أمريكا و”إسرائيل” والجماعات التكفيرية.. مثلث الشر في سوريا

موقع أنصار الله . تقرير | أحمد داود

 

تفتقد سوريا لكل مقومات الأمن والاستقرار، بسبب التدخلات الخارجية التي حولتها من دولة آمنة مستقرة منتجة إلى بلد يرزح تحت وطأة الخوف والجوع والنزوح والدمار.

اللاعبون الإقليميون والدوليون كثيرون في الساحة السورية، أبرزهم الأمريكي والروسي كلاعبين دوليين، والتركي والإيراني والإسرائيلي كلاعبين إقليميين، ومع ذلك تتبدل الأوضاع وتتغير مع تغلب لاعب على آخر، أو انتصار طرف على آخر.

ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، والتي جاءت بالتوازي مع أحداث كبرى شهدتها المنطقة، وأبرزها العدوان الصهيوني على قطاع غزة ولبنان، دخلت البلاد في موجة عنف جديدة، وبرز الدور التركي كلاعب رئيس ومهم، وبجواره القطري، حيث تمكنوا من تحريك الجماعات التكفيرية في سوريا، وأوصلوها إلى الحكم، لتقوم بعد ذلك بمهام متعددة، تتمثل في تمزيق النسيج الاجتماعي السوري، وإعادة تبني خطاب الكراهية، والتحريض الطائفي، وقتل الناس على الهوية، وارتكاب أبشع الجرائم وأشنعها وتوثيقها ورفعها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتعطي صورة مغايرة عن أصالة الإسلام وقيمه، ولتحرف الأنظار عن جرائم العدو الصهيوني في قطاع غزة، وتبعث رسائل إلى أكثر من جهة وطرف ولا سيما محور المقاومة في المقام الأول.

وعلى الرغم من قسوة نظام الأسد وسطوته على الشعب، إلا أن سوريا كانت مثالاً للدولة المنتجة المتطورة، وكانت تمتلك كل الوسائل للنهوض، من خلال سياستها التي اعتمدت على الاكتفاء الذاتي، وتطوير التعليم، وما إلى ذلك، لكن أحداث الربيع العربي فتحت جروحاً غائرة على المنطقة برمتها، وكانت سوريا ضمن الدول المستهدفة من قبل الأمريكيين والإسرائيليين وأدواتهم في المنطقة، ومن خلال ما يسمى بـ”الثورة السورية” تم استقطاع الجماعات التكفيرية من جميع أنحاء العالم، وظهرت “داعش” بوجوه متعددة ومتنوعة منها “جبهة النصرة”، و “أحرار الشام” و”جماعة أنصار التوحيد”، وغيرها من الفصائل التي تتشابه في الفكر والسلوك والإجرام.

والآن، تسيطر هذه الجماعات الإجرامية التكفيرية على السلطة في سوريا، وتحظى بالدعم الدولي الكبير، ورغم محاولة إعادة ترميمها، وارتداء قادتها ربطة العنق، والبدلات الأنيقة، إلا أن السلوك لم يتغير، وما يحدث من جرائم قتل وسحل وتنكيل بالمدنيين الأبرياء في الساحل السوري خير دليل على ذلك، فالجماعات التكفيرية تظهر توحشاً غير مبرر على العزل، وتستعرض قوتها على هؤلاء المدنيين، في حين توقع الاتفاقيات مع عملاء أمريكا في البلد، ولا تطلق حتى رصاصة واحدة على العدو الإسرائيلي.

 

 تمدد مستمر للكيان الصهيوني

وإذا كان الجسد السوري قد تعرض للطعنات من قبل الجماعات التكفيرية، فإنها أعطت الكيان الصهيوني فرصة ذهبية للتمدد والسيطرة على مساحات شاسعة في هذا البلد المنكوب، دون أن يجد جيش الاحتلال الإسرائيلي من يوقفه أو يردعه، أو حتى يندد باحتلاله وقضمه للأراضي السورية.

