ذكرى هروب الأمريكيين من صنعاء ..ماذا خططوا للبلد وكيف أُخرِجوا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ
سنين طويلة من المؤامرات الأمريكية الهادفة إلى إيصال البلد إلى حالة الانهيار التام في كل المجالات، خاصة المجال العسكري والأمني والاقتصادي والسياسي، ليتسنى لها السيطرة المباشرة على البلد، وبشكل يجعلهم في نظر الشعب “مخلّّصين” ومنقذين له من المستنقع، فتحركت أمريكا بكل جد واجتهاد وقطعت شوطاً كبيراً في هذا الميدان، وتمكنت من إحكام السيطرة بشكل تام على البلد، وبات السفير الأمريكي حينها هو الحاكم الفعلي، فهو من يقرر كل ما يجري في البلد.
ظنت أمريكا بأن كل شيء قد انتهى وأن اليمن بات في جعبتها وليس في مقدور أحد على وجه الدنيا أن يخرجه من تحت عباءتها، فالأمور تمشي وفق ما تشاء وتريد.
بين ليلة وضحايا، قيض الله لليمن، رجلاً من سلالة النبوة، شجاعاً، حكيماً، مقداماً، ذا بصيرة وهمة عالية ورأي صائب، فعله يسبق قوله، فاستطاع أن يقلب الطاولة رأساً على عقب، وأن يخلق مشهداً جديداً خلافاً لما تريده أمريكا، الكلمة العليا فيه للشعب، والسيادة والاستقلال خط أحمر، ونار تلفح وجه المتآمرين والمتربصين.
هذا الوضع حوّل كل ما أرادته أمريكا طوال عقود من الزمن إلى هزائم مذلة ومهينة، اضطر معها المارينز الأمريكي بما يملكه من هيبة وسمعة زائفة إلى كسر أسلحتهم ورميها في صالات المطار، يتوسلون الجيش واللجان الشعبية آنذاك السماح لهم بالمغادرة بحقائبهم الشخصية.
أما ما يسمى بالـ “سي آي أيه”، الذي يشاع بأنه أقوى المخابرات عالمياً، فقد اضطرت قيادته إلى إحراق الأوراق وأرشيف الخطط والمؤامرات، وإتلاف السيرفرات في حوش السفارة الأمريكية، حينما أتاهم الله من حيث لا يشعرون برجاله الأوفياء، لتكون هذه الحادثة وصمة عار في وجه المخابرات الأمريكية.
طبيعة المخطط الأمريكي
هناك أطماع حقيقية في بلدنا، وأهمية هذا البلد فوق مستوى وعي أبنائه لاعتبارات متعددة في مقدمتها: جغرافيته المهمة، وإلى جانب ذلك ثرواته المختزنة في باطنه والتي تحدث عنها الأعداء بشكل كبير وخططوا للاستيلاء عليها، وأول ما خطط له الأعداء هو أن يصلوا بالبلد إلى الانهيار التام على كل المستويات تمهيدا لغزوه ولكن غزو مقبول، لأنهم يريدون لعملية الغزو وعملية الاحتلال أن تكون مقبولة وتحت عناوين إنقاذية.
ما قبل الحادي والعشرين من سبتمبر2014، كان الوضع آنذاك وضعاً كارثياً، مأساويا، وضعا خطرا جدًّا بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأنه وضعٌ كان الأعداء يخططون فيه أن نذهب نحن اليمنيين بأنفسنا، بإرادتنا، باختيارنا إلى الهاوية، يصل فيها الخضوع إلى أن يكون بشكل رسمي، وعلى نحوٍ معلن، وباعتراف من كثير، وتقبل من كثير من القوى السياسية للوصاية الأجنبية الواضحة.
فعندما وضعوا البلد تحت البند السابع، فإنهم أخضعوا بلدنا للوصاية الأجنبية بشكل رسمي، وصريح، وواضح، ومُعلن، فكان سفراء الدول العشر في صنعاء، وعلى رأسهم السفير الأمريكي، المعنيين الرئيسيين بكل شؤون البلد، قبل أي طرف يمني. وكان السفير الأمريكي تُدرس معه كل شؤون البلد من كل الجهات ذات المسؤولية في مؤسسات الدولة، ثم ما قرره أولئك السفراء، وما قرره السفير الأمريكي الكل يؤيده والكل يضغط في تنفيذه.
