موقع أنصار الله . تقرير
منذ أن عرفت أوروبا نفسها، ومنذ أن دوَّنت صفحات تاريخها الأول، كان الدم هو الحبر الذي تكتب به فصولها. فالإجرام والتوحش مغروس في وجدان شعوبها، حتى صار القتل عندها متعةً والتعذيب ترفيهًا، يجتمع الأوروبيون بمختلف أعراقهم وإثنياتهم - الروس، الألمان، الفرنسيون، الإنجليز، الإيطاليون، الإسبان، والبرتغاليون - على قسوة الطبع لدرجة جعلت التعذيب والقتل عندهم نوعا من التسلية:
- فحلبة الموت الرومانية (الكولسيوم) في وسط روما كانت هي مصدر التسلية والترفيه لكل المجتمع رجالا ونساء وأطفالا، فالأسرة بكاملها كانت تحضر إليها لمشاهدة الأسود المفترسة التي يتم تجويعها ثم إطلاقها على الأسرى الذين يتم إدخالهم إلى الحلبة مع زوجاتهم وأطفالهم فتلتهمهم الأسود الجائعة وتقطعهم إربا وسط ضحكات واستمتاع الحضور.
- كانوا يجبرون أسراهم على أن يتقاتلوا فيما بينهم فيجبر الصديق على قتل صديقه، وكانت مسابقات المبارزة التي تنتهي بالموت هي اللعبة الأكثر شعبية لدى الجماهير الأوروبية الرومانية القديمة، ولهذا نجد أن الحروب التي يقتل فيها الملايين كانت أمرا متكرر الحدوث بينهم.
- مثال تلك الحروب الأوربية: حرب الثلاثين عاماً التي قتل فيها ما يزيد عن أحد عشر مليون شخص، ونقص فيها سكان ألمانيا من عشرين مليونا إلى ثلاثة عشر مليون، ونتج عن ذلك نقص كبير في عدد الرجال فجعلوا تعدد الزوجات إجباريا، وفي حروب نابليون قتل أكثر من ستة ملايين إنسان، وفي حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا قتل ما يزيد عن أربعة عشر مليون إنسان.
وفي الحرب الأهلية الروسية قتل ما يزيد عن تسعة ملايين، وفي حروب فرنسا الدينية قتل نحو أربعة ملايين، وفي الحرب العالمية الأولى التي بدأت بين النمسا وصربيا قتل ما يزيد عن عشرين مليون إنسان. وفي الحرب العالمية الثانية التي بدأت باجتياح ألمانيا لبولندا قتل نحو خمسة وثمانين مليون إنسان.
الحروب والمجازر الأوربية أكبر من أن تحصى في تقرير، وكلها حروب ومجازر دموية مروعة يتم القتل والتعذيب فيها بوسائل رهيبة لا تخطر على بال. مثال ذلك:
التمشيط بأمشاط الحديد، واستخدام النشر بالمنشار، وسحق العظام بآلات ضاغطة، واستخدام الأسياخ المحمية على النار، وتمزيق الأرجل، وفسخ الفك، كما استخدموا مقلاع الثدي لخلع أثداء النساء من جذورها، والتابوت الحديدي، وكرسي محاكم التفتيش الذي يحتوي على مسامير في كل نقطة منه.
عندما خرج الأوروبيون بقسوتهم هذه إلى العالم أحدثوا دمارا وخرابا هائلا للبشرية، فعندما اتجهوا غربا إلى أمريكا مسحوا سكانها من على وجه الأرض مستخدمين أبشع الوسائل التي لا تخطر على عقل بشر، ومن ذلك أنهم كانوا يقدمون مئات البطانيات الملوثة بجراثيم الجدري والسل والكوليرا كهدايا للسكان الأصليين لتحصدهم دون أدني جهد، وقد قتلوا بذلك الملايين من السكان الأصليين "الهنود الحمر" خلال عقود قليلة.
كما عملوا جوائز مالية لمن يأتي برأس أحد السكان الأصليين من الرجال أو النساء أو الأطفال، ما جعل الصيادين ينتشرون في أرجاء القارة الأمريكية يجلبون الرؤوس بأعداد هائلة، ثم اقتصر الأمر على فروة الرأس ليسهل عليهم الحمل، وقد أصبح الكثير من الصيادين يفتخرون بأن أحذيتهم مصنوعة من جلود البشر.
تطور الأمر وأصبحت هناك حفلات للسلخ والتمثيل يحضرها كبار المسؤولين الأوروبيين، فأبادوا أكثر من مائة مليون من السكان الأصليين في أمريكا، والنتيجة تغيير كامل لسكان أمريكا ليحل محلهم الأوروبيون.
