موقع أنصار الله . تقرير 
نظرًا للتطورات المتسارعة في فلسطين المحتلة، وتحديدًا في قطاعِ غزة، من استمرار لحرب الإبادة الجماعية، واستشهاد الآلاف من أبناء شعبِنا الفلسطينيِّ الشقيق جرّاء العدوان والحصار المستمر منذ أشهر، وفي ظلّ صمت عربيّ وإسلامي وعالميّ مخزٍ، فإنَّ اليمن، وأمام استمرار هذه المجازر المروعة والوحشية وغير المسبوقة في تاريخِنا المعاصرِ، وجد نفسه أمام مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية تجاه المظلومين الذين يتعرضونَ، وبشكل يوميّ وعلى مدار الساعة، للقتل والتدمير بالقصف الجويّ والبريّ والبحريّ، وبالتجويعِ والتعطيش، وهو ما لا يمكن أن يقبلَه أيُّ إنسان.
ومن هذا المنطلق قررت القوات المسلحةُ اليمنيةُ -بالتوكلِ على اللهِ وبالاعتماد عليه عزّ وجلّ- تصعيدَ عملياتها العسكرية الإسنادية، والبدء في تنفيذ المرحلة الرابعة من الحصار البحريّ على العدوّ الإسرائيلي، وتشمل هذه المرحلةُ استهداف كافة السفن التابعة لأيّ شركة تتعامل مع موانئ العدو الإسرائيليّ، بغضّ النظر عن جنسية تلك الشركة، وفي أيّ مكان تطالُه أيدي القوات المسلحة.
يمثل إعلان القوات المسلحة اليمنية، مرحلة رابعة من الحصار البحري على العدو الصهيوني، خياراً استراتيجياً ضاغطاً، سيزيد الخناق على الكيان المجرم. القرار  من شأنه أن يفاقم المعاناة الاقتصادية لدى الصهاينة، فضلاً عن كونه يمضي لإدخال الكيان الصهيوني في عزلة بحرية غير مسبوقة، على غرار العزلة الجوية الدولية.
إعلان القوات المسلحة استهداف السفن -من أي جنسية كانت- يعني دخول السفن الأمريكية في قائمة الحظر، وهو ما يُعَد تحديا كبيرا للأمريكيين، خاصة وأنه سيتم استهداف السفن في أي مكان تطاله القوات المسلحة، سواء في البحر الأحمر والعربي أو في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، ناهيك عن أن اليمن يمتلك الإرادة لتنفيذ تهديداته.
من تبعات القرار اليمني أن ميناء حيفا سيزداد حصاراً بشكل مفاجئ، وقد نشهد مع ذلك إطلاق الصواريخ أو الطائرات المسيرة لتشمل ميناء أسدود، وبالتالي يصبح العدو (الإسرائيلي) أمام معوقات كبيرة.
التوسع في نطاق الاستهداف سيؤدي حتماً إلى رفع كلفة التأمين البحري، وإرباك عمل الشركات الدولية المرتبطة بالعدو، ما يشكل ضغطاً اقتصادياً متصاعداً يصعب احتواؤه، وهو ما جعل العدو اليوم يعيش حالة من الإحراج والارتباك، خاصة في ظل إخفاقه في ردع صنعاء رغم الغارات المكثفة التي شنها على محافظات يمنية مختلفة.

 

تبعات إسناد دول التطبيع للعدو الصهيوني

ويرى مراقبون أن إعلان القوات المسلحة موجه أيضاً لدول التطبيع التي تتعامل مع العدو الصهيوني، سواء تركيا أو أي دولة، فلا استثناء لأي دولة في العالم، سواء كانت "إسلامية" أو غير إسلامية، وما يؤكد هذه الفرضية أن الإعلام الحربي وزع أمس مقابلات مع طاقم السفينة "ETERNITY C" والتي أغرقتها القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر.