خلاصة القول فإن عملاء أمريكا أوصلوا البلد إلى الوصاية العلنية والصريحة تحت عنوان البند السابع، ووصاية الدول العشر، وأصبح السفير الأمريكي في صنعاء آنذاك بشكل رسمي وصريح، وبقرار من مجلس الأمن، هو المسؤول الأول في الوصاية على الشعب، وسلمت له السلطة بذلك، وسلمت له بعض القوى السياسية معها بذلك.
السفير الأمريكي آنذاك كان حوله سفراء من تبقى من الدول العشر كأعوان له بمنزلة الوكلاء لمحافظ محافظة مثلاً، وأصبح الذي يقرر أولاً هو السفير الأمريكي، يجتمع بسفراء الدول العشر من أعوانه ووكلائه، ويرسم لهم المهام والسياسات والتوجهات والتعليمات، ثم تقدم إلى من يسمى بالرئيس، ورئيسه السفير الأمريكي، ثم تنزل عبره إلى بقية المؤسسات، وفي بعضٍ من الأحيان لا تنزل حتى عبر من يسمى بالرئيس، بل يباشر السفير الأمريكي لقاءاته بالوزراء والمسؤولين ويوجههم بشكلٍ مباشر.
وصل التفريط بسيادة البلد إلى القبول بقواعد عسكرية أمريكية، بدءاً بقاعدة في العاصمة صنعاء، وأتى المارينز الأمريكي إلى صنعاء، وتواجد في صنعاء، وأصبح له قاعدة في صنعاء، وتواجد في داخل العاصمة صنعاء، في تفريط واضح باستقلال البلد وسيادته، وقاعدة أخرى في العند.
وكان التوجه نحو المزيد والمزيد من القواعد في محيط صنعاء، في معسكرات معينة وفي كل منطقة يضمن للسفير الأمريكي السيطرة الأمنية، والسيطرة في كل المجالات.
المجال السياسي
كان الوضع السياسي في البلد يتأزم أكثر فأكثر، فالانقسامات تشتد أكثر فأكثر، فكان السفير الأمريكي يلتقي بأحد الأحزاب ويعطيه وعوداً ويشجعه، ويلتقي الحزب الآخر ويفعل معه نفس الشيء، ويشجع أحد الأطراف على القيام والتحرك ضد الطرف الآخر.
كما سعى السفير الأمريكي حينها إلى تفريخ كثير من الكيانات والقوى المتناقضة، وعمل على التحرك تحت كل العناوين على قاعدة: تفريخ المزيد من الكيانات المتباينة.
ثم اتجه الأمريكي أيضاً إلى المكونات الاجتماعية، وإلى المكونات السياسية، وكان المسار طويلاً، يهدف من خلاله الأمريكي إلى بعثرة الشعب وتفكيك كيانه تحت كل العناوين؛ حتى لا يبقى رابطٌ جامعٌ يجمع أبناء البلد ويحميهم من الانقسام، ويصبح كل شخص أو كل فئة بسيطة من أبناء الشعب ينظرون إلى أنفسهم كفئة مستقلة عن بقية أبناء البلد، فلا رابط يربطهم بهم ولا يجمعهم معهم.
وكلٌّ يتجه لمصارعة من تبقى من أبناء البلد في إطار أهداف صغيرة، ونفسية صغيرة، وذهنية صغيرة، ومشاريع صغيرة، وأجندة صغيرة، وهذه عملية تفتيت، وتذويب، ودفع نحو التلاشي والانهيار بكل الوسائل.
الجانب الاقتصادي
في الجانب الاقتصادي كانت الأزمة الاقتصادية إبان سيطرة السفير الأمريكي على القرار في صنعاء، تشتد بشكل غريب جدًّا، فالثروات النفطية التي كانت تحت سيطرة الدولة في كل البلد، لم يعد لها أي أثر إيجابي لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وكأن اليمن بلد بلا نفط، ولا ثروة نفطية، ولا ثروة غازية، فكل الإيرادات التي كانت تجمعها الدولة لم يعد لها أي أثر إيجابي يخدم البلد، وينتفع به الشعب.
وكانت معاناة الشعب على المستوى الاقتصادي تزداد يوماً فيوم جرعة بعد جرعة، سياسات اقتصادية تدميرية، ووضع بائس جدًّا، فالموارد الاقتصادية بكلها على مستوى: الضرائب، والجمارك، وكل ما يجمع من إيرادات لا أثر له أبداً في حلِّ المشكلة الاقتصادية في البلد آنذاك.
