القطبية الواحدة تنكمش والعالم يتهيأ لحقبة جديدة بلا أمريكا

موقع أنصار الله . تقرير  

ليس من المبالغة القول إن أمريكا لم تعد كما كانت من الهيمنة الفارضة سطوتها على العالم. ورغم أنها لا تزال تمتلك خصائص قوة وحتى تفردٍ من حيث الفارق، إلا أن ما كان يمثل عوامل ردع وهيبة، خفّ بريقه وتأثيره إلى حد كبير.

يُقر ترامب نفسه بالتراجع الذي تسير عليه بلاده، ففي رئاسته الأولى رفع شعار “أمريكا أولا”، وفي رئاسته الثانية ردد عبارة “أمريكا ثرية من جديد”، كما -وفي التفاصيل- صرح بالعمل على استعادة أمريكا للوضعية التي كانت عليها، وفي ذلك كشف غير مباشر عن أنها فعلا قد تراجعت وباتت بحاجة -حسب تصوره- لهزّات كهربائية للعودة إلى القوة الأولى. المؤشر الثاني على التراجع التحليلاتُ التي تتناولها كبريات المؤسسات البحثية والإعلامية ومنها أمريكية، فتأتي على المعطيات وتفاعلاتها وصولا إلى الاستنتاج الذي يتمحور دائما حول حقيقة التراجع.

وبغض النظر عن نسبة التراجع، فإن حدوثه يكشف للعالم كله بأن البعبع الأمريكي لم يعد يمتلك الكثير من عوامل القوة، فإجراءاته المستهدِفة للدول باتت تُواجَه بالرد المماثل، والسلاح وتصنيعه وتطويره صار في متناول وقدرة الجميع، وإن كان الغالبية لا يزالون مسكونين بالخوف، وفي الجانب الاقتصادي صار هناك من الدول من يناطحه فيه، بل ومتفوقة عليه من حيث العمل بأخلاق معتمدة على قدراتها وإبداعها بشكل خالص دون أن يلوث ما تجنيه من المكاسب أموالٌ من النهب والتحايل والابتزاز كما تفعل أمريكا.

 

البلطجة وممارسة النهب بالإكراه

 مع نهاية الألفية الثانية بدأ الكيان الأمريكي بالانتهاج المكشوف لإجراءات الهيمنة والسيطرة والنهب لثروات “الشرق الأوسط”، ومنه بدأ التراجع في المنطقة، إذ قدم الأمريكي نفسه كبلطجي يمارس النهب بالإكراه، كما حدث في غير مكان، وأهمها فيتنام وأفغانستان والعراق.

عملية الإحراق للصدارة الأمريكية الحاكمة للعالم دفعت بقوى أخرى للظهور بشكل منافس ومهدد للتفرد الأمريكي، فظهرت روسيا والصين، كما تشكلت قوة كوريا الشمالية. فعقب غزو العراق بسنتين، بدأ العجز التجاري للولايات المتحدة، وبلغ مستوى هزّ القلعة المالية لواشنطن. تذكر صحيفة “لوموند” الفرنسية أن العجز التجاري الهائل للولايات المتحدة بلغ في المتوسط نحو 3-4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً من عام 1995 حتى عام 2025. وفي ما يشير إلى التوجه الأمريكي لنهب الآخرين والذي يتضح اليوم بصورة جليّة، تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن ترامب، وبشكل مباشر أكثر، يريد “إعادة ملء خزائن بلاده بالاستيلاء على المعادن الأوكرانية، إلى جانب غرينلاند وبنما”. الصحيفة قالت أيضا “يريد الرئيس الأمريكي أن يُحافظ على السلام الأمريكي من خلال دفعات الجزية من بقية العالم لتمويل العجز المالي الأمريكي بشكل لا نهائي. ولكن مع تراجع القوة الأمريكية، يجب أن نبدأ في تخيل عالم بدونها”، وهذا ورد ضمن مقال حمل عنوان “الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تفقد السيطرة على العالم” للكاتب “توماس بيكيتي” المختص في مجال الاقتصاد.

 

تهور أمريكا يقودها للانهيار

 أيضا التهور الأمريكي وغياب الاتزان في قرارات ترامب يلقي بالولايات المتحدة أكثر في مهاوي التراجع وإن كانت ستظل تحاول المقاومة وادعاء أن كل ما يحدث هو تحت السيطرة وأمر مدروس، ثم وبفعل التراكم للإخفاقات ربما تنصدم بانهيار سريع ومفاجئ، وتمثل الحملة العدوانية ضد اليمن واحدة من المؤشرات على هذه السذاجة في الحسابات. تذكر صحيفة “ناشيونال إنترست” الأمريكية بأنه ورغم الإنفاق الأمريكي الضخم الذي بلغ نحو 4.86 مليار دولار، وفقدان طائرات بدون طيار متطورة مثل (MQ9)  في مواجهة صواريخ دفاع وطائرات مسيّرة منخفضة التكلفة، لم تنجح واشنطن حتى الآن في استعادة الردع المفقود.

