مستقبل وقف إطلاق النار في غزة
موقع أنصار الله . تقرير| أنس القاضي
رغم استمرار الهدنة حتى اليوم منذ الثامن عشر من الشهر الماضي، إلا أن الكيان يماطل في الدخول في المفاوضات من أجل تنفيذ المرحلة الثانية، وتقتضي المرحلة الثانية إطلاق سراح الأسرى الصهاينة الذكور المتبقين مع المقاومة وبقية الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب كامل لقوات العدو الإسرائيلي من قطاع غزة.
كان يُفترض أن يبدأ التفاوض على هذه المرحلة (الثانية) في اليوم السادس عشر من المرحلة الأولى الجارية، والتي تستمر 24 يوماً. وحتى اليوم، مر على وقف إطلاق النار 23 يوماً، وتبقى يومان على انتهاء هذه المرحلة. إلا أن مستجدات هذا اليوم، تشير إلى أن ملف وقف إطلاق النار يدخل في منعطف صعب، قد يُوْدي بالاتفاق برمته.
مؤشرات انهيار المحادثات
تشير عودة الوفد الصهيوني المفاجئة من قطر، دون إبداء أسباب واضحة عن سبب عودته -إذ يُفترض أن يكون موجوداً هناك من أجل التفاوض على المرحلة الثانية من الاتفاق- تشير هذه العودة المفاجئة إلى تصعيد متعمد في الموقف “الإسرائيلي” تجاه مفاوضات وقف إطلاق النار. فالإدارة الصهيونية لم تكتفِ بعدم الالتزام ببنود المرحلة الأولى من الاتفاق وخرقه، بل تسعى أيضاً إلى فرض شروط مستحيلة في المرحلة الثانية، مثل:
- نفي قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس من غزة.
- تفكيك الجناح العسكري للمقاومة الفلسطينية.
- استعادة جميع الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة.
هذه الشروط تتعارض مع جوهر أي مفاوضات جادة، ما يعزز الاتهامات الفلسطينية بأن “حكومة” نتنياهو تتعمد إفشال الاتفاق لصالح استمرار العمليات العسكرية، خصوصاً بعد دعم ما يسمى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن مستقبل غزة كـ”مشروع استثماري أمريكي”، وهو ما يلقى معارضة قوية من مصر والفلسطينيين.
ويَظهر من خلال هذه الشروط المطروحة، أن الكيان يُريد تحقيق الأهداف التي عجز عن تحقيقها حربا، أن يحققها بالسياسة وعبر المفاوضات، خصوصاً وأن هناك إجماعا “إسرائيليا”، أنهم خسروا الحرب أمام المقاومة الفلسطينية، وصارت النخبة “اليمينية الدينية” المتطرفة في الكيان تخشى على تراجع شعبيتها أمام قواعدها من هذه الهزيمة، ولهذا يبدو أنها تخطط لاستئناف الحرب العدوانية أو على الأقل تعدل في الاتفاق وتفرض شروطا جديدة بما يحفظ لها ماء الوجه، وهذا أمر لن تقبل به المقاومة الفلسطينية.
انتهاكات الكيان للاتفاق وتعليق المقاومة تبادل الأسرى
العديد من التقارير تشير إلى خرق الكيان المستمر لاتفاق وقف إطلاق النار من خلال عدة أنشطة عدوانية، منها استمرار الطلعات الجوية التجسسية فوق غزة، وتأخير دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الوقود والخيام. وكذلك تأخير انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المناطق المتفق عليها، كما حدث أن تم استهداف المدنيين النازحين العائدين من جنوب غزة إلى شمالها، رغم الوعود بضمان عودتهم الآمنة. هذه التصرفات الصهيونية تعد خرقاً واضحاً للاتفاق، وكانت المقاومة الفلسطينية توازن بين الصبر على هذه الخروقات وبين المصلحة الوطنية من استمرار الاتفاق وعمليات تبادل الأسرى، إلا أن هذه الخروقات تجاوزت الحد الذي يُمكن القبول به.
رداً على ذلك، أعلنت كتائب القسام -وموقفها بالعموم لا يُعبر فقط عن حركة حماس إنما عن بقية الفصائل المقاومة الوطنية واليسارية والاسلامية- تأجيل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين حتى تلتزم “إسرائيل” ببنود الاتفاق، ما يعكس تغيُّراً في قواعد اللعبة، حيث أصبحت المقاومة أكثر جرأة في فرض شروطها على الجانب الصهيوني.
الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان وتأثيره على مستقبل الاتفاق
تفترض الولايات المتحدة الأمريكية انها “وسيط” بين الجانب الفلسطيني والصهيوني، إلا أنها -واقعيا- مصطفة مع العدو. التصريحات الأخيرة لترامب حول غزة وتهجير سكانها وبيعها وتحويلها إلى مشروع اقتصادي، ومختلف التصريحات العدوانية والمجنونة في آن، هذه التصريحات زادت من النزق الصهيوني.
زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن ولقاؤه بترامب كشفا عن تفاهمات عدوانية جديدة بين الجانبين، تتلخص في دعم الكيان بلا قيود في عملياته العدوانية في غزة، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن “تل أبيب” ليست معنية بوقف دائم لإطلاق النار.