مع ذلك كانت القروض من الخارج مستمرة، وما يأتي تحت عنوان هبات يأتي أيضاً، ولكن من دون أن يكون مجدياً، أو على الأقل يخفف من مستوى المعاناة الاقتصادية، فالأزمة خانقة جدًّا، والحصول على البترول آنذاك أصبح صعباً، مع أنَّ البلد لم يكن في حرب، مع أنَّ الثروة النفطية تحت سيطرة الدولة، ومع أنه لا حصار على دخول المشتقات النفطية إلى البلد، ولم يكن البلد لا تحت حرب، ولا حصار خارجي.
التحرك الثوري لتغيير الواقع
في ظل تلك الوضعية المتردية والسيئة، والتي أوشك الشعب فيها أن يخسر حريته واستقلاله وكرامته ومستقبله، وكان كل شيءٍ فيها يتجه نحو تنفيذ السياسات الأمريكية التي تساعد أمريكا على السيطرة التامة على البلد، وبتواطؤ من أعوانها الإقليميين والمحليين، تحرَّك الشعب اليمني، تحركاً فاعلاً، وتحركاً يعبِّر عن هويته الإيمانية، وإحساسه بألم المعاناة التي كانت سائدةً، عن إدراكه للمأساة التي قد وصل إليها، وتحركاً يعبِّر عن كل مكوناته الحرة، فتحرك الجميع بمسؤولية، وبوعي، وبجد، وباعتمادٍ على الله “سبحانه وتعالى”.
وتحرك الجميع في ثورةٍ شعبيةٍ مميزة؛ لأنها ثورة أصيلة لم تكن امتداداً لأي توجه خارجي، ولا بدفع من أي جهة خارجية، إنما كانت نابعةً من وعيٍ وإحساسٍ بالمسؤولية، ومن واقع معاناة حقيقية يعاني منها الشعب آنذاك، فهو تحركٌ واعٍ، وتحركٌ مسؤول، وهو تحركٌ نابعٌ عن معاناةٍ حقيقية وتحرك فاعل وحكيم ومميز بخطواته الحكيمة والصائبة والمميزة والفاعلة والقوية، وهو يعبر فعلاً عن هوية الشعب التي أبرزُ عناوينها: الإيمان والحكمة.
تحركات الشعب كانت نشيطة وفاعلة وقوية وشجاعة وعزيزة، فقد هب الشعب من مختلف المحافظات، هبت القبائل وتحرك الأحرار، وبرز الإباء اليماني والشجاعة اليمانية وتُرجِمت الحرية بالقول وبالفعل في ذلك التحرك لجماهير الشعب.
ووصل الحال بالعملاء ومن يقف خلفهم إلى إرباك شديد أمام ذلك التحرك وفوجئوا به، فعمدوا إلى خطوات للترهيب، وإثارة العناوين الطائفية والمناطقية، وعمدوا إلى القمع، فوجه إليهم الشعب صفعةً تاريخيةً مدوية يوم انتهكوا الخط الأحمر المتمثل بدماء أبناء الشعب، وآنذاك خاطبهم قائد الثورة بلسان الشعب، وقال لهم: “إياكم أن تسفكوا دم أبناء هذا الشعب، دم هؤلاء الأحرار الذين تواجدوا في ساحات العاصمة صنعاء وهم ينادون بصوت هذا الشعب، بآماله، بتطلعاته، ليس لهم أي مطامع ولا أي مطالب فئوية، أو حزبية، أو شخصية، مطالبهم جامعة، وصوتهم يعبر عن كل هذا الشعب، ولمصلحة كل هذا الشعب. لا تسفكوا دماءهم، إن سفكتم دماءهم فالموقف سيكون موقفاً آخر”.
لم يستوعبوا هذا التحذير، ولم يدركوا قوة الشعب وفاعليته المستمدة من توكله على الله، ومن هويته الإيمانية، ومن مبادئه وقيمه الفطرية والإيمانية، فعمدوا إلى سفك دماء أبناء الشعب، ولم يتركوا له حتى حرية التعبير، حرية الكلمة، حرية أن يعبر عن قضاياه المحقة، ومطالبه المشروعة. وعندما سفكوا دماءه أتتهم الصفعة المدوية المفاجئة المذهلة التاريخية، فكان يوم الحادي والعشرين من سبتمبر يوماً من أيام الله “سبحانه وتعالى”، وحسم الموقف بسرعة مذهلة جعلتهم في حالة من الذهول والدهشة، لا يستوعبون ما الذي حصل، فكان توفيق الله ومعونته ونصره وتأييده ورعايته للشعب المظلوم هو سر النجاح الذي لم يكن له من مثيل في سرعة حسم الموقف بطريقة هادئة وسريعة وعجيبة ومدهشة لكل العالم.
