موقع أنصار الله . تقرير 

رُفِعت الصحف ولم ترفع الجثث في غزة، جفّت الأقلام ولم يجف الدم النازف على المذبح الفلسطيني، حيث لا يقابِلُ إيغالَ "إسرائيل" بالدمِ إلا إغراق العرب في الصمت..  صمتٌ لا يستفزُّه ضجيجُ الدبلوماسية الغربية، وغياب لا يردّه تردّدُ قادة الغرب على "إسرائيل"، وترديدهم على مسمع العالم كل يوم وكل ساعة في كل محفلٍ: (لـ"إسرائيل" حق الدفاع عن النفس؛ وليس عليها في الفلسطينيين من سبيل.)
 كان يصح القول إن العرب متماهون مع المجزرة الصهيونية في غزّة بتوقيت اليوم الثاني منها، لكن وقد بلغ الدم الزبى بعد الشهر الـ21  يصح بل يجب القول إنها الخيانة في أقبح صورة الشراكة، وإلا ماذا بعد الـ60 ألف شهيد إلا الإبادة، وماذا بعد التجويع إلا التهجير وإفراغ القطاع من أهله بالجوع و القنابل والعطش.
كل رصاصة تطلقها "إسرائيل" تقع على لحم، وكل لقمة توجد خلف الأسوار ينتظرها جسد جائع. تعرف "إسرائيل" ماذا تريد، وما تريده تعلنه وتفعلُه بلا خشية من أشقاء غزة، ولا حرجٍ من القوانين الدولية والإنسانية، والإنسانيةُ -وفق المنظور اليهودي- حكر على أتباعهم، لذا فـ"إسرائيل" -وهي تبيد حين تقتل- هي ملتزمة حرفياً بالقانون الدولي، وتحديداً الدولي الإنساني منه، طالما أن من تبيدهم بالقنابل والجوع ليسوا بشرا حسب الثقافة اليهودية.

التجويع سلاح العدو

لم تَعد القنابلُ الأمريكية سلاحَ العدوِ المفضَّل لارتكابِ المجازرِ؛ فالتجويع -على سبيل تركيع المقاومة- بات هو السلاحَ الأفضل من بين كل قنابل أمريكا وصواريخ الغرب على غزة، يظل التجويع فخر الجرائم الصهيونية، وأفتك أسلحتها المميتة، حيث يصبح الخبزُ حلماً يراودُ أطفالَ غزّة، ووحدَهُ الجوعُ يُنسيهم بقيةَ مصائبِهم، يُنسيهم أنهم يتامى، ويلهيهم عن آبائهم شهداء، فهم بالكاد يصارعون جوعهم ولا وقت للحزن ولا للبكاء.
وزارة الصحة في قطاع غزة أعلنت تسجيل 5 حالات وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية ناجمة عن المجاعة وسوء التغذية. وبينت أن العدد الإجمالي للضحايا الذين قضوا نتيجة سياسة التجويع الإسرائيلية ارتفع إلى 180 شهيدا، من بينهم 93 طفلا.
وتزامن ذلك مع تحذيرات أممية من أزمة تعطيش حادة، حيث يعاني نحو 90% من سكان غزة من عدم القدرة على الوصول إلى مياه صالحة للشرب.

هل يستصيغُ المتخمون طعامهم بعد هذه المشاهد، وأنى يستلذ الناس بأقواتهم و"إسرائيل" لا يشبع حقدُها من أجسادِ هؤلاء، تحاصرُهم وتجوّعهم ثم تجمعُهم على شاحنةِ المساعدات و تسفك دماءهم على طحينها المتناثر، إنه فن القتل بما لا يتصوره بشر سوي ولا قلب سليم، ودفن الضمير بما لا يقوى عليه إلا عالم خَبُثَ باطنه وساء واقعه فما عاد أسوأ منه ولا أقبح.
في غزة لم يَعد الموت جوعاً مثلاً يُقال ولا قصةً تحكى أو أسطورةً تروى، بل هي الحقيقة القاتمة في أسوأ حالٍ تشهدها الإنسانية في تاريخها الحديث، حيث يتسنّى أخيراً للعالم أن يرى كيف يموت الناسُ جوعاً.
ولكشف الزيف الصهيوني فقد قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن 80 شاحنة مساعدات إنسانية فقط دخلت قطاع غزة، أمس الأحد، وتعرضت غالبيتها للنهب والسرقة نتيجة الفوضى الأمنية التي يُكرّسها العدو الإسرائيلي بشكل ممنهج، ضمن ما بات يُعرف بسياسة “هندسة الفوضى والتجويع” الهادفة إلى تفكيك المجتمع وضرب مقومات صموده.
وأكد المكتب في بيان له، الاثنين، أن الاحتياجات الفعلية اليومية لقطاع غزة تُقدّر بما لا يقل عن 600 شاحنة إغاثة ووقود، لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة في القطاعات الصحية، والخدماتية، والغذائية، في ظل الانهيار الكامل للبنية التحتية، واستمرار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الإسرائيلي.

