عام على حشر اليمن لأمريكا في الزاوية الحرجة
موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي
في حاصل ما أفرزت عنه المعركة اليمنية البحرية التي أدركها العالم بأسره ولمس معطياتها ونتائجها، ووفق المعرفة المسبقة لطبيعة الحُمق الأمريكي التي تتعاطى بنزعة استحواذية مهيمنة على تركيبتها المنحرفة منذ نشوئها، فإن العالم يبدو مهيأ اليوم أكثر من أي وقت مضى للتغيير. ولم يعد مستغربا أن يصحو العالم في صباحاته بغير السيطرة الأمريكية على كل المفاصل والتفاصيل، وعلى الحسابات المعتملة في رؤوس السلطة وتمنعهم عن اتخاذ أي قرارات ذات بعد استراتيجي سواء داخلي أو خارجي، فالمعركة والمواجهة هذه المرّة مع ثلاثي الشر جاءت على غير هوى البيت الأبيض، وعلى غير مخطط مجلس القيادة الفعلية في الدولة الأمريكية العميقة، كشفت المواجهة عن كذبة القوة الأمريكية، فما إن تجرأت إدارة بايدن على إسناد الكيان الصهيوني لقتل الفلسطينيين حتى أشعل اليمن فتيل معركته المُنتظرة منذ سنوات من أجل الردع ولجم بلطجة واشنطن تجاه العالم، وينبغي لفت الانتباه إلى اليمن كما اعتادت لم تكن لتباشر عملية الإسناد إلا بعد تحذيرات كررها السيد القائد غير مرة، كان منها تحذير للكائن الأمريكي بأن تدخله لن يقابله هذه المرّة صمت وسلبية، وإنما دخول مباشر للسلاح اليمني بأكثر من شكل وتكتيك، وهو ما كان، وصدم الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني وباقي الكائنات الضارة على البشرية.
القوات اليمنية تهزم المؤامرات
دخل اليمن المعركة وقدم نموذجا راقيا بكل المقاييس لمفهوم الإرادة والثبات على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، وقبل ذلك وبعد، على صدق الإيمان، الذي يَفْترِض على المؤمنين أن يكونوا مشاريع شهداء حين يتعلق الأمر بالدين وبنجدة المستضعفين. واليوم يقف أعداء الأمة الإسلامية في “حيص بيص”، كل المشاريع والمؤامرات التي تحطمت وانهارت أمام النموذج اليمني، أو لنقل تأجلت إلى أمد غير معلوم، ولا سبيل إليه إلا بإبادة الشعب اليمني بكل ملايينه ولا استثناء حتى لطفل لأنه سيكون بداية لمرحلة قادمة من العزة والرفض لعربدة كائنات لا عقيدة لها إلا المصالح.
هذه الحقيقة تجلّت بوضوح خلال عام من الصفعات التي نجحت بتوجيهها القوات المسلحة. وما إن الفشل الأمريكي والإسرائيلي في ردّها، حتى باتت الدهاليز والأروقة وثنايا المؤسسات العسكرية والسياسية الأمريكية لا شاغل لها إلا كيفية إسكات صوت السلاح اليمني إلى الأبد. يُقر وزير البحرية الأمريكية بالخسائر المكلِّفة لبلاده من الذخائر في معركتها في البحر الأحمر.
ويقول الوزير الأمريكي: “نواجه فجوة حقيقية في الوجود في البحر الأحمر بسبب حاجة السفن الحربية للمغادرة وإعادة التسليح”، موضحا أن مغادرة المدمرات منطقة العمليات في البحر الأحمر لإعادة تسليح الصواريخ تمثل تحدياً حقيقياً يُضعف الوجود العسكري الأمريكي. في هذا السياق ايضا، يفيد موقع “ذا وار زون” (The war zone ) العسكري الأمريكي بأن الهجمات اليمنية شبه اليومية على السفن الحربية في البحر الأحمر، رفعت من الضغط على مخزون الذخائر، مبينا أن السفن الحربية الأمريكية تضطر للسفر لمسافات طويلة تصل إلى 2500 ميل لإعادة التسلح، حسب الموقع الأمريكي الذي كشف نقلا عن قائد القوات البحرية “السطحية،” نائب الأدميرال بريندان ماكلين، عن إنفاق غير مسبوق للذخيرة، وهو ما ورد خلال المؤتمر السنوي لجمعية البحرية السطحية يوم الثلاثاء”.
