موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي
ذهب نتنياهو بأوهامه بعيدا، فظن أن ما يمارسه من إرهاب "مدعوم" ضد شعوب المنطقة كاف لأن يشل قدرة أي دولة عن التحرك ضده، وهذه الحسابات تابع العالم كيف استند عليها النتنياهو في عدوانه على الجمهورية الإسلامية، فذهب يطلق الأسلحة القادمة إليه من أمريكا وأوروبا على الشعب الإيراني بلا اي مبرر يدعم تحركه، ثم أخذ في لحظة غرور ونشوة زائفة يعدد ما استهدفه -ناقلا لمجتمع الغاصبين- بانه قد دمر قدرة إيران على الدفاع عن نفسها وتنفيذ أي عمل هجومي ضد كيانه غير القانوني.
ما شهده العالم عقب ذلك عزز من واقع ضآلة النتنياهو، وهشاشة كيانه، إذ تمر أيام والموجات الصاروخية الإيرانية تواصل تأديب الصهاينة في عقر المكان المحمي بكل أنواع وأشكال الحماية، ولم يُجدِ مع الهجمات الإيرانية أشكال الأسلحة الغربية ولا التصريحات الترامبية المتشنجة التي حاول من خلالها شحن معنويات المستوطنين من جهة، وإرهاب الإيرانيين من جهة أخرى.
كشفت موجات الصواريخ الإيرانية بأن الكيان بالفعل ليس أكثر من جماعات تم تأليبها من مناطق مختلفة من العالم، بعد أن تم وعدهم بكيان خاص بهم، وبأمان وفرص حياة رغيدة مقابل استيطان المكان، وإذا بهم محاصرون اليوم بالموت والدمار، ولا أمن ولا أمان، وباتت الملاجئ أقل بكثير من استيعاب ملايين الفارين من الموت.
تصم صفارات الانذار آذانهم ويُرعب نفسياتهم وقْعها، وتحيط بهم المشاهد الشبيهة بما يرتكبونه في غزة.
لا شك بأن تورُط العدو الصهيوني بالاعتداء على الجمهورية الإسلامية يبدو كبيرا، وقد تبين له أنه قد أوقع نفسه في مأزق حقيقي هو ليس أهلا لتحمل تبعاته، وها هو يرصد صواريخ وطائرات الجمهورية الإسلامية وهي تحلق في سماء كيانه قبل أن تنقض على أهدافها بشكل دقيق ومحكم، ليتضح من ذلك أول مظاهر العجز عن تفعيل منظومات الدفاع الخرافية التي لم يكن لها يوما أثر يُذكر، إلا على صفحات الإعلام.
والتراجع في حدة التصريحات، وبخاصة تلك التي كان ترامب ينشرها بغرور وغطرسة قُبيل وأثناء العدوان، ومن ثم البدء بالبحث عن سُبل ووسطاء لإيقاف ما يجري قبل غرق كيانه المدلل، دليل قائم على أن الجمهورية الإسلامية ظهرت بشكل مفاجئ وغير متوقع، وأن اشتغال سنوات في جمع المعلومات والتخطيط وزراعة العملاء، قد انهار مع ردة الفعل الإيرانية في طورها الأول قبل تصاعد شكل ومضمون هذا الرد، إذ جاءت عصا التأديب الإيراني بقوة وعيد قائد الثورة ورئيس الجمهورية، والمستويات السياسية والعسكرية، فأيقظت خبراء التخدير من سكرتهم، فلا كل ذلك الجهد حقق هدفا، ولا الدولة الإيرانية انهارت من جرأة العدو وارتكابه حماقة العدوان، ولا المفاعلات تأثرت بالشكل الذي أراد النتنياهو وترامب، ولا اغتيال القادة سبب أدنى إرباك لصفوف الدولة الإقليمية.