الملفت في الاعترافات أنها تضمنت أن ميناء أم الرشراش كان وجهة السفينة من ميناء بربرة في الصومال، وأن ميناء جدة السعودي كان وجهة لغرض التمويه والتموين.
استهداف هذه السفينة هو بمثابة التمهيد لعمليات الاستهداف للشركات التابعة لدول التطبيع، بعد أن وصل الأمر إلى نقطة اللا عودة. السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي أشار في خطاباته الأخيرة إلى أن هناك دولاً عربية وإسلامية تدّعي نصرة فلسطين في الوقت الذي تعمل على إمداد العدو الإسرائيلي بالمؤونات التي يحتاج إليها، وقد ناشد السيد تلك الدول بمقاطعة العدو الإسرائيلي كأقل موقف إن بقي لهم ذرة من الأخلاق والقيم والإسلامية. 
كما كشفت القوات المسلحة أمس أن السفينة ETERNITY C تديرها الشركة المشغلة COSMO SHIPMANAGTMENT SA والتي لديها عدة سفن تعاملت مع موانئ الكيان الصهيوني، منها سفينة HSL NIKE والتي شحنت من موانئ تركية ومصرية إلى موانئ حيفا المحتلة أربع رحلات خلال "مارس، إبريل، يونيو، يوليو" من العام الحالي، وسفينة FAITH والتي شحنت خلال الأشهر الماضية رحلتين قادمة من موانئ تركية ومصرية.
وأوضحت القوات المسلحة أن المرحلة الرابعة من عملياتها البحرية ستسهم  في فضح الداعمين للعدو الصهيوني، مشيرة إلى أن هناك شراكة تجارية بين دول التطبيع العربي والإسلامي مع العدو الصهيوني، تقوم بإسناد إجرامه بحق الشعب الفلسطيني.

 

توسيع بنك الأهداف البحرية

لم تحدد القوات المسلحة اليمنية منطقة جغرافية معينة لعملياتها ضمن المرحلة الرابعة ، بل أشارت إلى أن "أي مكان" تصل إليه الأسلحة اليمنية قد يكون هدفًا، بما في ذلك البحر الأبيض المتوسط ورأس الرجاء الصالح والمحيط الهندي، وهذا يعني أن القوات المسلحة أعدت العدة من الأسلحة بما يكفي لمواكبة التطورات، خاصة وأن سفن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول التطبيع تتعامل مع الكيان الصهيوني، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد العديد من العمليات النوعية ضد السفن المخالفة للقرار اليمني.
 الهدف الأساسي هو الضغط على العالم لوقف المجزرة الإنسانية في غزة، وإلا فإن اليمن ماض في تنفيذ حصاره على الكيان ومنع الشركات المتعددة الجنسيات.
توسيع بنك الأهداف العسكرية اليمنية يهدف إلى تضييق الخناق بشكل أكبر على كيان العدوّ الصهيوني، فهذه الخطوة ستفرض تبعات سياسية واقتصادية كبيرة على الصعيد العالمي والإقليمي ما لم يتوقف العدوان والحصار على غزة.
وهذا التصعيد اليمني سيؤثر بشكل مباشر على سلاسل التوريد العالمية، أسعار الطاقة والغذاء، تكاليف التأمين، وأجور النقل؛ ما سيضع ضغوطاً هائلة على الدول ذات الشركات المتورطة في تقديم الدعم للكيان والملاحة إلى موانئ فلسطين المحتلة. أضف إلى ذلك فإن الأزمات العالمية الراهنة، من أزمة طاقة وغذاء وتباطؤ اقتصادي ستتفاقم؛ جراء هذا التصعيد، ما سيشكل المزيد من المشاكل للعالم بأسره، وخاصة للدول التي تدير سوق النقل العالمي.

