المجزرة الأمريكية في رأس عيسى.. الدوافع والأهداف

موقع أنصار الله . تقرير | علي الدرواني

 

شن طيران العدوان الأمريكي غارات وحشية على ميناء رأس عيسى أسفرت عن دمار كبير وإعداد أكبر من الشهداء والجرحى في موقع مدني، يقدم خدماته لما نسبته 80 بالمائة من أبناء الشعب اليمني، وأسفر -حتى كتابة هذه السطور- عن 74 شهيدًا و171جريحًا في حصيلة غير نهائية، ومازالت فرق الإنقاذ من الإسعاف والدفاع المدني تعمل للتعرف عن مفقودين  والبحث عن ضحايا، حسب بيان وزارة الصحة في آخر تحديثاته.

هذه الجريمة الوحشية تعبر بشكل واضح وفاضح عن طبيعة هذا العدو المجرم، والذي تجاوز كل معاني القيم والإنسانية، بشكل غير مباشر في غزة، وجاء ليرتكبها بشكل مباشر في اليمن. لكن ما هي الأسباب والدوافع والأهداف؟

 

الخلفية والدوافع

 

أكملت الجولة العدوانية الأمريكية الحالية على اليمن شهرا كاملا منذ اندلاعها في 16 مارس، ولم تحقق النتائج المطلوبة في حماية الكيان الإسرائيلي، ولا حماية ملاحته في البحرين الأحمر والعربي، حيث ما زالت القوات اليمنية تفرض حصارا ومنعا لمرور السفن الأمريكية والإسرائيلية في باب المندب، ويوم الخميس أطل السيد القائد عبدالملك الحوثي يحفظه الله، وأكد للمرة الثانية أن العدوان الأمريكي فاشل بكل المقاييس والمؤشرات، مكررا أن العدوان لا يؤثر على القدرات المسلحة اليمنية، بقدر ما يساهم في تطويرها، وكالعادة يستدل بالوضع العسكري والقدرات التسليحية للجيش اليمني قبل العدوان وبعده، وقبل إسناد غزة وبعده، ليفجر في خطابه الأخير مفاجأة لم تكن في الحسبان، وهي تلك المتعلقة بتطوير الدفاعات الجوية، وتنفيذ 11 عملية اعتراض وملاحقة طائرات العدو بما فيها الشبحية، بالإضافة لأربعة إطلاقات لصواريخ قدس الاعتراضية على طائرات التنصت والتزود بالوقود، في عمليات منفصلة في البحر الأحمر، وإجبارها على المغادرة، وهذا بالتأكيد كان له وقعه العميق في وعي العدو، بما يثير حالة الغيظ لديه، فلا يجد ما يطفئ غيظه إلا بتلك المجزرة، وإيقاع أكبر الألم لهذا الشعب الأبي الصامد الصابر المجاهد.

وهنا تجب الإشارة إلى أن الأمريكي يعلم بالتأكيد مدى تطور الدفاعات الجوية، لا سيما بعد إسقاط 20 من طائرات ام كيو9، ست منها في عهد المجرم ترامب، ويدرك أيضا أن صواريخ الدفاعات اليمنية قد نفذت عمليات مطاردة أفشلت عددا من عملياته. وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد أشارت إلى أن استخدام قنابل تطلق من مسافة تزيد عن 70 ميلًا بحريًا من أهدافها وصواريخ توماهوك بحرية في محاولة تلافي التهديد الذي تُشكله أنظمة الدفاع الجوي اليمنية.

 

ما الذي حمله بيان المركزية الأمريكية؟

 

ولكي نختم هذه النقطة، فإن استهداف ميناء رأس عيسى تعبير كامل وواضح عن الفشل الأمريكي العسكري، واضطرارهم للبحث عن أهداف سهلة يُظهر مدى التوحش الذي قد يذهب إليه الأمريكي بعد كل هذا الفشل، وقد جاء البيان التفصيلي السريع عن عملية ما سمتها المنطقة المركزية الأمريكية بتدمير ميناء رأس عيسى ليقول الكثير، فهو أول بيان تفصيلي عن عملية محددة، بهذا الشكل، ورغم الغارات الكثيرة على عدد من المواقع في صنعاء وغيرها، إلا أن المنطقة المركزية لم تتعرض لأي منها بهذا القدر من التفصيل، والسرعة حتى في إصدار البيان، حيث صدر البيان لحظة انطلاق الطائرات لتنفيذ المجزرة والجريمة النكراء، وقد كان لهذه السابقة دلالة على عدم وجود معطيات عن بقية العمليات والتي تدعي فيها تدمير قدرات عسكرية، أو قتل قادة عسكريين، فحتى هذه اللحظة لم تصدر أي بيانات بأرقام أو أسماء، ليبقى بيان الجريمة الوحشية هو الوحيد الذي تضمن بعضا من التفاصيل والمبادرة إلى إصداره.