خسائر أمريكية فادحة
كبّدت الغطرسة والغرور أمريكا خسائر كبيرة معلنة، في مواجهة الهجمات اليمنية، وحسب البيانات الأمريكية، “أطلق الأسطول السطحي التابع للبحرية الأمريكية ما يقرب 400 ذخيرة فردية أثناء قتال الحوثيين في البحر الأحمر على مدار الأشهر الخمسة عشر الماضية”.
وأضاف أن ذلك يشمل “إطلاق 120 صاروخاً من طراز (إس إم-2)، و80 صاروخاً من طراز (إس إم -6)، و160 طلقة من مدافع المدمرات والطرادات الرئيسية مقاس خمس بوصات، بالإضافة إلى 20 صاروخاً من طراز (إي إس إس إم) وصواريخ (إس إم-3)”.
وتبلغ تكلفة الصاروخ الواحد من طراز (إس إم-2) أكثر من 2.3 مليون دولار، وهذا يعني أن البحرية الأمريكية أنفقت أكثر من 276 مليون دولار قيمة 120 صاروخاً من هذا النوع، بحسب ما هو معلن.
فيما تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد من نوع (إس إم-6) أكثر من 4.3 مليون دولار، وهو ما يعني أن البحرية الأمريكية أنفقت أكثر من 344 مليون دولار قيمة 80 صاروخاً من هذا النوع تم استخدامها في البحر الأحمر.
بحسب البيانات أيضا فإن تكلفة صاروخ (إي إس إس إم) تبلغ قرابة 1.8 مليون دولار، وهو ما يعني أن البحرية الأمريكية أنفقت قرابة 36 مليون دولار قيمة 20 صاروخاً من هذا النوع تم استخدامها في البحر الأحمر.
أما صواريخ (إس إم-3) فوفقاً للبيانات تُعدّ الفئة الأكثر تكلفة من بين مختلف الذخائر الدفاعية التي تم الكشف عن استخدامها، ويوجد منها نوعان، الأول تبلغ تكلفته أكثر من 36 مليون دولار للصاروخ الواحد، والثاني أكثر من 11.8 مليون دولار للصاروخ الواحد، ولم يذكر التقرير عدد الصواريخ التي استخدمتها البحرية الأمريكية من هذا النوع في البحر الأحمر.
ورغم أن هذه الأرقام رسمية، إلا أن وزير البحرية الأمريكية كان قد تجاوز هذه الأرقام بكثير لجهة التكلفة، إذ أعلن في أبريل الماضي، عن أنه تم -حتى ذاك الحين- استخدام ذخائر دفاعية بما لا يقل عن مليار دولار.
اليمن يفضح كذبة العدو
أما العدو الاسرائيلي فقد سلّم بما يمثله اليمن من خطورة على وجوده، متيقنا بأن هذا الخطر قابل للتطور وذلك وفقا لملامسته المسار التصاعدي للقدرات اليمنية أكان لجهة السلاح أو التكتيك. وتُظهر التصريحات والتقارير الإسرائيلية قناعة تامة بأن السلاح اليمني من الصعب إيقافه، فضلا عن أنه قد تسبب في فضيحة مزلزلة للمنظومات الدفاعية التي كلفتهم المليارات من الدولارات، لكنها لم تحقق لهم الردع المطلوب.
في السياق، تقول صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية: “لا يزال اليمنيون موجودين، لقد أثبتوا أن لديهم صواريخ وطائرات مُسيّرة تصل إلى “إسرائيل” وتضرب، وتسببت فعلا بخسائر فادحة، ولا ينبغي أن نعتقد أنهم سيتوقفون عن تطوير قدراتهم”.
