نشر معهد البحرية الأمريكية تقريرًا كشف فيه تفاصيل إضافية عن المهمة القتالية التي نفذتها حاملة الطائرات الأمريكية "هاري إس ترومان"، واصفًا إياها بأنها "أكثر عمليات انتشار حاملات الطائرات كثافة قتالية للبحرية الأمريكية منذ عقود"، في اعتراف نادر بحجم الاشتباك الذي واجهته القوات الأمريكية خلال الأشهر الثمانية الماضية، لا سيما في البحر الأحمر ومحيطه.
التقرير أورد شهادات صريحة من قادة بارزين، أبرزهم قائد المدمرة "يو إس إس ستاوت" المرافقة لترومان، الذي قال: "إنها المرة الأولى التي أشهد فيها قتالًا فعليًا"، ما يعكس انتقال المهمة من حالة انتشار اعتيادية إلى اشتباك مسلح مباشر فرضته الوقائع الميدانية، وخصوصًا الجيش اليمني الذي غير معادلات الاشتباك في المنطقة.
أما قائد المجموعة الهجومية، الأدميرال شون بيلي، وصف المهمة قائلا " انها طويلة ومليئة بالتحديات، وفريدة من نوعها في مسيرتي المهنية بأكملها"، مشيرًا إلى أن إيقاع العمليات والقتال المتواصل طيلة الأشهر الماضية شكّلا ما وصفه بـ"تجربة لا مثيل لها"، وأضاف: "إن إعادتهم جميعًا إلى ديارهم سالمين إلى عائلاتهم يمنحني شعورًا لا يُوصف بالراحة والفخر"، في إشارة إلى النجاة من ساحة مواجهة كانت خارج حسابات القيادة البحرية الأمريكية.
في سياق متصل، نقل التقرير عن قائد قوات الأسطول الأمريكي، الأدميرال داريل كودل، تحذيرًا استراتيجيًا صريحًا بشأن الأثر العميق لمهام كهذه على المؤسسة العسكرية الأمريكية، قائلًا: "إن عمليات النشر التي تمتد لأكثر من ثمانية أشهر تُحدث فرقًا كبيرًا.
ولها تأثير غير متناسب على عدة جوانب: العائلات، والجاهزية المادية، والتأثير على الاستدامة طويلة المدى... من الصعب حقًا تحديد التأثير الحقيقي طويل المدى الذي تُحدثه على هذا النوع من الجاهزية".
التقرير ختم بالإشارة إلى أن حاملة الطائرات "هاري إس ترومان" ستدخل قريبًا في عملية إعادة تزوّد بالوقود وترميم شامل، وهي عملية ستستغرق سنوات، في تأكيد ضمني على حجم الاستنزاف الذي تعرّضت له الحاملة نتيجة انتشارها الأخير، وهو ما يطرح تساؤلات كبرى عن قدرة الأسطول الأمريكي على الحفاظ على جاهزيته في ظل بيئات قتال متغيرة، خاصة بعد أن أثبت اليمن – بإمكاناته المتواضعة نسبيًا – أنه قادر على كسر الهيبة الأمريكية البحرية في أكثر بحار العالم حساسية.
عادت حاملة الطائرات الأمريكية "هاري إس ترومان" إلى قاعدتها في نورفولك بولاية فرجينيا، بعد مهمة استمرت أكثر من ثمانية أشهر شهدت انتكاسات عسكرية وخسائر مادية كبيرة، رغم محاولات الإعلام الأمريكي تصويرها كـ"نجاح عملياتي".
ووفق تقرير نشره موقع "ستارز آند سترايبس" الأمريكي، فإن الحاملة ترومان عادت إلى ميناءها مصحوبة بأضرار واضحة في هيكلها، وشقوق ناجمة عن حادث تصادم بسفينة شحن، إضافة إلى فقدان ثلاث طائرات مقاتلة، كل منها بقيمة 67 مليون دولار، ما يكشف حجم الكلفة الباهظة للانتشار الأمريكي الفاشل في البحر الأحمر ومحيطه.
ورغم التصريحات المبالغ فيها التي أدلى بها قادة البحرية الأمريكية عن "الجاهزية القصوى"، إلا أن الحقائق التي كشفها الموقع عكس ذلك... فقد واجهت ترومان مقاومة شرسة في البحر الأحمر، واضطرت إلى تنفيذ أكثر من 50 يومًا من الضربات الجوية والصاروخية بهدف "تعطيل قدرات الحوثيين"، بحسب وصف التقرير، دون أن تحقق أهدافها، حيث واصل اليمن شنّ هجمات صاروخية متقدمة على سفن التحالف وأهداف في فلسطين المحتلة، رغم كل هذا القصف.
اللافت في التقرير أن البحرية الأمريكية أطلقت أكثر من 1.1 مليون رطل من الذخائر، بينها 125 ألف رطل على ما زُعم أنه مواقع لتنظيم "داعش" في الصومال، إلا أن المحصلة النهائية كانت نتائج عكسية: خسائر مادية كبيرة، تصادم ميداني، وإقالة قائد الحاملة.
وفي مشهد اعتُبره المراقبون محاولة لتغطية الفشل العملياتي بالمشاعر العاطفية، ركّزت التغطية الأمريكية على "لقاء الأحبة" بعد عودة الطاقم، في حين تجاهلت تمامًا الأسباب الحقيقية للفشل، وواقع التحديات التي فرضها اليمن على واحدة من أكبر حاملات الطائرات الأمريكية.
يُذكر أن هذه المهمة، التي اختُتمت برحلة دامت 251 يومًا وغطّت أكثر من 24 ألف ميل بحري، شملت انتشارًا بحريًا واسعًا في أوروبا والشرق الأوسط. لكن وعلى الرغم من هذا الزخم، عجزت البحرية الأمريكية عن وقف العمليات اليمنية النوعية، أوحماية السفن الامريكية و الاسرائيلية في البحر الأحمر، مما يضع علامات استفهام كبرى حول فعالية الحضور الأمريكي العسكري في المنطقة.