موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي
في الوقت الذي يعيش فيه العدو الصهيوني حالة من التخبط والارتباك والتأزم، نتيجة استمرار عماه الاستخباراتي في اليمن، وفشله الذريع في الحصول على المعلومات حول القدرات اليمنية، ونتيجة الإحباط من العجز الأمريكي في تجاوز معضلة اليمن الاستراتيجية، وفك الحصار الذي عطّل ميناء أم الرشراش وأربك ملاحته الجوية، في هذا الوقت تظهر القوات المسلحة اليمنية بمفاجأة جديدة تهدد باقي موانئ العدو، بتوسيع نطاق عملياتها الهادفة إلى إحكام الحصار البحري عليه، ضمن مرحلة رابعة زاد الإعلان عنها من قتامة مشهد الملاحة الدولية المرتبطة بـ"إسرائيل".
استنادا إلى المرحلة الرابعة من العمليات العسكرية اليمنية، فإن كل شركة أو سفينة تتعامل مع كيان العدو الصهيوني ستكون معرضة للاستهداف وإنْ لم تكن وجهتها موانئ فلسطين المحتلة، واستنادا إلى الإعلان أيضا، فإن نطاق العمليات سيمتد ليشمل البحر الأبيض المتوسط ومضيق رأس الرجاء الصالح مرورا بالمحيط الهندي، وإلى جانب البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب، ما يعني ضرب "سلاسل التوريد" في مقتل. ومؤخرا وجهت القوات المسلحة إنذارا أخيراً للشركات المنتهكة لقرار الحظر فإن العقوبات قد تشمل الشركات التي تتعامل مع الشركات المنتهكة للحظر.
وعلاوة على أنها تؤكد بأن المعضلة اليمنية ستبقى تتصاعد بضرباتها حتى إذعان العدو بوقف جرائمه في غزة، فإنها تزيد من ضمور الحضور الدولي له، ومن ثقة العالم بأنه مكان غير آمن وغير قابل للحياة.
تَلقُّف المراقبين والخبراء السياسيين والعسكريين للإعلان اليمني بجدية، لا يأتي فقط من كونه يُعد مؤشرا على استمرار المخاطر في المياه العربية بسبب تجاوز شركات الملاحة للقرار اليمني، وقيام سفنها بنقل البضائع للكيان مقابل قيامه بفرض حصار خانق غير إنساني على أهالي غزة، وإنما من يقينهم بأن اليمن ليس في سياسته إطلاق "فرقعات" إعلامية، بل قرارات وإجراءات تتحول إلى فعل على أرض الواقع، وتحركات عملية تأتي استجابة لتطورات الأحداث المتعلقة بتمادي الكيان الإسرائيلي في تصعيده العدواني ضد أهالي غزة، وهي الفكرة التي باتت مكتسبة عن اليمن لدى كل العالم. لذلك دعا الكثير إلى التعاطي مع الإعلان اليمني بمسؤولية حتى لا تتأزم حركة الملاحة أكثر مع ما سمته مجلة "لويدز ليست" البريطانية المتخصصة في الشؤون البحرية بـ"مرحلة رعب جديدة" تشهدها حركة الملاحة.
يؤكد مارتن كيلي، رئيس قسم الاستشارات في شركة "إي. أو. إس. ريسك"، أن القوات اليمنية بصدد تطبيق هذا النهج بالفعل، مستشهداً بعملية استهداف ناقلة النفط "ماجيك سيز" كدليل على جدية هذه التحذيرات. فيما دعا ديرك سيبيلز، المحلل في شركة "ريسك إنتليجنس"، مشغلي السفن إلى التعامل بجدية بالغة مع التحذيرات اليمنية، محذراً من أن تجاهلها قد يؤدي إلى "خسائر جسيمة"، مستشهدا أيضا بما حدث للسفينتين "ماجيك سيز" و"إنفينيتي سي" اللتين تم استهدافهما وأُغرقتا.
وفي مقابل العمى الاستخباراتي الصهيوني، يُظهر اليمن تفوقا استثنائيا في الحصول على المعلومة الدقيقة حول هويّات السفن ووجهاتها، حتى مع محاولاتها التمويه أو تعطيل إشارات التتبع.