ذات الصحيفة أيضا قالت: “اليمنيون يُجرون تدريبات تحاكي الاستيلاء على المستوطنات الإسرائيلية ويتعلمون استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة”،
وعبّرت الصحيفة صراحة عن صدمة الكيان من رسائل هذه التدريبات من قبل الجيش اليمني، وقالت: “قد يبدو غريبًا أن تقوم دولة تبعد عنا أكثر من 2000 كيلومتر بتدريبات شبيهة بالاستيلاء على المستوطنات، لكن من المؤكد أن هذا ليس أمرًا ينبغي تجاهله.”
وفي 10 يناير/كانون الثاني الجاري زعم “الجيش” الإسرائيلي -في بيان- أنه اعترض نحو 40 صاروخا و320 مسيّرة من اليمن منذ بدء الحرب على غزة، لكنه تحاشى الخوض في حجم السلاح الذي وصل إلى عُمق كيانه وأخرج الملايين من مستوطنيه إلى الملاجئ والمخابئ.
والخميس الماضي 16 الشهر، ذكر السيد القائد عبدالملك الحوثي أن القوات المسلحة أطلقت 1255 ما بين صواريخ باليستية ومجنحة وفرط صوتية وطائرات مسيرة، علاوة على الزوارق الحربية والتي جاءت في ظل ظروف صعبة جداً يعيشها شعبنا العزيز على مستوى الإمكانات والوضع الاقتصادي… وأكد السيد القائد أن العمليات العسكرية اليمنية كان لها تأثيرها الكبير على العدو على نحو واسع، من ذلك حالة الرعب والخوف الكبير الذي شمل الصهاينة في مختلف المناطق المحتلة وتعطيل ميناء ام الرشراش.
وقال السيد “كان لعملياتنا تأثيرها الكبير على العدو على نحو واسع، من ذلك حالة الرعب والخوف الكبير الذي شمل الصهاينة في مختلف المناطق المحتلة، عملياتنا أثّرت على حركة الطيران إلى مطار “بن غوريون” وبشكل متكرر ما أدى إلى عزوف كثير من الشركات عن العودة إلى العمل، العلميات اليمنية أثرت على الوضع الاقتصادي للعدو الإسرائيلي وهذا واضح باعترافهم”..
بريطانيا ليست بأفضل حال
لدى التابع البريطاني، لم يكن الأمر خلال عام من المعركة اليمنية المساندة لغزة بأفضل حال، إذ تتواتر التقارير البريطانية والأوروبية المؤكدة على البروز اليمني بشكل فاق التصورات بعد سنوات من استهداف قدراته وحصاره. تقول مجلة الإيكونوميست البريطانية “اليمنيون متطورون بشكل مدهش ويستكشفون تكنولوجيا الأسلحة الجديدة”، وتشير المجلة في تحقيق صحفي إلى التراجع الكبير في عدد السفن المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر والازدياد في عدد السفن الصينية، وتؤكد ان الشركات الأمريكية والبريطانية تواجه أقساط تأمين تصل إلى 2٪ من قيمة السفينة.
المجلة أيضا أوضحت بأن أحجام الشحن من باب المندب قد انخفضت إلى الثلثين، وتم تغيير الجنسية للسفن.
وذكرت شركة التأمين السويدية للمجلة أن أسعار التأمين في البحر الأحمر ارتفعت بمقدار 20 ضعفا.
الهوية الإيمانية في مواجهة أعتى الشياطين
لأن الهوية إيمانية، ولأن العقيدة إيمانية، والمذهب والمنهج إيماني لا تتنازعه رغبات وطموحات ضيقة، جاءت تلبية الشعب اليمني لنداء الشعب الفلسطيني بمستوى المخاطر التي صنعها “جيش” النتتياهو، فشهد التوجه العملي لنجدة الفلسطينيين قفزات يمنية استثنائية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، إذ قفز فوق فَقْره وفوق آلامِه، وكان في مستوى المسؤولية ومستوى الإيمان.