السفارة تحرق وثائقها
بعد الثورة الشعبية وبعد أن يئس الأعداء من ثني الثوار عن مواصلة المشوار، وفي الـ11 من فبراير 2015م. حزمت أمريكا حقائبها وغادرت صنعاء، ومعها غادر كل ما كان مبهما وغامضا وسريا. رحلت أمريكا ومعها رحلت كل ملفاتها السوداء وكل سياساتها وأجنداتها ومشاريعها التي طالما وجهتها لاستهداف الشعوب. رحلت أمريكا وأغلقت وكر مؤامراتها في صنعاء وقررت مرافقة أدواتها التي كانت تستخدمها وتوجهها لتنفيذ مؤامراتها ضد اليمن واليمنيين.
اجتهدت أمريكا وحرصت -وهي تغلق أبواب سفارتها- على الإخفاء وطمس بصماتها، واعتقدت أنها لم تترك خلفها غير مبانٍ فارغة يحرسها نسر الامبريالية المعلق على سور سفارتها التي كانت عامرة بالساسة والخونة والعملاء الذين اتبعوا خطاها وساروا على نهجها وخلفها حتى أوردتهم النار.
أمريكا كعادتها في تزييف الحقائق وتجميل قبحها في عيون شعوب الأرض، اجتهدت كثيرا لإقناع العالم بأنها البلد الأكثر احتراما لإرادة الشعوب، والأكثر إيمانا بحقها في الحياة، والأكثر حرصا على حماية الحقوق والحريات، والأكثر احتراما للآخر. أتقنت أمريكا تجسيد كل أساليب التخفي وحرصت على أن يظل بريق زيفها قناعا جميلا يحول دون التعرف عليها ورؤيتها على حقيقتها، وربما نجحت أمريكا في إقناع العالم على رؤيتها بالشكل والصورة التي تحب أن تبدو عليها في عيون شعوب الأرض، لكن ورغم أنها تمتلك من والسائل وأساليب الترغيب والترهيب ما يجعلها صاحبة السياسة الأجمل وحامية السلام وراعية الديمقراطية والمدافعة عن حقوق الإنسان، إلا أن الحقيقة تظل أكبر من كل زيف أمريكا وأباطيلها، ولا يمكن للحقيقة إلا أن تتجلى في أكثر من صورة وأكثر من وجه لتفضح الادعاءات وتؤكد استحالة تنفيذ جريمة دون أن يترك المجرمون خلفهم دليلا.
وفي العاشر من فبراير 2015م، وقبل مغادرة المارينز الأمريكي وعناصر وضباط الـ”سي آي إيه” العاصمة صنعاء في الـ 11 من فبراير/ 2015م، شوهدت سُحب الدخان تتصاعد من خلف الأسوار الداخلية للسفارة الأمريكية، اعتقد السكان القريبون أن السفارة قد تعرّضت لانفجار أو اقتحام مسلح، لكنها كانت عبارة عن عملية إتلاف للوثائق والملفات.
المعلومات وقتها أكدت أن السفارة الأمريكية في صنعاء تتخلص من ملفات ووثائق أرشيفية كبيرة لعملائها وجواسيسها، استمر الحريق حتى يوم مغادرة الطاقم والجنود والعملاء والضباط الأمريكيين في 11 فبراير.
مهمة السفير تنتهي
حين اتخذ الأمريكيون القرار بإغلاق السفارة وإحراق كافة الملفات المهمة، خصوصاً تلك المتعلقة بأنشطة الاستخبارات، وإجلاء عملاء الاستخبارات الأمريكية وضباطها وجواسيسها وجنود المارينز الذين كان عددهم حوالي 200 جندي أمريكي، كانوا قد وصلوا إلى قناعة بأن اليمن لم تعد مفتوحة بعد 21 سبتمبر 2014، وأن السفير الأمريكي لم يعد حاكماً مطلقاً في صنعاء.