وتشير هذه المستجدات والتطورات في سياق المواجهة مع أعداء الأمة إلى امتصاص اليمن للضربات الجوية الصهيونية المتكررة (الإسرائيلية والأمريكية) وتجاوز تداعياتها، واستمرار قواته المسلحة في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، واختراق حصون العدو التي لم يسبق أن اقتربت منها قوة عربية من قبل، فضلا عن عجز العدو الصهيوني ومعه الأمريكي عن وقف استمرار هذه الهجمات القادمة من اليمن، بل وحتى عن منع وصول الصواريخ والطائرات المسيرة إلى أهدافها، وهو ما يُعيد شكل الصراع مع العدو الصهيوني، ويجعل اليمن قوة إقليمية. يؤكد رئيس تحرير مجلة “لويدز ليست” ريتشارد ميد أن "قوات صنعاء لم تعد في موقع رد الفعل، بل أصبحت تملك زمام المبادرة الهجومية، ما أدى إلى إطالة أمد المواجهة البحرية، في ظل عجز التحالفات الغربية عن تحقيق الردع أو تأمين ممرات الملاحة الحيوية".
وتخلص دراسات وتحليلات الخبراء والمراقبين إلى أن اليمن بهذه التحولات الاستراتيجية في حضوره البنيوي، قد "خرج من عزلته الجيوسياسية، ولم يعد مجرد ساحة لحرب أهلية منسية. إنه اليوم جزء من معركة كبرى تعاد فيها صياغة توازنات الشرق الأوسط".
في هذا الوقت أيضا يواصل العدو الصهيوني ممارسة هواية الكذب، والحديث عن تَمكُّن دفاعاته الجوية من رد الصواريخ اليمنية، وهي الاسطوانة التي اعتادها العالم منه، قبل أن يتبين لاحقا -سواء من التسريبات أو من اعترافات العدو نفسه- ما أحدثته الصواريخ والطائرات المسيرة من آثار مباشرة وغير مباشرة.
وبالنظر إلى تحريك العدو لمنظومات "ثاد"، "آرو"، "مقلاع داوود"، و"القبة الحديدية" بمختلف طبقاتها الدفاعية، فإن استخدام كل هذه المنظومات يؤكد فشل العدو في رد الخطر القادم، ويُسقط كذبة الدفاعات الجوية الصهيونية.
علاوة على ذلك، تؤكد حالة الهلع التي تصيب داخل الكيان فور وصول الصاروخ اليمني، وخروج الملايين منهم من منازلهم في اتجاه الملاجئ والغرف المحصنة باعتراف العدو نفسه، وكذا الآثار الاقتصادية المترتبة على خروج ميناء أم الرشراش من الخدمة، والذي يُعد نقطة دخول رئيسية للبضائع القادمة إلى الكيان من جمهورية الصين الشعبية والهند وأستراليا، ودول أخرى، وكذلك عدم انتظام تشغيل مطار اللد يؤكد كلُّ ذلك حجم الأثر البالغ الذي أحدثه دخول اليمن في معركة الإسناد والانتصار لغزة، رغم المحاولات البائسة في التقليل من هذا الأثر أو الحديث عن صد الهجمات اليمنية.
وقياسا على ما أحدثه حصار ملاحة العدو وتعطيل ميناء أم الرشراش خلال المرحلة السابقة من تداعيات اقتصادية هائلة، فإن المتوقع -مع المرحلة الربعة من التصعيد اليمني في حصار الكيان بسبب جرائمه ضد الإنسانية- هو الشلل لحركة موانئ العدو، خَاصَّة على البحر المتوسط، كميناءَي حيفا وأسدود. ما يعني انهياراً اقتصادياً سيلقي بظلاله على واقع الكيان، وقد يدفع الغاصبين فيه إلى اتخاذ قرارات المغادرة.
وهذا التطور يشير بوضوح إلى ثبات جبهة الإسناد اليمنية على موقفها، وأنها ستبقى فاعلة ولن تتوقف حتى يتحقّق وقف العدوان ورفع الحصار الكامل عن قطاع غزة، بما يعنيه ذلك من ظهور مفاجآت أخرى جديدة في أشكال التصعيد في العمليات إلى أطوار متقدمة تزيد من التضييق على العدو لإجباره على الانصياع للإجماع الدولي بإيقاف أعمال البلطجة ضد شعب أعزل، والتي ولّدت كارثة إنسانية لم يشهد التاريخ مثيلا لها.