إضافة إلى ما يفهم بين السطور، فقد حرص الأمريكي، بخبث مفضوح أيضا، على محاولة التقليل من الجريمة بادعاء أنها لا تستهدف الشعب اليمني، في وقت هو لا يهتم بأي شعب من الشعوب، حتى الشعب الأمريكي نفسه، وما إجراءات ترامب الأخيرة والرسوم الجمركية وتداعياتها على المستهلك الأمريكي إلا مثال واضح لعنجهية حكام البيت الأبيض، والذي كان ترامب يمثلها بشكل سافر تماما.

 

الأهداف من هذه الجريمة

 

لم تكن هذه المرة هي الأولى في استهداف رأس عيسى، فقد سبق أن تم استهداف الميناء من قبل تحالف العدوان السعودي في يناير 2016، وأسفر عن دمار واسع وعشرات الشهداء والجرحى، وكان بدعم مباشر من الولايات المتحدة الراعي الرسمي لهذا العدوان قبل أن تتورط بشكل مباشر في عدوان اليوم.

والهدف سابقا هو نفس الهدف حاليا: فرض حصار على الشعب اليمني كعقوبة على موقفه المستمر في إسناد غزة، فالميناء هو بنية تحتية تخدم الشعب اليمني كافة، وليس جماعة بعينها، والضرر المقصود إلحاقه ليس بجماعة بعينها، بل بكل أبناء الشعب اليمني، وهذا هو الهدف الأول من الجريمة التي حرصت كما هو واضح على إيقاع أكبر عدد من الشهداء والجرحى، باعتبار اختيار الزمان والسلاح والصواريخ المستخدمة، والصور القادمة من ميناء رأس عيسى توضح مدى التعمد الأمريكي للقتل والتوحش والتدمير للبنى التحتية وتجاوز كل القيم والأعراف والقوانين الإنسانية.

الهدف الثاني المعلن، حسب بيان المركزية الأمريكية، هو الحرب الاقتصادية، وتنفيذ هذه الحرب بقوة السلاح والنيران والقتل، ويعد هذا سابقة خطيرة، ترسل إشارات سلبية لكل العالم، رغم أنها متسقة مع العنجهية التي تعيشها واشنطن في ظل إدارة ترامب الأكثر سفورا من هذه الناحية، ويوجب التصدي العالمي له بكل الوسائل، أولها إدانة هذه الجريمة الخطيرة.

هناك هدف ثالث يتعلق بالمحادثات مع إيران، وقد أورد بيان المركزية الأمريكية ذكر إيران ، من باب أن عليها أن تعلم أن واشنطن لن تسمح بنقل النفط لجماعات يصفها بـ”الارهابية”، ولا يفهم إلا أنه جزء من سياق رسالة العدوان الأمريكي على اليمن إلى إيران التي أعلنها ترامب في اللحظات الأولى لشن العدوان على اليمن قبل شهر ، ولكتها ألسن عدد من المسؤولين الأمريكيين، وهي الرسالة التي وصلت إلى طهران ضعيفة حقيرة ملطخة بفشل شهر كامل من الغارات الأمريكية بمختلف الأسلحة وأحدث الطائرات الأمريكية.

  

الرد اليمني

 

لم ينفصل الرد اليمني عن سابق العمليات المستمرة لإسناد غزة والرد على العدوان الأمريكي، فجاء الرد متناغما شعبيا ورسميا وعسكريا، حيث خرجت الملايين في مختلف الميادين للتنديد بالجريمة الأمريكية، والإصرار على الموقف الراسخ في مواجهة الصلف الأمريكي الإسرائيلي وإسناد غزة، والتأكيد على ثبات الموقف، وتكامله شعبيا وعسكريا، وتزامن الخروج المليوني ببيان عسكري تلاه العميد يحيى سريع من منصة السبعين، معلنا عن قصف هدف عسكري للعدو الإسرائيلي بالقرب من مطار “بن غوريون”، بصاروخ بالستي نوع ذو الفقار، بالإضافة لعمليتين في البحر الأحمر والعربي، ضد حاملات الطائرات ترومان و فينسون، والأخيرة هي الحاملة التي من المقرر أن تخلف ترومان، وقد تم استقبالها مع وصولها إلى مياه البحر العربي، بعدد من الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة.

 

وبهذا يؤكد اليمنيون أن الفشل الأمريكي سيستمر، وأن التقدم اليمني سيتواصل، والموعد النصر بإذن الله تعالى.

قد يعجبك ايضا