نكسة الـ”سي آي إيه”
في الحادي عشر من فبراير 2015م، نقلت وسائل إعلامية عن مصادر سياسية وأمنية أمريكية وثيقة الاطلاع، أن وكالة الاستخبارات المركزية الـ(سي آي أيه) نقلت محطتها الإقليمية في جنوب الجزيرة العربية من صنعاء إلى عاصمة أخرى في المنطقة، بسبب ما وصفته بالظروف الأمنية غير الملائمة في صنعاء، وكانت الوكالة قد أنشأت محطتها في صنعاء في أواخر عهد علي عبدالله صالح، وفقاً لاعتراف صالح نفسه في مقابلة قالها قبيل اندلاع ثورة 2011م، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية نقلا عن مسؤولين أمنيين أميركيين سابقين: إن الـ”سي آي إيه” أجلت العشرات من عناصرها في اليمن، من ضمن حوالي 200 عنصر مدني وعسكري، كانوا يعملون في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء قبيل إغلاق السفارة.
المارينز يكسرون أسلحتهم قبل المغادرة
فجر الأربعاء 11 فبراير 2015م، غادرت السفارة الأمريكية حوالي 30 سيارة مصفحة تحمل عدداً غير معروف من الرجال والنساء، انطلقت من السفارة الأمريكية باتجاه مطار صنعاء الدولي، وغادروا اليمن إلى غير رجعة.
المحمولون على المصفحات كانوا جنوداً وعناصر استخبارات وموظفين أمنيين، كان الأمريكيون يعتقدون أنه في المطار لم يتغير شيء، وأنه بالإمكان السفر دون الإجراءات الأمنية كعادتهم في كل مطارات العالم، طلبت سلطات المطار الثورية أن يلتزم المسافرون بالقواعد الدبلوماسية المتعارف عليها، سخط الأمريكيون ومضوا من صالات المغادرة العادية، تم توقيفهم ثانيا: “السلاح ممنوع. عليكم تسليمه..)، في تلك اللحظات قام الجنود الأمريكيون بتكسير أسلحتهم الشخصية داخل المطار ورميها إلى الصالة، غادروا تحت ضغط الثورة والتزموا بكل ما عليهم التزامه.
غادر المارينز الأمريكي وضباط الـ”سي آي إيه” صنعاء فجر الأربعاء الـ11 من فبراير إلى أمريكا، في صورة تعكس حجم ما أنجزته ثورة 21 سبتمبر من تحول تحرري، فاتحة عهدا جديدا من القرار السيادي المستقل متحررا من الهيمنة الأمريكية التي تحكم العالم وتمارس الوصاية عليه.
في الـ12″ من فبراير، وبعد يوم واحد من مغادرة الأمريكيين صنعاء، قالت صحيفة “واشنطن بوست”: إن مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” وصفوا خروجهم من صنعاء بالانتكاسة الكبيرة، وأشار المسؤولون إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية سحبت العشرات من العملاء والمحللين والعاملين الآخرين من اليمن كجزء من عملية إخراج أكبر لحوالي 200 أمريكي كانوا متواجدين في صنعاء، ومن بين من تم إخراجهم ضباط رفيعو المستوى عملوا عن كثب مع المخابرات والأجهزة الأمنية اليمنية لاستهداف أعداء أمريكا في المنطقة.
المسؤولون الأمريكيون اعترفوا بأن الترتيبات الاستخباراتية الأساسية والعلاقات التي تمت إقامتها قد تضررت، فإغلاق السفارة على سبيل المثال شمل رحيل أفراد عسكريين وعناصر رئيسية من الـ”سي آي إيه” الذين عملوا في السنوات الأخيرة مع نظرائهم اليمنيين والسعوديين في مركز الوكالة الإقليمي الذي كان مقره في صنعاء، لاحقا قالت الوكالة الأمريكية “سي آي إيه”: إنها لم تتمكن من إنقاذ شبكة استخباراتها التي جمعتها في صنعاء، وإنها فقدت كل بياناتها ومعلوماتها.
ملخص للأحداث
- غادر السفير الأمريكي ماثيو تولر العاصمة صنعاء يوم الأربعاء 11 فبراير 2015م، ومعه حوالي 100 فرد من جنود المارينز وضباط من الـ”سي آي إيه”، على متن حوالي 30 سيارة مدرعة عبر مطار صنعاء.