وفي اللحظات الأولى من سقوط نظام بشار الأسد وصعود الجماعات التكفيرية إلى سدة الحكم، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي مئات الغارات الجوية على أهداف ومواقع عسكرية سورية، ودمر نحو 80% من قدرات القوات البرية والبحرية والجوية للجيش، كما تقدمت القوات الإسرائيلية برياً بالمنطقة العازلة في الجولان السوري المحتل لعدة كيلومترات، وكثفت هذه الضربات حتى بلغت في اليوم الرابع من فرار الرئيس الأسد أكثر من 352 غارة جوية على 13 محافظة سورية.

واللافت أن العدو الإسرائيلي قد أطلق على هذه الهجمات العنيفة على سوريا اسم “سهم باشان” المستوحى من التوراة، وبررت “إسرائيل” هذه الهجمات بأنها تهدف إلى تعزيز أمنها ومنع وقوع الأسلحة المتقدمة، مثل الأسلحة الكيميائية، في أيدي من سمتهم “جماعات إرهابية”.

وتوغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ سقوط نظام الأسد في الجنوب السوري، ووصلت إلى عدة نقاط بارزة، منها جبل الشيخ وحرش جباتا الخشب والتلول الحمر بمحافظة القنيطرة، بالإضافة إلى كتيبة الهاون بالقرب من بلدة عابدين في ريف درعا الغربي، حيث أقام الاحتلال نقاطاً عسكرية، ولا يزال متمركزاً فيها حتى الآن.

وحتى كتابة التقرير، لا تزال “إسرائيل” تجد في سوريا ساحة مناسبة لها لتنفيذ أجندتها وأطماعها، فهي تنفذ الغارات متى تشاء دون أن يرد أحد عليها، وهي تحتل ما تشاء، حتى باتت على مقربة من العاصمة دمشق، وهي كذلك تهاجم النظام الجديد من خلال التصريحات النارية، وتصفهم “بالإرهابيين”، بل إن المجرم نتنياهو وجه تحذيراً للنظام الجديد قائلاً :”لن نسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار جنوب دمشق، مطالباً بإخلاء جنوبي سوريا من هذه القوات بشكل كامل”، في حين هدد ما يسمى وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخراً بالتدخل عسكرياً ضد القوات السورية إذا أقدم النظام على المساس بالدروز في ضاحية جرمانا جنوب شرقي دمشق.

قواعد عسكرية أمريكية ثابتة

وإلى جانب الجماعات التكفيرية والتمدد الإسرائيلي في سوريا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ هناك بقواعد عسكرية ثابتة منذ دخولها إلى البلد عام 2015م، حيث تشير التقديرات إلى وجود ما يزيد عن ألفي عنصر أمريكي، منتشرين في المنطقة الممتدة من “المبروكة” شمال غرب الحسكة إلى “التايهة” جنوب شرق منبج.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية في 1 مارس 2018 عن مسؤول في مجلس الأمن الروسي قوله إن الولايات المتحدة أقامت نحو عشرين قاعدة عسكرية في سوريا على أراض خاضعة لسيطرة الأكراد، ومن أبرزها قاعدة “التنف” بالقرب من الحدود مع العراق والأردن.

وبهذا تكون سوريا، مطوقة في مثلث شر محكم الإطباق، فالجماعات التكفيرية هي في الأساس أداة لأمريكا، وهي تتحرك وفق دعم ورعاية تركية قطرية، والعدو الإسرائيلي يتمدد ويسيطر على مساحات شاسعة في الجنوب السوري، في حين تتحكم أمريكا وتقيم قواعد عسكرية في الجنوب الشرقي لسوريا، ووحده الشعب السوري من يدفع الثمن الباهظ جراء هذه التدخلات السافرة التي تؤثر على معيشته ووحدته واستقراره.

قد يعجبك ايضا