أسلحة اليمن التكتيكية

تمكن اليمن -بفضل الله ورجاله الأوفياء- من ابتكار أسلحة ذات تأثير ملحوظ وتكاليف زهيدة، فاليمن  أدخل الطائرات الميسرة والصواريخ الباليستية لأول مرة في المعركة البحرية، ما مكنه من توجيه ضربة استراتيجية ضد الأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية. الأمر الذي أدى بأكبر الأساطيل الأمريكية إلى مغادرة منطقة الاشتباكات في البحر الأحمر، وسط انهيار معنوي لجنود البحرية الأمريكية، ووسط إقرار أمريكي رسمي بالصعوبات التي واجتها البحرية الأمريكية، بينها تصريحات قائد الأسطول الأمريكي الخامس الذي أقر بأن اليمن طالما فاجأ الجنود الأمريكيين بتكتيكات وأسلحة تتطور مع كل ضربة وأخرى، وفيما يتعلق بسرعة الصاروخ اليمني فأكد أن دفاعات العدو لا تملك سوى 30 ثانية للتعامل مع الصاروخ اليمني، وهو أمر بالغ التعقيد. 
من المعلوم أن تكلفة الطائرة المسيرة اليمنية لا تُقارن بثمن صاروخ اعتراضي أمريكي قد يصل إلى 4 ملايين دولار، ومع ذلك، فإنَّ هذه الطائرات أجبرت أقوى بحرية في العالم على الانكفاء؛ ما يعكس تحولًا في قواعد الاشتباك؛ حيثُ لم تعد الكمية وحدها معيارًا للتفوق، بل أصبحت هذه النوعيةُ، ولو بأدوات بسيطة، قادرة على تغيير موازين القوى.
التكتيك اليمني المستخدم في البحر الأحمر اعتمد استنزاف العدو بأسلحة ذات تكلفة محدودة، في مقابل الكلفة الباهظة التي تدفعها واشنطن للتصدي للهجمات اليمنية. أضف إلى ذلك براعة الجيش اليمني في المزج بين الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة في وقت متزامن، ترافق مع ذلك دقة فائقة في التوقيت المناسب لتسديد الضربات، مفاعيل هذا التكتيك ظهرت جلية في فقدان البحرية الأمريكية طائرتين من نوع إف 18 المتقدمة، مع الاعتراف باضطرار حاملة الطائرات لإحداث انعطافة سريعة هربا من الصواريخ اليمنية، ما يعني أن حاملة الطائرات باتت مكشوفة أمام الأسلحة اليمنية.

المرحلة الرابعة وتغيير معادلات الردع في البحر الأحمر 

لا تقتصر المعركة التي تخوضها القوات المسلحة اليمنية على التأثير المباشر على العدو والمتمثل في إغراق السفن ودك الأهداف في عمق الكيان الصهيوني، بل تخوض القوات المسلحة صراعا شاملا مع قوى الاستكبار، تهدف من خلالها إلى تغيير المعادلات العسكرية وخارطة الانتشار في الوطن العربي، بعد عقود من الهيمنة الغربية على أهم الممرات الدولية في العالم المتمثل في باب المندب.
كانت شرارة انطلاق معركة تغيير المعادلات في البحر الأحمر لحظة إقدام البحرية الأمريكية مطلع يناير 2024م على الاعتداء على ثلاثة زوارق تابعة للبحرية اليمنية أدت إلى استشهاد 10 مجاهدين، وأعقب ذلك إعلان "معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، ومنذ ذلك الوقت دخلت القوات والقطع العسكرية الأمريكية في قائمة الأهداف اليمنية، إثر ذلك لم تجرؤ الولايات المتحدة على الدخول -منفردة- في مواجهة مباشرة مع اليمن، فشكلت تحالفا دوليا من عشرات الدول أسمي "تحالف الإزدهار"، هدف إلى القضاء على القدرات اليمنية، وإبعاد الخطر اليمني عن الشريط الساحلي، لينتهي الأمر -في نهاية المطاف- إلى الهزيمة المدوية عقب إعلان ترامب التوصل لاتفاق مع صنعاء يقضي بإيقاف العدوان على اليمن مقابل إيقاف استهداف السفن الأمريكية، دون الإشارة إلى السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، والذي من أجله تشكل التحالف الأمريكي البريطاني. 
هذا المشهد المستجد في البحر الأحمر مثّل نقطة تحول حاسمة في التاريخ العسكري. بعد أن تمكن اليمن من الاستهداف المباشر لأربع من حاملات الطائرات الأمريكية التي تعتبرها حجر الزاوية في معادلة الردع الأمريكية، القائمة على الانتشار المدروس لحاملات الطائرات، والسيطرة من خلالها على كامل المنطقة التي تتواجد فيها، ولكن هذه الورقة باتت محروقة، الأمر الذي أحدث تأثيرا استراتيجيا في الخطط الأمريكية.
صحيفة "بيزنس إنسايدر" الأمريكية نقلت المناقشة التي حدثت في مجلس الشيوخ الأمريكي مع الأدميرال داريل كودل، الذي اختاره ترامب لرئاسة العمليات البحرية، حيث خصصت المناقشة لواقع المعركة في البحر الأحمر، وما ورد فيها من اعترافات صريحة بـ"الثغرات القاتلة" في القوة البحرية الأمريكية، والتي ظهرت بوضوح في مواجهة القدرات اليمنية، يؤكد أن التكتيكات اليمنية أظهرت فعالية استخدام الأسلحة منخفضة التكلفة لتحقيق استنزاف حاد في الترسانة الأمريكية؛ فبينما تكلف الطائرة المسيرة اليمنية بضعة آلاف من الدولارات، يضطر الجانب الأمريكي إلى استخدام صواريخ اعتراضية من طراز (SM-2) أَو (SM-6)، التي تصل تكلفة بعضها إلى أربعة ملايين دولار، بل وأحيانًا تُستخدم صواريخ (SM-3) التي قد تتراوح تكلفتها بين 10 إلى 30 مليون دولار للصاروخ الواحد؛ لاعتراض أهداف بحرية أَو صواريخ باليستية يمنية.
هذا الفارق الهائل في التكلفة، يؤدي إلى استنزاف مادي ولوجستي لا يمكن للقوات الأمريكية تحمله على المدى الطويل، خَاصَّة في ظل استمرار الهجمات اليمنية وتعدد جبهات المواجهة، حسب قول الصحيفة.