- سبق هذا التاريخ إعلان من المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في يناير وعقب حدوث الاشتباكات التي حصلت في النهدين وتمكن قوات الجيش واللجان الشعبية من السيطرة على دار الرئاسة في 19/01/2015، بدأت الخارجية الأمريكية تتحدث عن وضع أمني غير مستقر وتقليص عدد موظفيها في صنعاء.
- استمرت السفارة تقلص عدد موظفيها وترحلهم بشكل تدريجي حتى يوم الأربعاء 11 فبراير. في ذلك اليوم غادر السفير وطاقم البعثة ومعه جنود وضباط وخرجت حوالي 30 سيارة مدرعة من السفارة باتجاه مطار صنعاء ووصلوا إلى المطار واحتك جنود المارينز بأفراد الأمن حينها بسبب إصرار الأمريكيين على الخروج بأسلحتهم، لكن بعد اعتراض أمن المطار ورفضه السماح لهم بالمغادرة إلا وفق القواعد المعمول بها في كل مطارات العالم، قام الأمريكيون بتكسير أسلحتهم في صالات المطار وهي عبارة عن مسدسات شخصية طبعا.
- كانت السفارة الأمريكية قد بدأت في اليومين الذَين سبقا 11 فبراير بإتلاف وثائق تتعلق بملفات المخابرات وبيانات العملاء.
- يوم الأربعاء نفسه 11 فبراير أعلنت لندن وفرنسا إغلاق سفارتيهما، وكانت السفارة الأمريكية قد أغلقت يوم الأحد 8 فبراير وعلقت عملها حتى إشعار آخر.
- ومن دون إعطاء أي تفاصيل أو تبريرات وقتها أعلنت أمريكا إغلاق سفارتها ومغادرة طاقم السفارة وموظفي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الـ”سي آي أيه” صنعاء وعدد من جنود المارينز.
- كانت سفينة “أيوا جيما” (سفينة هجومية برمائية) وصلت في 25 يناير 2015 إلى سواحل البحر الأحمر مع وحدة من مشاة البحرية الأمريكية، وظلت مرابطة في سواحل البحر الأحمر بالحديدة، وقالت رويترز آنذاك نقلا عن مسؤول عسكري أمريكي: إن وحدة من مشاة البحرية الأمريكية تقوم بحماية السفارة، وإن سفينة هجومية برمائية للبحرية -هي السفينة إيوا جيما- راسية قبالة سواحل اليمن على البحر الأحمر، وستكون مستعدة لتقديم يد العون في إجلاء موظفي السفارة إذا طلبت وزارة الخارجية الأمريكية ذلك.
- أحجم البنتاغون عن التعليق على وضع السفارة، لكنه قال: إن الجيش الأمريكي مستعد لإجلاء موظفيها إذا طلبت وزارة الخارجية الأمريكية منه ذلك.
- جدير بالذكر أن صنعاء كانت المقر الإقليمي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA.
- تم نقل المقر الإقليمي الذي يضم الخليج والقرن الأفريقي في آخر أيام الخائن علي عبدالله صالح من العام 2010 حين توصل لاتفاق مع أوباما على السماح بنقل المقر الإقليمي إلى صنعاء، وقد نقل المقر إلى العاصمة العمانية مسقط بعد خروج السفارة ومغادرة الأمريكيين.
إحراق الوثائق وكشوفات العملاء
في العاشر من فبراير 2015م، وهو اليوم السابق لمغادرة السفير الأمريكي ومن معه من المارينز وعناصر وضباط الـ”سي آي إيه” العاصمة صنعاء الذي تم في الـ 11 من فبراير/ 2015م، شوهدت سُحب الدخان تتصاعد من الأسوار الداخلية للسفارة الأمريكية في شيراتون، اعتقد السكان القريبون أن السفارة قد تعرّضت لانفجار أو اقتحام مسلح، لكنها كانت عبارة عن عملية إتلاف للوثائق والملفات، المعلومات وقتها أكدت أن السفارة الأمريكية في صنعاء تتخلص من ملفات ووثائق أرشيفية كبيرة لعملائها وجواسيسها، استمر الحريق حتى يوم مغادرة الطاقم والجنود والعملاء والضباط الأمريكيين في 11 فبراير.
صرح وقتها مصدر لموقع العربي أن الحريق الحاصل هو عملية إتلاف للتخلص من البيانات الموجودة في أرشيف السفارة الأمريكية.