تصريحات نتنياهو عن كون هذا اللقاء “الأهم خلال 20 عاماً” تشير إلى:
- اتفاق استراتيجي مع ترامب على مستقبل غزة، يتجاوز حدود أي اتفاقيات سابقة وينقلب على الاتفاق الموقع في الدوحة.
- دعم أمريكي لعمليات عسكرية عدوانية إضافية، خاصة مع إصرار الكيان على التصعيد.
- توافق أمريكي صهيوني على عدم السماح لحماس بالبقاء كقوة سياسية أو عسكرية في غزة.
تصعيد عسكري محتمل
“وزير الحرب” الصهيوني المجرم “يسرائيل كاتس” أمر “جيش” الاحتلال أمس برفع الجاهزية لأي سيناريو محتمل، ما قد يعني أن “إسرائيل” تستعد لخيار عسكري عدواني في حال استمر الجمود في المفاوضات. هذا الأمر كان قد أفصح به نتنياهو من قبل التوصل إلى الاتفاق إذ ظل متوعداً أنه سوف يعود للحرب في أي وقت يريد، وسيجد دعماً أمريكيا في سبيل ذلك.
هذه المؤشرات تتضافر مع مؤشرات أخرى، منها استمرار الخروقات الجوية الإسرائيلية في سماء القطاع، برغم وقف إطلاق النار، كل ذلك يؤكد أن الكيان الصهيوني لم يتخلَ عن استراتيجيته العدوانية في مواصلة الضغط العسكري على الفلسطينيين. والكيان يطرح في تصوره أن يستعيد أسراه بالاتفاق ويعود للحرب مجدداً، وهو ما قدرته المقاومة التي جمدت صفقة تبادل الأسرى حتى إشعار آخر، حتى يعود الجانب الصهيوني إلى الالتزام بالاتفاق الموقع.
السيناريوهات المحتملة
تطورات الأحداث خلال هذه الفترة وتعقيداتها خلال هذا الأسبوع تتجه نحو احتمالات معينة يمكن إيجازها في الآتي:
- إذا استمرت “إسرائيل” في انتهاكاتها وفرض شروط غير واقعية، فمن المرجح أن تصعد المقاومة الفلسطينية عسكرياً وترد على الخروقات، ما يعيد الحرب إلى الواجهة. وقد تلجأ المقاومة إلى عمليات جديدة، مثل استهداف مستوطنات إسرائيلية بالصواريخ، لإجبار “إسرائيل” على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أكثر توازناً.
- يترتب على هذا الأمر احتمال توسع دائرة المواجهة لتشمل الضفة الغربية أو حتى لبنان، حيث أبدى الكيان استعداداً لمواجهة متعددة الجبهات وشن غارات عدوانية على لبنان في الأيام الماضية، مع حقيقة أنه أضعف عسكريا.
- الاحتمال الآخر هو وساطة دولية لإنقاذ الاتفاق، قد تتدخل مصر وقطر بشكل أكثر حزماً، عبر تهديد “إسرائيل” بوقف أي تعاون أمني أو اقتصادي معها، لإجبارها على احترام المرحلة الأولى من الاتفاق.
- وكذلك أوروبا -التي تختلف مع سياسة ترامب في النظر إلى الاتفاق- قد تزيد من ضغطها على الكيان، خاصة مع تزايد الأصوات المنتقدة للحكومة الصهيونية داخل الأوساط السياسية الغربية.
- الاحتمال الأخير، هو الوسط، احتمال استمرار حالة اللاحرب واللاسلم كما هوَ عليه الحال بين اليمن والسعودية. قد تستمر حالة التهدئة الهشة، حيث لا تصل الأمور إلى حرب شاملة ولكنها لا تؤدي أيضاً إلى وقف دائم لإطلاق النار.
- قد يستمر الكيان في تنفيذ ضربات محدودة ضد مواقع المقاومة ، بينما تواصل المقاومة الضغط عبر رفض تسليم الأسرى وفرض شروطها على أي مراحل مستقبلية للاتفاق، والرد على مصادر النيران.
وفي العموم فإن هذه الاحتمالات هي ما تشير إلى التطورات الأخيرة، إلا أن الوضع أكثر تعقيداً من ذلك، ويمكن أن ينفتح على احتمالات أخرى.
المعطيات الحالية تشير إلى أن الكيان ليس مهتماً بإنجاح اتفاق وقف إطلاق النار، بل يستخدمه كورقة سياسية وعسكرية لاستكمال استراتيجيته العدوانية التصفوية في غزة. وفي المقابل فإن المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها -تتصدرها حماس- لن تقبل بأي اتفاق يفرض عليها نفي قيادتها أو نزع سلاحها. ما يعني أن المفاوضات ستظل متعثرة.
في ظل هذا الوضع، فإن خيار التصعيد العسكري العدواني من الكيان يظل مطروحاً بقوة، ما لم تحدث ضغوط دولية جادة على الكيان تجبره على الالتزام بالاتفاقات الموقعة.