اعتماد اليمن على ما يسمِّيه الأمريكيون بـ"تكتيك الإغراق في الجحيم" أَو "الإشباع النيراني"، وذلك عبر إطلاق دفعات متزامنة من المسيرات والصواريخ على القطع البحرية؛ مِمَّا يجعل أنظمة الدفاع عاجزة عن صد جميع الأهداف في آنٍ واحد. هذا التكتيك -حسب توصيف أحد المحللين الأمريكيين- حوّل بعضَ حاملات الطائرات إلى "بَطٍّ في الماء"، أي مُجَـرّد هدف عاجز في عرض البحر.
هذه النجاحات التكتيكية "فتحت نقاشات عميقة داخل دوائر القرار الأمريكي حول جدوى حاملات الطائرات وغواصات الردع، ودفعت إلى إعادة توجيه التمويل العسكري نحو تطوير تقنيات الحرب الحديثة، كالزوارق والطائرات والغواصات المسيرة، بدلًا عن الاستثمار في الأسلحة التقليدية باهظة التكلفة".
الأدميرال "كودل" أكّـد في جلسة الاستماع أن الأزمة ليست في "النية" أَو "العزيمة"، بل في "القدرة" على مواكبة وتيرة التحديات الجديدة. وهذا الاعتراف، يكشف عن أزمة في البنية الصناعية العسكرية الأمريكية، التي لم تعد قادرة على تلبية متطلبات ساحة المعركة الحديثة، في وقت تستثمر فيه دول أُخرى -مثل الصين وروسيا- في مجالات تسليحية جديدة قائمة على المرونة والكفاءة الاقتصادية.
أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي تساءل صراحةً: "هل سينتظرنا الآخرون عقدًا كاملًا حتى نستعيدَ تفوقنا؟"، في إشارة إلى مخاوفَ أمريكية من التسارع النوعي الذي يحرزه خصومها.
وعن نهاية زمن الهيمنة البحرية المطلقة، فإن معركة البحر الأحمر فرضت واقعًا استراتيجيًّا جديدًا، فالبحر الأحمر -بصفته شريانًا حيويًّا للتجارة العالمية ومنطقة حساسة جيوسياسيًّا- كان طوال العقود الماضية منطقة نفوذ أمريكية بامتيَاز، مع تواجد مُستمرّ للأسطول الخامس والقواعد العسكرية على السواحل المشاطئة.
إلا أن الانسحاب الأمريكي التدريجي من هذه المنطقة -تحت وقع الاستنزاف اليمني- لم يكن مُجَـرّد "إعادة انتشار"، بل انكفاءً بفعل الضغط العسكري والخطر المتزايد.
تصريحات نائب وزير الحرب الأمريكي، التي قال فيها: إن "زمن الهيمنة البحرية المطلقة قد ولّى"، تعكس اعترافًا ضمنيًّا بتراجع النفوذ العسكري الأمريكي في البحر الأحمر ومناطق أُخرى من العالم.