المؤشر الآخر على حالة الصدمة التي مُني بها الكيان والأمريكان هو ظهور الفعل الذي كان يقابل تهيؤات نتنياهو بضرب القدرات الإيرانية الدفاعية والهجومية، فكشفت موجات الجمهورية الإسلامية الصاروخية والمسيّرات عن مسار تصاعدي في الكم والكيف، لتطال أهدافا ما كان في حسابات العدو يوما أن تكون عرضة للضرب، ثم في تحوُّل العدو من بعد هجمته العدوانية الأولى التي زعم فيها ضرب القدرات النووية الإيرانية، لاستهداف المنشآت المدنية، وهذا ما يجيده الكيان والعسكر الأمريكيون.
النتائج حتى الآن تشير، في شق منها، إلى أن العدو ارتكب حماقه العدوان، بقصد زيادة تأزيم وضع المنطقة وخلط الأوراق، في مسعى إما مباشر لتحقيق أهداف بذاتها، منها حسم موضوع منع إيران من حقها في التصنيع النووي السلمي، وبقاء نتنياهو في دائرة النجم والبطل القومي الذي يحاول أن يبعد كيانه من عقدة الثمانين.
وفي مسعى غير مباشر تعمّد العدو الإسهاب في تصوير إيران للعالم بأنها إذا امتلكت السلاح النووي فإنها ستمثل خطرا على العالم وعلى وجوده. وهذا الأمر ظهر بأنه قد تم توزيع الخوض فيه بشكل مدروس لغرض تثبيته كحد أدنى يتوجب على العالم استيعابه والتعامل معه بجدية إذا أراد إيقاف المواجهة، وبهذا يدخل العدو كطرف مباشر في موضوع الملف النووي الإيراني.
ورغم الأسلوب التحايلي الذي ينتهجه العدو إلا أنه من غير المتوقع أن يغير شيئا. فالثابت لدى الجمهورية الإسلامية، والذي لا حياد ولا تراجع عنه، هو أن موضوع التخصيب وامتلاك البرنامج النووي السلمي حق وشأن وطني لا يمكن التنازل عنه أو السماح لأي طرف بالتدخل فيه. وعلى إثر ذلك لا شك بأنه صار على العالم، خصوصا من يقف خارج نطاق التأثير في السياسة الدولية، أن يلتحموا لإعادة مضامين المعاهدة الدولية لمنع اتشار أسلحة الدمار الشامل إلى الواجهة، بحيث يتم التذكير بالحقوق التي كفلتها المعاهدة للدول. كما وفي الوقت ذاته إعادة تذكير الجميع بالجهة الوحيدة التي تمتلك الحق في متابعة الدول التي تريد السير في هذا المجال. وإذا ما توفرت الضمائر الحية والإنصاف، التوجه أيضا لإخضاع مفاعلات الكيان الإسرائيلي ونشاطه النووي للتفتيش وتقييم ما بحوزته من أسلحة دمار شامل بواقعية.
حتى وإن وطّن الكيان الصهيوني نفسه على تحمل الضربات، فالأكيد أن تآكله أصبح أمرا لا مفر منه، وإن هي إلا مسألة وقت. فبالنظر إلى تركيبته، تظهر جملة الحقائق التي تؤهله وبجدارة لمثل هذه النتيجة المخزية، فهو لفيف غير متجانس فيما بينه، مختلِف الفكر والثقافة بتنوع البيئات المختلفة التي جاء منها إلى الأراضي العربية.
إنه لم يكن حتى مجتمعا واحداً تناثرت به الأقدار فأُعيد تجميعه، وإنما مجاميع اتخذوا قرار الانضمام إلى عصابة الأراضي في فلسطين المحتلة، وتأسيس كيان صهيوني غير شرعي، ربما يحسّن من فرصهم في الحياة. لذلك لا يمكن لكيان لا يعيش إلا على شن الحروب، ويفر مجتمعه من أي هجوم، أن يبقى قائما.
اليوم، والكيان يتعرض للعصا الإيرانية، تبين أن كل تلك الأحلام الوردية التي رسمها قادته على مدى (77) عاما للمستوطنين ليست أكثر من أوهام وأحلام يقظة، فالضربات الإيرانية أظهرت انعدام القدرة على الدفاع عن البلطجة، وأن الباطل أضعف من أن يكون له حضور في الاهتمام، أو يكون له تأثير.
