موقع أنصار الله . تقرير | علي الدرواني

لم يكن سقوط الصواريخ الإيرانية داخل العمق الإسرائيلي مجرد تطور ميداني عابر، بل كشف عن واحدة من أخطر الثغرات في النظام الدفاعي للعدو، الذي طالما روّج له بكونه حصنًا منيعًا أمام أي تهديد خارجي. الضربات الأخيرة، التي استهدفت مواقع بالغة الحساسية، لم تكن فقط دقيقة في إصابتها، بل نوعية في تركيبتها، إذ تحدثت تقارير إيرانية وإسرائيلية عن استخدام إيران لصواريخ تحتوي على رؤوس انشطارية، بعضها يصل إلى 26 رأسًا متفجرًا في صاروخ واحد، ما يجعل التصدي لها أكثر تعقيدًا حتى لمنظومات متقدمة مثل تلك التي تعمل على حماية الكيان، وهي إسرائيلية وأمريكية وغربية.

أهداف استراتيجية تحت النار

ما يثير القلق أكثر داخل الكيان، ومن خلفه الغرب والولايات المتحدة، هو أن بعض هذه الصواريخ أصابت مواقع استراتيجية محمية، مثل قواعد عسكرية، مراكز قيادة، ومخازن ذخيرة، وهو ما أقرّت به مصادر في الكيان الإسرائيلي، معتبرة أن ما جرى يُعد "الاختبار الأخطر" منذ إطلاق مشروع الدفاع الصاروخي المشترك مع الولايات المتحدة. الهجوم كشف فشلًا في اعتراض عدد من الصواريخ قبل وصولها إلى أهدافها، رغم رصدها مبكرًا، ما يثير أسئلة حساسة حول كفاءة أنظمة التتبع والتشويش الإلكترونية، خصوصًا في ظل التكتيك الإيراني الذي اعتمد تارة على الإغراق الكثيف والمركّب للمجال الجوي الإسرائيلي، وتارة على عدد أقل من الصواريخ، وفي إحدى المرات كانت الموجة الصاروخية عبارة عن صاروخ واحد، وهو الصاروخ  الذي استهدف مركزا يضم مؤسسات عسكرية وسيبرانية نشطة للعدو فى فلسطين المحتلة، حيث تداولت حسابات فى مواقع التواصل الاجتماعى مقطع فيديو لمبنى فى "بئر السبع" يعتقد أنه تابع لشركة مايكروسوفت العالمية، تشتعل به الحرائق، ومحاطا بالأدخنة بعد إصابته بالصاروخ الإيرانى صباح الجمعة.

التحذيرات الأمريكية: نقص مخزون واعتماد مفرط

تقرير خطير نشرته صحيفة واشنطن بوست أشار إلى نقص حاد في صواريخ الاعتراض الإسرائيلية، بحيث لا تكفي سوى لعشرة أيام من الاشتباك المستمر، إذا استمرت وتيرة الهجمات الإيرانية، أو من أطراف حليفة لها بنفس الزخم. هذا النقص يمثل تهديدًا وجوديًا لقدرة "إسرائيل" على "التحمل الدفاعي"، ويكشف عن اعتماد مفرط على الدعم الأميركي في حالة الطوارئ.
أما وول ستريت جورنال، فنقلت عن مسؤول في البنتاغون وصفه للوضع الدفاعي الإسرائيلي بأنه "هشّ ومكشوف" في حال تفجر صراع شامل على عدة جبهات. ورغم إرسال مدمرات أمريكية إلى السواحل الشرقية للبحر المتوسط، فإن ذلك لا يعوّض التآكل في المخزون الإسرائيلي، ولا يعالج المشكلة البنيوية في التصدي لصواريخ دقيقة وعالية التدمير.

التفوق المفترض تحت التهديد

كل هذه التطورات تضع علامة استفهام كبيرة على مقولة "التفوق العسكري المطلق" الذي لطالما تباهت به "تل أبيب"، وروّجت له واشنطن. فإذا كانت المنظومات متعددة الطبقات، والتي يشترك في تطويرها كبار مصنعي السلاح في العالم، قد عجزت عن صد رشقات صاروخية مركبة، فماذا عن سيناريو تصعيد إقليمي أكبر، يشمل حزب الله في الشمال، وساحات أخرى غير متوقعة؟
ما زاد من قلق الدوائر الأمنية الغربية هو أن الصواريخ الإيرانية ليست فقط دقيقة ومدمّرة، بل باتت مُزوّدة بتقنيات تشويش ومناورة ذكية، تقلل من فاعلية أجهزة الرادار والرصد، وتسمح بتجاوز طبقات الدفاع واحدة تلو الأخرى، وهو تطور ينذر بخلل عميق في ميزان الردع التقليدي.

زمن الحساب والعقاب

ما حدث ليس مجرد فشل تقني عابر، بل قد يمثل بداية انهيار في عقيدة التفوق الدفاعي الإسرائيلي. تقلب إيران اليوم قواعد الاشتباك رأسًا على عقب، وتخوض معركة الردّ الواعد على كيانٍ اعتاد العدوان وتوهم الحصانة! الموجة الثامنة عشرة من عملية الوعد الصادق، لم تكن مجرد رشقة صواريخ أو تحليق طائرات مسيّرة، بل كانت إعلانًا واضحًا أن زمن الهيمنة والعربدة الصهيونية قد انتهى، وأن زمن الحساب والعقاب قد بدأ.