التفاؤل يبقى الاتفاق مرهوناً بتجاوز العقبات الأخيرة التي تتعلق بشروط “إسرائيل” وضغوط المعارضة الداخلية، مما يجعل احتمالات التوصل إلى اتفاق خلال الأيام القليلة القادمة مرتفعة، لكنها ليست مضمونة بالكامل.
تم تجاوز شروط “إسرائيل” التعجيزية بشأن التواجد العسكري الصهيوني داخل غزة ومحور فيلادلفيا، وقد أبدت المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس تصلباً قوياً ونجحت في فرض شروطها إذ أصرّت على تنفيذ دقيق لاتفاق 27 أيار/مايو، وبإشراف الوسطاء.
تفاصيل الاتفاق
- إطلاق سراح 34 رهينة إسرائيلياً في المرحلة الأولى مقابل وقف إطلاق النار لمدة شهر ونصف.
- الإفراج عن نحو ألف أسير فلسطيني على مراحل.
- التزام أمريكي بمتابعة تنفيذ الاتفاق وضمان وقف إطلاق النار.
- استمرار المفاوضات بشأن مراحل أخرى من الاتفاق، بما في ذلك تسليم باقي الرهائن. والانسحاب الإسرائيلي من غزة.
المعارضة الإسرائيلية الداخلية؛ فوزراء مثل سموتريتش يعارضون الاتفاق، معتبرين أنه يمثل استسلاماً لإسرائيل.
وضعت المعارضة الصهيونية خطوط حمراء من بينها إبقاء القوات الإسرائيلية على معبر رفح، وعدم انسحابها من شمال القطاع، وضمان إطلاق جميع الرهائن دفعة واحدة، وإذا استمرت الخلافات داخل القيادة الإسرائيلية فربما ينهار الاتفاق، أو قد ينهار لاحقاً عند تفسير التفاصيل كما حدث في المرة الأولى 2023م
توقيع الاتفاق سيخفف التوترات الإقليمية ويقلل من التصعيد بين القوات المسلحة اليمنية والبحرية المعادية الأمريكية والبريطانية، بحسب تعهدات القوات المسلحة اليمنية، إلا أن أمريكا وبريطانيا لم تصرحا عن مستقبل تحالفهما العدواني “حارس الازدهار” بعد وقف الحرب في غزة ووقف عمليات الإسناد اليمنية، افتراض أن هذا التحالف جاء لوقف الهجمات اليمنية يعني بديهيا أنه سوف يتلاشى بمجرد توقف العمليات اليمنية ولن يكون هناك غارات أمريكية بريطانية جديدة.
لكن المرجح هو العودة الأمريكية إلى مشروع “الناتو العربي” في المنطقة والبحر الأحمر، أي بناء تحالف أمني يضم دول الخليج ودول البحر الأحمر – ومن المحتمل أن يشارك فيه الكيان- مثل هذا التحالف سيكون من الأولويات الأمريكية المقبلة، وتوقف الحرب في غزة سوف يرفع الحرج عن الدول المشاطئة للبحر الأحمر من الانخراط في تحالف كهذا، فهذه الدول المشاطئة وفي مقدمتها السعودية ومصر تجنبت الانخراط في التحالف الأمريكي البريطاني ” حارس الازدهار” ضد اليمن التي برزت أمام شعوب العالم العربي والإسلامي الطرق الوحيد الذي قاتل لوقف حرب الإبادة في غزة، الدور المشرف الذي يحظى بتقدير أحرار العالم.
على المستوى السياسي اليمني من شأن تهدئة الأوضاع في غزة أن تعيد تركيز الأطراف الدولية على ملف اليمن، مما ينعش مسار المفاوضات المتعثر، فالسعودية تزعم أن وقف المضي في اتفاق خارطة الطريق هي الضغوطات الأمريكية بسبب العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر، وبتوقف هذه العمليات ستجد السعودية نفسها في وضع حرج إما المضي في الاتفاق أو الظهور بموقف الرافض للسلام، ومع عودة ترامب والمتغيرات الإقليمية فإن خيالات إسقاط السلطة الوطنية في صنعاء وضرب القوات المسلحة اليمنية تداعب خيالات المملكة وهي تحاول الموازنة بين خيالاتها ورغباتها هذه وبين مخاطر تفجر الحرب مع اليمن مجدداً، خصوصاً مع ما أظهرته اليمن من قوة عسكرية في معركة طوفان الأقصى.
السعودية التي سوف تسعى عقب وقف الحرب في غزة إلى التطبيع مع الكيان، ربما تجد نفسها مضطرة للسلام مع اليمن، ليأتي التطبيع وهناك اتفاق سلام مع اليمن!