لهذا السبب كان على كتيبة الأعداء والمنافقين بقيادة البلطجي الأمريكي أن يدركوا بأن من يحملون ويرددون شعار (هيهات منا الذلة)، من المستحيل إخضاعهم أو تمرير أي مخطط عليهم، أو إجبارهم على تغيير مبادئهم وقيمهم. والتحرك اليمني جاء انعكاسا طبيعيا للهوية الإيمانية، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية بردع أمريكا وقوى الشر، جاء نتيجةً طبيعية ومصداقا لوعد الله سبحانه وتعالى ناصر المستضعفين. إذ تحرك الجيش اليمني بالله ومع الله وواجه أعتى شياطين العالم انتصارا لمظلومية الفلسطينيين وإعلاءً لقيم الإسلام. لذلك كان دائما إرجاع النصر إلى الله اعترافا بأن النصر فقط منه سبحانه، كما كان التأكيد دائما بأنه (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، اعترافا بفضله سبحانه. الهوية الإيمانية تقوم على هذا التسليم المطلق.
الله سبحانه، ليس قبله ولا بعده شيء، جعل طريق بلوغ الحاجات سهلا وميسرا، ولا يفترض إلا تطويع النفس لمتطلبات الهداية والعمل بها، ثم جعْل كل عمل لوجه الله، وتقربا منه وإليه سبحانه، وهو ما يفترِض إخلاص النيّة. يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه: النية نفسها مهمة جداً, هي قصدك وأنت تتحرك في مختلف ميادين العبادة لله سبحانه وتعالى, توجهك، هي النية التي تجعل لعملك قيمة أو تجعله لا قيمة له حتى وإن سقطت ضحية في الميدان، وليست تلك النية التي تجعل كل قطرة من دمك تتحول إلى مسك يوم تبعث بين يدي الله, إذا لم تكن نيتك هي النية التي تجعل روحك تعيش في عالم آخر حيا فستكون أعمالك كلها لا قيمة لها، بذلك كله لا قيمة له، تضحياتك كلها لا قيمة لها.
السيد القائد: موقفنا مبدئي
بهذا الامتثال كان تحرك قواتنا المسلحة، مسنودا بموقف شعبي واحد، على استعداد للتضحية بكل ما يملك في سبيل الانتصار للمستضعفين الفلسطينيين، انطلاقا من هذه الهوية الإيمانية التي تأبى عليهم ان يَنظَمّوا الى مدرّحات المشاهدة والتعبير عن الأسف لا غير كحال بقية الدول العربية، ولذلك من الصعب إيقافهم عن توجههم المبدئي حتى وإن استمر العدو أو صعّد في استهداف الأعيان المدنية في اليمن.
يؤكد السيد القائد عبدالملك الحوثي أن العدو يعترف بأن عدوانه على بلدنا لن يردعنا ولن ينهي حرب الاستنزاف، وهناك اعترافات إسرائيلية بأن العدوان على بلدنا الخميس قبل الماضي لن يجدي شيئا ولن يمثل عامل ردع وضغط لإيقاف مساندتنا لغزة. كما أكد السيد القائد في كلمته الخميس الماضي 16 يناير أننا لا نتأثر بالضربات الصهيونية على موقفنا، ولا شيء يمنعنا من مواصلة القتال ضد العدو الإسرائيلي.
وقال: نعيش مع الشعب الفلسطيني الآلام والأحزان، والكثير من أبناء شعبنا يُترجمون هذا الحزن إلى موقف عملي لنصرة الشعب الفلسطيني، لافتا إلى أن العدو الإسرائيلي يدرك أنه مهما اعتدى ومعه الأمريكي والبريطاني، ولو انضم إليه من انضم فلن يؤثر على الموقف اليمني. مؤكدا أن العدو الإسرائيلي لن يدفع أبناء شعبنا العزيز إلى التراجع عن موقفهم الإيماني المبدئي والإنساني والأخلاقي المهم والمشرف.