يقول موقع العربي الجديد: «في الحادي عشر من فبراير 2015م، نقلت “وسائل إعلامية” عن مصادر سياسية وأمنية أمريكية وثيقة الاطلاع، أن وكالة الاستخبارات المركزية الـ(سي آي أيه) نقلت محطتها الإقليمية في جنوب الجزيرة العربية من اليمن إلى سلطنة عمان، بسبب ما وصفته بالظروف الأمنية غير الملائمة في صنعاء.
وكانت الوكالة قد أنشأت محطتها في صنعاء في أواخر عهد الخائن علي عبدالله صالح، وفقاً لاعتراف صالح نفسه في مقابلة قالها قبيل اندلاع ثورة 2011م، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية نقلا عن مسؤولين أمنيين أميركيين: إن الـ”سي آي إيه” أجلت العشرات من عناصرها في اليمن، من ضمن حوالي 200 عنصر مدني وعسكري، كانوا يعملون في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء قبيل إغلاق السفارة.
انتكاسة تحدثت عنها الصحافة الأمريكية
بتاريخ 2015/02/12، تحدثت صحيفة «واشنطن بوست الأمريكية، عن انتكاسة الاستخبارات الأمريكية في اليمن، وأفاد مسؤولون أمريكيون حينها لصحيفة «واشنطن بوست»، أن إغلاق السفارة الأمريكية في اليمن، قد أجبر وكالة الاستخبارات الأمريكية الـ”سي آي أيه” على تقليل نطاق تواجدها في اليمن. وقالوا إن هذا الإجلاء يمثل انتكاسة كبيرة.
من جانبه، أفاد مسؤول بارز سابق مشارك في جهود مكافحة “الإرهاب” في اليمن، بأن إغلاق السفارة الأمريكية، يعقد التحديات ويضر بشكل بالغ بمهمة وكالة الاستخبارات الأمريكية «السي آي أيه» في اليمن، مضيفاً في الوقت ذاته، أن السفارة كانت تمثل القاعدة الأساسية في اليمن لعمليات المخابرات الأمريكية في القرن الأفريقي وفي منطقة الخليج.
من جانب آخر، قال مسؤولون أمريكيون: إنه تم سحب كل عناصر «السي آي أيه» من اليمن، مؤكدين أن «الوكالة» ستحاول إنقاذ شبكة الاستخبارات التي تم جمعها بالتعاون مع السعودية والحلفاء الآخرين على مدى السنوات الخمس الماضية، إلا أن المسؤولين أقروا بأن الترتيبات الاستخباراتية الأساسية والعلاقات التي تمت إقامتها قد تضررت على الأقل مؤقتاً، فإغلاق السفارة، على سبيل المثال، شمل رحيل أفراد عسكريين وعناصر رئيسة من عملاء «السي آي أيه» الذين عملوا في السنوات الأخيرة مع نظرائهم اليمنيين والسعوديين في مركز مكافحة المخابرات في العاصمة صنعاء، لكن وكالة الاستخبارات الأمريكية لم تعلق على ذلك.
ونشرت وكالة المخابرات الأمريكية فرقاً من نشطاء ومحللين في اليمن، كما بنت قاعدة جوية من أساطيل للطائرات بدون طيار في المملكة العربية السعودية، والتي نفذت من خلالها عشرات الهجمات ضد أهداف القاعدة في جزيرة العرب، وكانت تلك الحملات تعتمد بشكل كبير على معلومات استخباراتية من شبكات المعلومات وغيرها من المصادر التي وضعت بالتعاون مع الحكومة اليمنية.
كما أن وكالة المخابرات المركزية عملت بارتباطات مباشرة ولصيقة مع أجهزة الاستخبارات اليمنية، ومكتب الأمن القومي والأمن السياسي أنذاك.
تدمير السيرفرات
في وقت لاحق قامت المخابرات اليمنية بتفتيش السفارة الأمريكية، ووجد جهاز المخابرات أن الأمريكيين قاموا بطحن وتدمير السيرفرات والهاردات الخاصة بالمعلومات والبيانات وطحنها بواسطة مطحنة أوجدوها للمهمة، وبما في ذلك الوثائق الورقية فقد قاموا بطحنها بالشكل نفسه.
كانت السفارة الأمريكية تملك كابلا بحريا خاصا بها ممتدا من البحر الأحمر إلى وسط السفارة في العاصمة صنعاء، بعيدا عن خطوط الاتصالات اليمنية، عثر على ذلك في وقت لاحق، وقامت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بإبعاده وفصله وإعادته إلى سيرفرات تيليمن.