فكل دول أمريكا الشمالية والجنوبية اليوم يملكها الأوروبيون بإثنياتهم المختلفة، فالبرازيليون هم برتغال وإسبان، والأرجنتينيون هم إسبان وإيطاليون. ونجد أن معظم سكان أمريكا الجنوبية هم إسبان، إضافة للإثنيات الأوربية الأخرى، خاصة في تشيلي، الأورغواي، كولومبيا، فنزويلا، وغيرها.
عندما اتجه الأوروبيون نحو أفريقيا حولوا "الرق" إلى تجارة مثل "تجارة الماشية"، فقد كانت الحكومات الأوروبية هي التي تحتكر تجارته، وتضع القواعد المنظمة لهذه التجارة، وكانت أسهم شركات تجارة العبيد هي الأعلى ربحا، وبعد تحرير تلك التجارة والسماح للشركات الخاصة بالعمل في هذا المجال أصبحت تلك الشركات تصدر كميات مهولة من الأفارقة إلى الدول الأوروبية ومستعمراتها في كل أنحاء العالم.
فالشركات الفرنسية لوحدها كانت ترسل ما لا يقل عن مائة ألف أفريقي سنويا إلى المناطق التابعة لفرنسا في أمريكا.
أضف إلى ذلك الشركات الإسبانية والإنجليزية والتجار الإيطاليين والألمان والبرتغال وغيرهم. ويقدر عدد الأفارقة الذين تم إرسالهم إلى الأمريكيتين بالملايين، وكل ذلك كان عملا مقبولا تصدر له الحكومات الأوروبية التصاريح اللازمة، ويستثمر فيه الشعب أمواله من خلال شرائه لأسهم هذه الشركات.
ما سبق هو ما فعله الأوروبيون في أمريكا وأفريقيا.
لم يتغير وجه أوروبا وإن غيّرت لباسها. ففي البوسنة والهرسك سُفكت دماء المسلمين على مرأى من العالم الـ"متحضر". في التاريخ المعاصر شهدنا مجازر البوسنة التي قتل فيها نحو 300 ألف مسلم، واغتصبت فيها نحو 60 ألف امرأة وطفلة مسلمة، وهجّر نحو مليون ونصف المليون مسلم، واستمرت المجازر لنحو 4 سنوات، هدم الصرب فيها أكثر من 800 مسجد بعضها يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر، وأحرقوا مكتبة سراييفو التاريخية، ووضع الصرب آلاف المسلمين في معسكرات اعتقال، وعذبوهم وجوعوهم حتى أصبحوا هياكل عظمية.
ولعل أبشع ما حدث كان هو مجزرة (سربرنتيشا) الشهيرة التي حاصرها الصرب لمدة سنتين، ولما لم يستطيعوا أن يدخلوها بالرغم من تجويعها طلبوا من أهلها تسليم أسلحتهم مقابل الأمان، وبعد أن سلموا أسلحتهم انقضوا عليهم وعزلوا الذكور عن الإناث، وجمعوا 12،000 من الذكور (صبياناً ورجالاً) فذبحوهم جميعاً طعنا بالسكاكين، ومثلوا بهم أبشع تمثيل، وذلك على مرأى من القوات الهولندية المسؤولة عن حماية المدينة.
ومن أبشع ما قام به الأوروبيون قبل سنوات ما حدث في العراق من تعذيب بشع قامت به القوات الأمريكية، فقد تفجرت الفضيحة في العام 2004، إذ قاموا بعمليات قتل واغتصاب وانتهاكات رهيبة في سجن أبو غريب، حيث تمت عمليات اغتصاب منظمة للنساء، وهتك لأعراض الرجال، إضافة إلى استخدام الكهرباء والكلاب وكافة وسائل التعذيب، فقد مارس الجنود الأميركيون 13 طريقة في تعذيب السجناء العراقيين، تبدأ من الصفع على الوجه والضرب، وتنتهي بالاعتداء الجنسي واللواط، وترك السجناء والسجينات عرايا لعدة أيام، وإجبار المعتقلين العرايا الرجال على ارتداء ملابس داخلية نسائية، والضغط على السجناء لإجبارهم على ممارسة أفعال جنسية شاذة وتصويرها بالفيديو، كما كانوا يجبرون السجناء العرايا على التكدس فوق بعضهم البعض.
ذلك هو الغرب الذي يتحدث اليوم عن الحرية وحقوق الإنسان. غربٌ بنى مدنيته على جماجم الشعوب، وصاغ تقدّمه من عظام المقهورين، وتجمّل بقوانين لا تنطبق إلا على غيره. إنه الغرب الذي يلوك خطاب الإنسانية فيما يسنّ سكاكين الإبادة، ويخطب عن السلام فيما هو يرتكب إبادة جماعية. تاريخه الأسود شاهد عليه، وحاضره امتداد لذلك التاريخ، فكلما تحدث الغرب عن “القيم” تذكّرنا أن تلك القيم نُقشت بدماء الملايين من ضحايا الإجرام الأوروبي.