والأكيد أيضا، أن التآكل الإسرائيلي بدأ يترسخ لدى كل الأنظمة، بما فيها الأنظمة التي ترى فيه وحشا خرافيا قادرا على فعل ما يريد بلا أدنى محاسبة، وهذه القناعة لا شك بأنها التي ترسخت منذ عملية السابع من أكتوبر "طوفان الأقصى"، والتي دشنت بدء انهيار الكيان، إذ عجز خلال أكثر من عام ونصف عن السيطرة على مقاومين محاصرين في مساحة جغرافية ضيقة في غزة، كما عجز أن يرفع عن نفسه حصارا جويا وبحريا فرضته عليه القوات اليمنية رغم تدخل أنظمة الاستكبار والغطرسة أمريكا وبريطانيا وفرنسا معه، ويبدو اليوم أضعف أمام القدرات الإيرانية وهو ما يشهده العالم.
وأما على صعيد اعتبار أن ما قام به العدو كان بمثابة عدوان واضح ومكشوف، فذلك ينبني على قيامه بعمليته الإرهابية فجأة بالنيابة عن أمريكا التي أرتعدت مع ثبات إيران على موقفها المشروع في ما يختص بالبرنامج النووي السلمي. وأما الأمر الثاني لتأكيد العدوان، فظهر في الظهور الساذج للسيناتور الأمريكي المدعو "ليندسي غراهام" الذي غرد خارج السرب وكشف بفجاجة عن نفسه المشوهه، حين قال إن "إسرائيل ردّت على الهجمات الإيرانية"، والجميع يعلم بأن شيئا من هذا لم يحدث، "غراهام" هذا هو من دعا نتنياهو -قبلاً- لاستخدام القنبلة النووية ضد أبناء غزة، ويبطُل العجب إذا ما عُرف أن هذا السيناتور الجمهوري كان قد حصل على أكثر من مليون دولار، دعما من منظمة "إيباك"، وهي مجموعة ضغط تدافع عن السياسات المؤيدة للعدو الإسرائيلي لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية للولايات المتحدة.
لذلك لم يكن غريبا أن تأتي أيضا تصريحات الرجل فجة غير منطقية وغير موزونه، ومثيرة للسخرية، فهو يقول إن "إيران تريد فرض دينها على العالم وإعلان الحرب على جميع الأديان الأخرى"، ويقول إن "إيران عدو الإنسانية".
الخراب الذي حل بالكيان يبدو نتيجة طبيعية للتمادي في الوهم بالقدرة على فرض استمرار الاستباحة واستهداف دول المنطقة بلا أي حساب، أو استمرار تحدي العالم باللجوء إلى تمزيق ميثاق الأمم المتحدة أمام الجميع، وإنها ذروة الاستخفاف التي تشير إلى بدء العد التنازلي لهذه الغطرسة.
ولا شك أن حالة الانهيار هذه تسحب نفسها على رأس الشيطان أمريكا، التي أعطت الضوء ومكّنت هذا الكيان من لعب دور البلطجي الصغير، كي يكون صاحب القرار والسيادة على المنطقة، فانهياره يعني تراجع الحضور الأمريكي وصولا إلى تلاشي تأثيرها على المنطقة. أمريكا زودت ولا تزال تزود هذا الكيان بكل أدوات القوة، لكنها راهنت على الحصان الخاسر، لذلك تحاول الآن الخروج من عار هذه الضربات التي توجهها إيران بثقة وثبات على رأس الكيان، ولم يجد المدعو ترامب حرجا في إنكار صلته بالعدوان الإسرائيلي على الشعب الإيراني المسلم، متناسيا تشدقه بالقول يوم بدء العدوان الإسرائيلي على إيران إنهم في اليوم الواحد والستين لمهلة الستين يوما التي منحها للوصول إلى حل بشأن البرنامج النووي، والتي -حسب قوله- انتهت.