عداد الشهداء في تصاعد

وفي آخر الاحصائيات، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، وصول 94 شهيدًا (منهم 4 شهداء انتشال)، و439 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقالت الوزارة في بيان لها، الاثنين: إن ما وصل إلى المستشفيات خلال الـ24 ساعة الماضية من شهداء المساعدات بلغ 29 شهيدًا و 300 إصابة، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات إلى 1,516 شهيدًا وأكثر من 10,067 إصابة.
ووفق الوزارة؛ بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 حتى اليوم 9,440 شهيدًا و 37,986 إصابة. كما ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 60,933 شهيدًا 150,027 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م. موضحة أن العديد من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة.
مؤسسة "الضمير لحقوق الإنسان" أفادت بأن 54 فلسطينيًا قُيدوا في خانة المفقودين الذين ما زال مصيرهم مجهولاً، عقب توجههم لمراكز توزيع المساعدات الإسرائيلية الأمريكية. مؤكدة: “لم تكشف قوات الاحتلال عن مصيرهم”.

انهيار القطاع الصحي

 يومًا تلو الآخر تتكشف جوانب من الجرائم التي يقترفها جيش العدو الإسرائيلي خلال عدوانه الهمجي على قطاع غزة.
المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى خليل الدقران ذكر أن سياسة العدو تسببت في انهيار تام للمنظومة الصحية، إذ تجاوزت نسبة إشغال الأَسِرّة في المستشفيات 300%، ما اضطر الكوادر الطبية إلى فرش الممرات والساحات لاستيعاب تدفق المصابين.
وبحسب المتحدث، فإن أقسام الأطفال في مستشفيات غزة تشهد اكتظاظا غير مسبوق، حيث يُضطر الأطباء إلى تنويم 3 إلى 4 أطفال على السرير الواحد، وسط بيئة صحية متدهورة، وانتشار واسع للجرذان والحشرات في أماكن النزوح والمخيمات.
ونظراً لانهيار النظام الصحي في قطاع غزة، فإن الأوبئة عاودت الانتشار، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة تسجيل ثلاث حالات وفاة بمتلازمة "غيلان باريه"، محذرة من تصاعد خطير في حالات الشلل الرخو الحاد ومتلازمة "غيلان باريه" بين الأطفال في قطاع غزة، نتيجةً لالتهابات غير نمطية، وتفاقم وضع سوء التغذية الحاد.
وأوضحت في بيان، اليوم الاثنين، أن الفحوصات الطبية كشفت عن وجود فيروسات معوية غير شلل الأطفال، ما يؤكد وجود بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية بشكل خارج عن السيطرة. وذكرت أن حالتين من حالات الوفاة كانتا لطفلين لم تتجاوز أعمارهما 15 عامًا، توفيا بعد فشل محاولات إنقاذهما بسبب عدم توفر العلاج اللازم بسبب الحصار.
وشددت على أن "هذه ليست مجرد حالات وفاة.. بل هي إنذارٌ بكارثة حقيقية مُعْدِية مُحتملة."

ما هي "متلازمة غيلان باريه"؟

متلازمة غيلان باريه (Guillain-Barré Syndrome - GBS)؛ هي اضطراب عصبي نادر وخطير، يهاجم فيه الجهاز المناعي الأعصاب الطرفية، ما يؤدي إلى ضعف عضلي حاد قد يتطور سريعًا إلى شلل مؤقت. ويُعَدُّ هذا المرض من أهم أسباب الشلل الحاد غير الناتج عن إصابات في العمود الفقري.

وغالبًا ما تَظهر أعراض "غيلان باريه" بعد 10 أيام إلى 3 أسابيع من الإصابة بعدوى فيروسية أو بكتيرية، ومن بين العداوى المرتبطة به: عدوى الجهاز التنفسي العلوي، عدوى الجهاز الهضمي، خاصة ببكتيريا كامبيلوباكتر جيجوني (Campylobacter jejuni)، فيروس زيكا، الإنفلونزا الموسمية، فيروس إبشتاين-بار (EBV).
والمتلازمة ذاتها غير معدية، لكنها قد تظهر نتيجة عدوى مُعدية، كما أنها تظهر في الأشخاص المصابين بعدوى سابقة، والذكور هم الأكثر عرضة للإصابة به، ونادرا ما يصيب الأطفال.
من أبرز الأعراض للمتلازمة ضعفٌ أو تنميلٌ يبدأ في الساقين وقد يمتد إلى الذراعين والوجه، شلل تدريجي قد يصل إلى عضلات التنفس (ويحتاج المريض إلى التهوية الصناعية)، ألم في العضلات أو المفاصل، تغيرات في ضغط الدم أو معدل ضربات القلب، صعوبة في التحكم بالبول أو الإخراج، فقدان التوازن أو التنسيق الحركي.
وعن خطورة المرض؛ قد يؤدي إلى فشل في الجهاز التنفسي إذا وصلت الأعراض إلى عضلات الحجاب الحاجز، ويمكن أن يستمر التعافي من أسابيع إلى سنوات، وفي بعض الحالات، تظل مضاعفات دائمة مثل الضعف أو التنميل، ومعدل الوفيات يتراوح بين 4–7%، خاصة عند غياب الرعاية الصحية المكثفة.