ومثل هذا المؤشر دليل آخر على ما صار يخيم على مستقبل الولايات المتحدة، إذ تؤكد الصحيفة الأمريكية أن استمرار الولايات المتحدة في هذا النمط من الانخراط العسكري في “الشرق الأوسط”، قد يُقلص نفوذها في النزاعات الإقليمية، ويُضعف قدرتها على التركيز في مسارح أكثر أهمية كمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. لذلك خلصت الصحيفة إلى أن يكون “يوم التحرير” الحقيقي هو اليوم الذي تتحرر فيه أمريكا من حروب الاستنزاف. يعزز هذا الاعتراف الأمريكي، حقيقة أن الهزّات التي تعيشها الولايات المتحدة اليوم سيكون لها تداعيات خطيرة على البلاد.

  

الحملة ضد اليمن تكلف الأمريكيين الكثير

 وإلى جانب مذبحة رفع التعرفات الجمركية التي ابتدعها ترامب، شكلت أيضا حملته العسكرية ضد اليمن مثار سخرية، كما اعتُبِرت من مظاهر التخلف الأمريكي عن استيعاب الواقع اليوم، وما يفرضه من استحقاق تغيير النظرة الفوقية للآخرين، والعمل وفق ما ينسجم مع الحقائق الجديدة بلا مكابرة وبلا تهور. ويذكر موقع MintPressNews الأمريكي في تقريرٍ أن “الحملة العسكرية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على اليمن منذ منتصف مارس الماضي، كلّفت دافعي الضرائب قرابة مليار دولار خلال ثلاثة أسابيع فقط، دون تحقيق أي أهداف عسكرية ملموسة، وسط تصاعد أعداد الضحايا المدنيين”.

حينها أيضا تبيّن للعالم التفكير غير المتزن لترامب الذي أعلن، بعد أسبوعين فقط من بدء الحملة، بأنه قد قضى على القوة في اليمن، ليصدمه استمرار عمليات القوات المسلحة اليمنية ضد كيان الاحتلال، والكيان الأمريكي المساند في البحر الأحمر. تقرير موقع MintPressNews حذر من أن الحملة الجديدة بقيادة ترامب ضد اليمن قد تتجاوز في تكلفتها وكثافتها عمليات إدارة بايدن السابقة، والتي بلغت كلفتها نحو 600 مليون دولار شهريًا، ما يجعلها واحدة من أكثر الحملات العسكرية تكلفةً في التاريخ الأمريكي الحديث.

كما يشير الموقع أيضا إلى فشل قاذفات بي-2 النووية، التي تم نشرها في القاعدة الأمريكية في دييغو غارسيا، في تدمير منشآت عسكرية تابعة للقوات اليمنية خلال عملية سابقة في أكتوبر 2024، رغم تكلفتها الباهظة.

  

هشاشة البحرية الأمريكية أمام الاستنزاف

في مكان آخر أقر موقع Task & Purpose بأن العمليات اليمنية تُعد واحدة من أخطر المعضلات التي تواجه البحرية الأمريكية في الوقت الراهن. الموقع ذكر في تقرير أن البحرية الأمريكية خاضت على مدار 15 شهرًا – من أكتوبر 2023 وحتى يناير 2025 – أطول وأعنف سلسلة مواجهات بحرية منذ الحرب العالمية الثانية. وذكر التقرير أن هذه المواجهات كشفت عن “حقيقة غير مريحة”، وهي أن البحرية الأمريكية أكثر هشاشة -أمام الاستنزاف الطويل- مما كان يُعتقد سابقا. يقول القائد البحري الأمريكي المتقاعد -حسب الموقع- برايان كلارك: ”التكلفة كانت هائلة إلى حد ما”. ويضيف أن حجم النيران والتكتيكات غير التقليدية التي واجهتها البحرية تمثل تحولًا جذريًا عن بيئات القتال السابقة التي اعتادتها القوات الأمريكية.

  

أمريكا لا تملك استراتيجية بحرية

 من الحقائق التي كشفت عنها معركة البحر الأحمر أن أمريكا لا تقوى على المواجهة الطويلة، وبمعنى أوضح لم يعد بمقدورها أن تنهي أي مواجهة، لذلك لا طريق أمامها إلا المواصلة فالانتحار، أو إعلان الاستسلام، ولا عيب في الأخير طالما وقد اختبرت قدراتها وتبيّن أنها بحاجة لمراجعة واقعها بشكل جدي، خصوصا إذا ما أرادت رفع وتيرة التوتر مع الآخرين كالتنين الصيني.

في سياق مناقشة القرار الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب لاستعادة الهيمنة البحرية يكشف جيمس هولمز، رئيس “كرسي جيه سي وايلي للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية”، عن سلسلة من التحديات والتعقيدات التي تواجه القوة البحرية الأمريكية، مؤكدا ان الولايات المتحدة “لا تملك استراتيجية بحرية بالمعنى الحقيقي للكلمة”.

 

قد يعجبك ايضا